صورة أ أف بي بعد لحظات ساد فيها الأمل بانتهاء الأزمة المتفجرة في لبنان جاءت أحداث اليوم الرابع للقتال لتجدد المخاوف التي تصب في اتجاه الحرب الأهلية، وتظل دماء اللبنانيين شاخصة أمام السيوف والخناجر المتعطشة لسفكها، فبعد ثلاثة أيام من القتال المحدود والخسائر الطفيفة سقطت بيروت في يد قوى المعارضة اللبنانية، التي أحكمت سيطرتها على لبنان بأكمله، لكن أحداث يوم أمس السبت كشفت عن وجود خلايا نائمة تنتفض بين الحين والآخر مهددة بتفجير الموقف، "الشروق" عاشت تفاصيل الحدث لحظة بلحظة، فسجلنا ما حجب عن الآخرين، ووضعنا أيدينا على ما لم تصل إليه الأياد الأخرى.. ومع بداية الساعات الأولى من نهار السبت كان الهدوء مخيما على بيروت، ومع انتصاف النهار انقلب الموقف حيث قامت مجموعة مسلحة بإطلاق النار على جنازة في منطقة الحمراء أدت لمقتل ستة أشخاص على الأقل وإصابة 08 آخرين، وفي مناطق متفرقة من شمال لبنان وجنوبه سادت توترات مصحوبة ببعض الاشتباكات بين تيار "المستقبل" وبعض عناصر القوى في المعارضة، لكن سرعان ما سيطر الجيش على الأمر، لتتوجه الأنظار إلى خطاب رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الذي طال غيابه عن مسرح الأحداث، في حين لم يعلق اللبنانيون أملا كبيرا على اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي يعقد اليوم الأحد، وتبقى القلوب منقسمة بين خائف من شبح التدخل العسكري الخارجي، وقلوب متلهفة لهذا التدخل، وكالعادة يظل لبنان حتى هذه اللحظة منقسما في رؤيته السياسية والميدانية إلى إشعار آخر. وكشفت مواجهات اليوم الرابع أن مرتكبيها تصرفوا بدوافع شخصية، وأن ثمة تهورا من بعض الشباب المتحمسين وأدت مواجهات بين الأكثرية والمعارضة إضافة إلى إطلاق نار على جنازة لأحد أنصار تيار "المستقبل" إلى سقوط 11 قتيلا أمس السبت. وقد تجمع مئات من الشبان من أهالي الطريق الجديدة حول المقبرة وهم في حالة غضب بعد إطلاق النار وسقوط القتلى، فيما انتشرت عناصر من الجيش بين المقبرة ومستديرة شاتيلا احد مداخل الضاحية الجنوبية معقل حزب الله حيث انتشر مسلحون. ويرتفع بذلك عدد قتلى المواجهات بين الاكثرية والمعارضة ليوم السبت إلى احد عشر في حين ارتفعت حصيلة القتلى منذ بدء المواجهات الخميس إلى 29 قتيلا. * سكارى ومغررون يطلقون النار وأيا كانت الصورة، فان ثمة زلزال سياسي كبير وقع في لبنان، ستمتد حتما ارتداداته على المنطقة العربية بأكملها. وخلافا للتغطيات المتميزة للحروب والأحداث التي وقعت في العالم خلال السنوات القليلة الماضية، لم تستوعب كثير من وسائل الإعلام الثقيلة المتواجدة في بيروت ما يحدث على أرض المعركة، فلم تتمكن من رصد المجريات، لأن الأمور كانت أكبر من التوقعات والتكهنات والدراسات، وكثير من الزملاء المراسلين روعتهم الاعتداءات التي طالتهم أثناء اليوم الأول للقتال، فتواروا في مكاتبهم حرصا على حياتهم. ومن بين جميع هؤلاء كنا في مواقع الحقيقة، حيث الرصاص والقذائف والدماء، فكان الثمن اعتداءات وجروح وحلق الموت بجناحيه فوق الرأس. وكانت البداية من أمام مصرف "مصر -لبنان"، الذي يقع في أحد طوابقه مركز تيار "المستقبل" الذي يتزعمه سعد الحريري، حيث كنت ساعتها في الضاحية الجنوبية ببيروت، ورغم ذلك سمعت طلقات النار، وما هي إلا لحظات حتى وصلني الخبر، فتوجهت على الفور إلى المكان، ولحظة وصولي تزامنت مع إطلاق نار كثيف من شرفات مركز تيار "المستقبل" تجاه جموع جماهيرية غفيرة قررت اقتحام المبنى لوضع حد لهذا الاعتداء، كانت النيران كثيفة وتركت بصماتها بوضوح على الجدران وأبواب المحلات التجارية الموصدة، وتحت وابل من الرصاص أصاب كل شيء اضطررت إلى الاختباء في زاوية قريبة من المواجهات، ولم تمر أكثر من 20 دقيقة حتى وصلت قوات الجيش، التي اقتحمت المبنى واعتقلت المسلحين، الذين بلغ عددهم 21 شخصا. وما أن تمت هذه العملية حتى توقف القتال في هذه المنطقة، وعلى بعد عشرات الأمتار، كان أفراد من حزب الله وحركة أمل، قد ظهروا فجأة بأعداد كثيفة ليفتحون لمجموعة من الجيش الطريق الذي اكتظ بالجماهير الغاضبة من ممارسات المجموعة المعتقلة ضد القاطنين في الحي السكني، ولولا تدخل هؤلاء لفتكت تلك الجموع بالمعتقلين، الذين تم نقلهم حيث جهات التحقيق، لكن مجموعة أخرى من قوات الجيش ظلت داخل المبنى للقيام بعمليات تفتيش، خرجت على إثرها حاملة بعض الأسلحة الرشاشة والجعب العسكرية، إضافة إلى كميات كبيرة من المشروبات الكحولية كانت مخبأة داخل إحدى خزائن المركز، وكذلك الزجاجات الفارغة التي تثبت أن المعتقلين كانوا في حالة سكر.. * النجاة من الموت في البداية تمنيت مثل الكثيرين أن يكون الموضوع حادثا عرضيا سرعان ما تمت السيطرة عليه، لكني سمعت دوي الانفجارات يتجدد مرة أخرى من اتجاه منطقة "رأس النبع" ببيروت، فانتقلت للمكان لأجد عناصر مسلحة أخرى من تيار "المستقبل" قد انتشرت على أسطح المنازل، متخذة أوضاع قتالية ترمي من خلاها الطلقات العشوائية والقنصية باتجاه أهالي المنطقة التابعين للمعارضة والذين كانوا يردون بأسلحة رشاشة على أولئك رغم ارتدائهم لملابس مدنية، ولم تمر أكثر من 05 دقائق حتى حضر جنود حزب الله وعناصر حركة أمل ليبعدوا الأهالي إلى أماكن آمنة تحت سواتر من النيران، ليتولوا هم القتال مع عناصر "المستقبل"، كانت المواجهة في هذه الجولة أشد خطورة حيث استمر إطلاق النار لمدة، انتهى الأمر بعدها باستسلام عناصر تيار "المستقبل"، فقام جنود المعارضة بتسليمهم لقوات الجيش التي كانت على مقربة من موقع المعركة، تزامن ذلك مع انتشار مسلح كثيف لمليشيات "المستقبل" في طريق الجديدة والفاكهاني القريب من هذا الموقع، واستمرت عمليات القنص في هذا الطريق، حتى شاهدت دماء القتلى والجرحى متناثرة على الطريق، لكن تلك العناصر كانت مسيطرة بشكل تام على جميع أسطح المنازل في انتشار يوحي بأن الأمر مرتب له ومدرب عليه منذ أمد، كانت الرصاصات تتطاير فوق رأسي، فوجدت نفسي محاصرا، وعلى عجل اختبأت في مدخل إحدى البنايات، إلا أن الأمر تطور على الأرض إلى اشتباكات متبادلة بين عناصر "المستقبل" والمعارضة، وفي تلك الأثناء كنت أسجل ما يحدث بالكاميرا، فلمحني مسلحو تيار "المستقبل"، وفجأة هجم علي أكثر من خمسة أشخاص، ودون مقدمات انهالوا علي ضربا بمؤخرات البنادق والمسدسات، وأخذت اللكمات