إذا كانت الجزائر قد فقدت رجل الانفتاح وأب التعددية الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، فإن عمال مجمع "طاباكوب" بعنابة فقدوا أحد ركائز معمل التبغ، لأن الشاذلي وضع بصمته في هذا المعمل المتواجد على مستوى المدخل الجنوبي لولاية عنابة، على اعتبار أنه اشتغل مراقبا في إدارة المؤسسة بولاية قسنطينة قبل أن ينتقل إلى الوحدة الإنتاجية بعنابة، حيث كان موظفا بسيطا خلال الفترة الممتدة من 1947 إلى غاية 1955، قبل أن يلتحق بصفوف جيش التحرير الوطني على مستوى القاعدة الشرقية في المنطقة التي قادها عمار بوقلاز. هذا وقد أجمع العديد من رفقاء الدرب بالنسبة للرئيس الراحل، والذين التقتهم "البلاد"، على أن الشاذلي بن جديد كان متواضعا طيلة حياته، حتى في الفترة التي كان يشغل فيها منصب رئيس للجمهورية، حيث صرح عمي حسين الهاشمي أن الشاذلي كان قد لفت الانتباه منذ أول أيامه في معمل التبغ بمجمع "طاباكوب" بعنابة، "كونه ظل يداوم على صلاته داخل المعمل، رغم المضايقات التي تعرض لها من طرف الفرنسيين في بداية الأمر، لكن تمسكه بموقفه القاضي بالمداومة على الصلاة في وقتها داخل ورشات المعمل مكنه من انتزاع تقدير واحترام كل الإطارات الفرنسية التي كانت تزاول نشاطها في هذا المعمل". أما الشيخ فريد بوترعة فقد أشاد بخصال الرئيس الراحل، حيث أوضح أن تواضع الشاذلي بن جديد كان يتجلى أكثر خلال الزيارات التي ظلت تقوده إلى مقر إقامة عائلته بقرية السبعة، لأن تواجده في هذه القرية الريفية أبرز دليل على تواضع رجل يشغل منصب رئيس الجمهورية، كما أنه كان يرفض الإجراءات البروتوكولية عند تنقله إلى القرية، حيث كان يجلس مع الأصدقاء في المقهى، ويؤدي الصلاة في المسجد من دون حرس، كونه ظل يفضل دوما التعامل ببساطة مع سكان قرية السبعة. إلى ذلك فقد اعتبر الشيخ محمد السعيد قاسة رحيل الشاذلي بن جديد خسارة كبيرة للجزائر، لأن هذا الرجل وكما قال "كان من أعز الأصدقاء في معمل التبغ بمجمع "طاباكوب"، وقد اتضحت فيه ملامح قوة الشخصية خلال الفترة التي قضيناها سويا في هذا المعمل، لأنه لم يرضخ لضغوطات الإدارة الفرنسية، وتمسك بتأدية الصلاة داخل المعمل، غير مبال بالتهديدات التي كان يتلقاها، قبل أن يقوده المكتوب إلى رئاسة الجمهورية، حيث تحالف مع إرادته الكبيرة في خدمة البلاد، رغم أنه كان دوما يصرح أنه ابن الشعب ومن عائلة بسيطة وواجب عليه خدمة الشعب الجزائري بكامل طبقاته".