شيعت الجزائر جثمان الرئيس الشاذلي بن جديد إلى مثواه الأخير في أجواء مهيبة من الحزن والأسى، الذي بدا واضحا على وجوه الكثير من رفاق دربه خلال الثورة التحريرية ورجالات الدولة الجزائرية، في حضور الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وعلي كافي، بينما غاب الرئيس السابق اليامين زروال عن مراسيم التشييع، في حين شارك بالجنازة كل من الرئيس الصحراوي محمد عبد العزيز رفقة ولي عهد قطر، وكذا وزير خارجية المغرب سعد الدين العثماني مرفوقا بممثل الديوان الملكي، وحضر أيضا وزير خارجية تونس رفيق عبد السلام الذي كان مصحوبا بوزير الدفاع والجنرال عمار رشيد. وقد توافد منذ الساعة العاشرة صباحا على مقبرة العالية المئات من المجاهدين، لاسيما من "القاعدة الشرقية " التي كان المرحوم أحد قادتها، ثم تتابع كبار مسؤولي الدولة منذ الاستقلال يلتحقون بالمكان من رؤساء حكومات ووزراء ومستشارين، إضافة إلى العشرات من الشخصيات الحزبية والمثقفين والإعلاميين، ليجلسوا جميعا في شكل مجموعات مصغرة بخيمة نصبتها مصالح رئاسة الجمهورية لمشيعي الرئيس الفقيد، فيما فضل البعض الآخر الانزواء تحت ظل الأشجار هروبا من لفح الشمس. وكان كل من الأخضر الإبراهيمي ومولود حمروش من أوائل الوافدين على مقبرة العالية، ليلتحق في حدود الواحدة بعد الظهر وزير الدفاع السابق خالد نزار، وتبعه بعد دقائق محدودة رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس، وقد أحدث دخولهما إلى المقبرة حالة هلع كبيرة وسط الإعلاميين الذين هرولوا إليهم لاقتناص ولو كلمة واحدة في حق الرئيس الفقيد، في حين لوحظ غياب عبد العزيز بلخادم لانشغاله بوفاة شقيقه. أما وزراء طاقم سلال فقد ظهروا كالصغار في مقبرة العالية في حضور رموز التاريخ، إذ بقي هؤلاء طيلة أكثر من ساعتين من الزمن يتجول معظمهم وحيدا، بينما ظهر الوزير المنتدب عبد المالك ڤنايزية ومدير الأمن الوطني عبد الغني الهامل في آخر اللحظات دقائق قبل قدوم النعش. وفي حدود الساعة الثانية بعد الظهر نادى أعوان الحرس الجمهوري على أعضاء الحكومة ليسمح لهم بدخول مربع الشهداء، ثم تبعهم كبار الشخصيات ورجال الإعلام، ليقفوا جميعا على بعد أمتار قليلة عن لحد الرئيس الشاذلي، في انتظار قدوم النعش. وقبل ذلك، وصل ممثلو السلك الدبلوماسي ووزراء دول المغرب العربي، وعند الساعة الثالثة تماما بدأت فرقة صوتية لقوات الحرس الجمهوري بالضرب على الطبل إيذانا بقرب وصول جثمان فقيد الجزائر، وما هي إلا دقائق قليلة من الترقب حتى أطل بعض أعوان الحرس الشخصي للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ليظهر نعش الرئيس الشاذلي مسجّى بالراية الوطنية عند الساعة الثالثة والربع، لترفع صلاة الجنازة، حيث وقف خلف الإمام مباشرة عبد العزيز بوتفليقة وڤايد صالح وعبد المالك سلال وعبد القادر بن صالح ونجل الشاذلي الأكبر، ثم حمل جثمان الفقيد تحت تكبيرات الحضور في لحظة مؤثرة جدا، اقشعرت لها الأبدان ودمعت لها العيون وخيم فيها الصمت المطبق على أرجاء المكان، كانت للتأمل والترحم على روحه الطاهرة. وقبل أن يوارى الرئيس بن جديد التراب، كان الإمام قد رفع أكف التضرع إلى الله بالدعاء له بالرحمة والمغرفة وأن يجازيه عما قدمه للجزائر وشعبها، ثم تبعه وزير المجاهدين محمد الشريف عباس الذي تلا كلمة التأبين الرسمية مشيدا بمناقب الفقيد في معركتي التحرير والتعمير، وبعدها مباشرة اقترب ستة أعوان من الحرس الجمهوري ليحملوا جثمان الراحل إلى مثواه الأخير، حيث يرقد إلى الأبد إلى جوار الزعيم أحمد بن بلة. عبد الحميد عثماني وزير المجاهدين يشيد بخصال فقيد الجزائر ظهر محمد شريف عباس جد متأثر بفقدان الرئيس بن جديد، وقال بالمناسبة إن الجزائر التي ودعت قبل أشهر بفؤاد مكلوم واحدا من أبنائها البررة، ها هي اليوم أمام فاجعة أخرى، تودع رجلا كبيرا من أوفياء الوطن الذين أفنوا حياتهم وكرسوا جهدهم لخدمته، لكن شاء القدر أن نفقده في الذكرى الخمسين للاستقلال. وأضاف يقول في حزن بالغ: "في لحظات كئيبة كهذه يعصرنا الأسى ويشتد بنا وجد الفراق ونحن نودع قامة سامقة توقف قلبها اليوم عن النبض لهذا الوطن، فالرجل جمع بين الجهادين وأبلى البلاء الحسن، قضى شبابه فارسا من فرسان الثورة المجيدة، ويوم تحقق النصر لم تنقطع تضحيته من أجل الجزائر، فكان واحدا من رجال البناء والتشييد معتمدا على العوامل العصامية في شخصيته. واسترسل وزير المجاهدين يشيد بخصال الفقيد، فقال إن المرحوم جزء من تاريخ هذه الأمة ساهم في إنجازات تذكر فتشكر، وعلينا أن نفتخر بما قدم لهذا الوطن، ومن حق الأجيال أن تعرف السجل الحافل لهذا البطل التاريخي، مثلما يضيف محمد شريف عباس.