والركلات تشق طريقها إلى جسدي، كنت أحاول الذود عن نفسي، لكن أدوات عملي لم تسلم، فقد نزعوها وحطموها بالأرجل والأيادي المكلفة بإسكات كل لسان يكشف الإجرام والإرهاب الميلشيوي، فكانت المرة الثانية التي يعتدى علي من قبل عناصر تيار "المستقبل"، لكن في المرة الأولى اقتصر الأمر على السرقة بالإكراه أثناء تغطيتي لإحدى التظاهرات، أما هذه المرة فكان المطلوب قتلي، لولا أن العمر مازال فيه بقية، ففي تلك الأثناء هاجمت مجموعة من جنود حزب الله، وأمرت المعتدين بإلقاء أسلحتهم، وتم تقييدهم واعتقالهم، في حين حملني الجنود إلى حيث تقف عربة إسعاف قام طاقمها بعلاج أنفي الذي أصيب بنزيف جراء الاعتداء، وبينما استمرت عملية علاجي، وجدت الفرق الطبية تحمل أحد الصحفيين ومصور يعملان في تلفزيون الجديد، وتعرضا بدورهما لاعتداء مماثل، لكنني كنت أوفر حظا منهما، حيث استدعت إصابتهما على مستوى الرأس والوجه إجراء خياطة طبية لهما، المهم أن الزميلين تم نقلهما للمستشفى وكان قد سبقهما عدد آخر من الإعلاميين، الأمر الذي يوحي بأن العناصر المسلحة تلقت أوامر بملاحقة الصحفيين وإخفاء ما يجري على الأرض. * تضليل إعلامي وتشويه للحقيقية تحاملت على إصابتي، وبقيت في موقع الحدث، فكان دوي الانفجارات يتزايد، وأصبحت بيروت ساحة حرب كبيرة، فعرفت من أحد الزملاء أن الاشتباكات تتسع في مناطق النويري، بربور، رأس النبع، وامتدت إلى المصيطبة، حيث بادر عناصر من الحزب التقدمي الاشتراكي التابع لوليد جنبلاط ترافقها عناصر من تيار "المستقبل" بإطلاق النار وقذائف "آر بي جي" على المواطنين التابعين للمعارضة، ما أدى إلى الرد على مصدر النار بالمثل، واندلاع مواجهات حقيقية بين فريقي الموالاة والمعارضة. وفي منتصف النهار شاءت الظروف أن أتواجد في نفس المكان والزمان الذي يسجل فيه تلفزيون "المستقبل" التابع للنائب سعد الحريري ما أوهم به العالم أنه تغطية ميدانية لما يحدث، كانت المذيعة تقف وسط عناصر تيار "المستقبل" الذين تواجدوا دون سواهم في المكان، كان بعضهم يرشقون قوات الجيش وبعض الأهالي بالحجارة، لرسم خلفية ميدانية، في حين أحاطت عناصر أخرى بفريق التصوير يتبادلون الظهور أمام الكاميرا بصورة أثارت الريبة في نفسي، كنت بعيدا بدرجة لم تسمح لي بسماع ما جرى في هذا التسجيل، لكن الصورة اكتملت أمامي عندما تابعت القناة ليلا، وهنا أمسكت بالدليل الذي يكشف مدى التضليل الإعلامي الذي يمارس في هذه الحرب، والذي سبقته جملة من الأكاذيب التي اعتادت بعض المحطات ترويجها للمواطن العربي والعالم، وتأكدت أيضا أن أي إعلامي لا ينقل الصورة التي يريدها البعض معرض للموت في أي لحظة، بل إن بعض الأصدقاء في المعارضة نصحني بمغادرة أرض المعركة، لأن معلومات وصلتهم تفيد بأن الميليشيات لديها أوامر بتصفية كل من يحاول نقل الحقيقة في هذه المرحلة، المهم أن القناة المذكورة بثت شريطا أعيد تكراره في كل النشرات الإخبارية، قام خلاله عناصر من تيار "المستقبل" بانتحال شخصيات جنود حزب الله، وقاموا بالادلاء بتصريحات وقول كلمات تسيء إلى المقاومة وتشوه صورتها، وتلصق بها تهم إشعال الحرب الأهلية وتوجيه سلاح المقاومة لصدور اللبنانيين. صورة أخرى من صور التضليل الإعلامي المفضوحة كشفت عنها تغطية أحداث مركز تيار "المستقبل" في منطقة النويري، فعلى استحياء ودون الكثير من التفصيل مررت قناة وصحيفة "المستقبل" وإذاعة "الشرق" نبأ اعتقال عناصر تياره من مركزهم الكائن في مبنى مصرف "مصر -لبنان"، ورغم تفننه في الالتفاف على مثل هكذا أمور، لم يجد هذا الإعلام ما يقوله حول الوقائع والصور التي سجلتها الكاميرات ورأتها عيني وأعين الآخرين، فأصدر بيانا حول ما جرى، متهما عددا من القنوات التلفزيونية بأنها أخرجت الصور من أرشيفها، دون أن يقدم أي تفسير لصور زجاجات النبيذ التي كان يحتسيها الشبان المغرر بهم، وبهذه الصورة أسدل الستار على اليوم الأول من القتال في لبنان، دون أن تردنا معلومات دقيقة عن الخسائر وعدد الضحايا. * مصادر مقربة من حزب الله ل "الشروق": "المعارضة لا تنوي الاستئثار بالسلطة" ذكرت مصادر مقربة من "حزب الله" في تصريح ل "الشروق" بأن المعارضة اتخذت التدابير اللازمة للحيلولة دون السماح باتساع رقعة المواجهات لتعم لبنان بأكمله. وأكدت ذات المصادر أن الهدوء والاستقرار سيعودان إلى لبنان، لكن المصدر رفض البوح بالخطط الموضوعة من قبل المعارضة في حال اتساع دائرة المواجهات ودخول أطراف إقليمية ودولية لإنقاذ حلفائها المأزومين في لبنان، واكتفى بالتأكيد على أن المعارضة جاهزة للتعامل مع كل الاحتمالات، واختتم كلامه مطمئنا كل الأطياف السياسية اللبنانية بأن المعارضة لا تنوي الاستئثار بالسلطة، وأن ثمة حلول مطروحة للمّ شمل الأطياف اللبنانية وإعادة الحياة السياسية اللبنانية إلى مسارها الصحيح. ومع تضارب أرقام القتلى والجرحى في هذه المواجهات، أكدت مصادرنا أن جميع الإصابات على كافة الجبهات بلغ عددها حتى الساعة 16 قتيلا و55 جريحا. * "المنار" تأسف لما تعرضت له "المستقبل" وبعض وسائل الإعلام أعربت قناة "المنار" التلفزيونية التابعة لحزب الله عن الأسف لما تعرضت له زميلتها قناة "المستقبل" وبعض الوسائل الإعلامية اللبنانية الأخرى، وتوقفها عن أداء واجبها المهني والإعلامي. كما أعربت القناة -في بيان لها السبت- عن أسفها لتعرض عدد من الإعلاميين والمصورين للمضايقات في هذه الظروف التي يمر بها لبنان. وأكدت أنها ترفض أي مساس بحرية عمل الصحافة والصحفيين لأي جهة انتموا، كما أكدت وقوفها إلى جانبهم في تمكينهم من استمرار ممارسة مهامهم وواجباتهم الإعلامية. وطالبت جميع الفرقاء بتجنيب الإعلاميين ومؤسساتهم تبعات الأحداث الميدانية واحترام التنوع الإعلامي والصحفي. وسار نحو مئتي صحافي ظهر السبت في تظاهرة استنكار لقيام قوات مسلحة بإقفال وتخريب عدد من المؤسسات الإعلامية التابعة للأكثرية، خصوصا تلك التابعة لتيار "المستقبل". وشارك في التظاهرة وزير الإعلام غازي العريضي الذي ألقى كلمة وصف فيها هذا التحرك بأنه سلمي ديمقراطي للحفاظ على الحريات، معربا عن الامل "بأن يترجم بعودة فورية لوسائل الإعلام التي أغلقت". كما وجه العريضي "نداء لقيادة الجيش التي أصبحت المؤسسات الإعلامية بعهدتها لكي تكون حازمة في مواقفها لحماية الإعلام بما يكرس دورها الوطني"..