ندعم الموقف الجزائري الداعي لحوار وطني شامل أكد المستشار البلدي لبلدية السلام بتمبكتو، الشيخ آيت صالح، في حوار جمعنا معه بمخيم اللاجئين الماليين ببلدية تيمياوين الحدودية، أنهم مع الموقف الجزائري الرافض لأي تدخل أجبني تحت أي غطاء كان، ويطالبون بضرورة عقد حوار ومصالحة وطنية جامعة لكل الأطياف التي يهمها الأمر. كما أكد أن السبب الرئيسي الذي دفعهم إلى النزوح باتجاه الجزائر هو الخوف من التدخل العسكري الأجنبي، خاصة إذا كان متبوعا بقصف جو. وبخصوص الأوضاع داخل المخيم قال المتحدث إنها جد صعبة. حواره بمخيم تيمياوين: عبد الله ندور أولا، كيف تعرف نفسك لقراء يومية «البلاد»؟: إن الشيخ آيت صالح مستشار ببلدية السلام بضواحي تمبكتو، ونائب شيخ قبيلة «آيتا» التي يلقبها الماليون ب«كيلينتيشا». ما هي الأسباب التي دفعتكم إلى الخروج من مالي؟ في حقيقة الأمر، نحن فررنا من مالي باتجاه الجزائر لسبب رئيسي وهو الخوف من التدخل العسكري الأجنبي، ومن حدوث قصف جوي لا يفرق بين الجندي ضمن الجماعات الإرهابية وراعي الغنم والشخص البريء، بالإضافة إلى تشابه الأحداث الحالية لما وقع سنة 1991، والقتال الذي دار بين جبهة تحرير الأزواد وحكومة مالي، حيث قتل العديد من الأبرياء في تلك الحرب التي لم تفرق بين جندي الأزواد والشخص الضعيف، وهذا ما دفعنا إلى النزوح باتجاه عدة بلدان منها الجزائر، موريتانيا، النيجر وبوركينافاسو. ما الذي حدث بالتحديد في شمال مالي؟ ما حدث في شمال مالي يمكن تسميته ب«الثورة المتعددة الأوجه»، حيث انتفض الأزواد وطالبوا بتحرير المنطقة لأسباب عرقية، كما نادت الجماعات الإسلامية بتطبيق الشريعة الإسلامية، كما حدث هناك انقلاب وانشقاق في جيش الدولة الواحدة وهذا بين القبعات الحمراء وأصحاب القبعات الزرقاء، حيث لم يعد هناك أي استقرار. وقد تغلبت الجماعات المسلحة على الجيش المالي الذي فر وانسحب إلى العاصمة باماكو، لتحكم سيطرتها على الشمال المالي، وهذا ما دفعنا للخروج خوفا من القصف الجوي للجيش المالي في محاولة لاسترجاع ما ضاع منه، ومن تدخل عسكري أجنبي، خاصة إذا كان عن طريق القصف الجوي. وعليه فر الكثير باتجاه موريتانيا، وبوركينافاسو والنيجر. وفي 07 فبراير الماضي تسارعت الأحداث بضواحي تمبكتو، حيث وقعت معارك عنيفة في ضواحيها، خاصة في مدينة «ليرا» التي تبعد 250 كلم عن تمبكتو، والتي حدث فيها انقلاب على الجيش المالي حيث انسحب هذا الأخير وتراجع إلى العاصمة بماكو لتأتي جبهة تحرير الأزواد، كما حدث الشيء نفسه في كل من مدينة «مانكا» و«جلهوك»، ليبدأ الناس بالنزوح جماعات وفرادى خوفا من ثأر الجيش المالي والتدخل العسكري. من تقصد بالجماعات المسلحة؟ أقصد بالجماعات المسلحة التي توغلت في كامل شمال مالي، أي ما يسمى بالحركة الوطنية لتحرير الأزواد التي تطالب بالانفصال عن مالي لأسباب عرقية، بالإضافة إلى جماعة أنصار الدين التي تدعي أنها تريد تطبيق الشريعة. وأريد أن أضيف في هذا الشأن أنه بلغتني أخبار من داخل تمبكتو بأنه من بين الجماعات المسلحة هناك ما يسمى بتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، كما ذكرت لي المصادر نفسها من داخل مالي أنه انضمت إليهم مجموعة النيجر المسماة «بوكو حرام»، بالإضافة إلى بعض «المجاهدين العرب». هل تملكون معلومات عما تقوم به هذه الجماعات الإرهابية؟ نعم، نحن على اتصال دائم بإخواننا في مالي، الذين أكدوا أن الجماعات المسلحة قامت بفرض الحجاب والسترة على النساء في الشوارع، كما قامت بتهديم كل القبور والأضرحة التي يعتقد الماليون أنها قبور للأولياء الصالحين، ومنعت الصلاة فيها والتبرك بها. كما بلغتني أنباء عن أن هذه الجماعات اعتدت على بعض الكنائس في تمبكتو وهدمتها. وبخصوص جماعة «أنصار الدين»، ذكر لي بعض الإخوة في تمبكتو أنها قامت مؤخرا بقتل شاب تارڤي كان مسجونا عندهم قيل إنه قاتل. كما تقوم هذه الجماعات بما تسميه تطبيق الشريعة من خلال قطع يد السارق، وجلد الزاني ورجم المحصن. هذا من جهة، ومن جهة أخرى قامت الجماعات الإرهابية المسلحة بمنع التعليم الحكومي في المدارس ومنع تدريس المنهج المالي السابق، حيث لا يوجد الآن في مالي تعليم باستثناء تعليم الكتابة والقراءة وحفظ القرآن في المساجد، وقد أعلنت أنها تقبل فقط بالتعليم العربي الإسلامي إن وجد. متى فررتم بالتحديد من تمبكتو؟ فررنا بالتحديد بتاريخ 07 فبراير ووصلنا إلى مدينة تيمياوين يوم 16 فبراير، وما أريد أن أشير إليه هو أن السلطات الجزائرية سمحت فقط بدخول دفعة واحدة إلى هذا المخيم، حيث بلغت التسجيلات حوالي 500 لاجئ متواجد ببلدية تيمياوين، لكن لم تسمح لهم السلطات الجزائرية بدخول المخيم، أما هنا فيوجد 300 لاجئ فقط، نحن نطالب، منذ دخولنا إلى هنا، السلطات الجزائرية بفتح المخيم للمزيد من اللاجئين حتى يلتحق بنا إخوتنا المتواجدون في مختلف المناطق الجزائرية في كل من أدرار، أولف، رڤان، برج باجي مختار، تمنراست، وهم لا يملكون مكانا يؤويهم ولا ماء ولا لباسا ولا دواء ولا أي شيء. كيف ترون حل الأزمة المالية؟ نحن نؤيد الموقف الجزائري الرافض للتدخل الأجنبي مهما كان شكله، وتحت أي غطاء، ونطالب بضرورة عقد حوار ومصالحة وطنية جامعة لكل الأطياف التي يهمها الأمر، أما الانفراد بكل جماعة على حدة والحوار معها منفردة مع الحكومة المالية فهذا لا يصح، خاصة أن هناك أصواتا تطالب بالحوار بين الإسلاميين ومالي من جهة، والأزواد ومالي من جهة أخرى، والأصح أن يتم لمّ شمل الجميع على طاولة حوار واحدة مع حكومة مالية واحدة، خاصة أن الكل يعرف أنه لا يوجد رئيس دولة أو حكومة، ولا جيش وطني موحد، والمتحكم الآن في مالي هو الجيش الانقلابي بقيادة النقيب «كابيتان سانوغو» الذي قاد الانقلاب على توماني توري، ومادامت هناك كل هذه الانشقاقات لا يمكن إجراء حوار إلا أن يكون جامعا. أريد أن أشير إلى بعض الحقائق التي تقف مانعا أمام التدخل الأجنبي، أولا الرئاسة المالية غير موجودة، الحكومة في مالي ضعيفة وليست شرعية، وحتى الرئاسة متنازع عليها، كما أن باماكو من دون الأزواد منشقة شقين، والجيش أيضا منشق بين الرئيس توماني توري، وجيش الكابتان سنوغو. بخصوص الأوضاع داخل المخيم هل هناك من غادره عائدا إلى مالي؟ نعم هناك حوالي 50 رجل غادروا المخيم وعادوا إلى مالي، وهذا لعدة أسباب منها ما تعلق بالأوضاع داخل المخيم ومنها ما تعلق بأوضاع أسرية اجتماعية، حيث إن هناك بعض العائلات منقسمة، البعض هنا والبعض الآخر لا يزال داخل مالي، بالإضافة إلى بعض الاستقرار في بعض المناطق والقرى والقبائل مما دفع بأهلها للعودة إلى حياتهم الطبيعية، منهم من عاد بسبب الأوضاع الصعبة داخل المخيم. ماذا تقصد بالأوضاع الصعبة بالمخيم؟ داخل المخيم نعيش أوضاعا صعبة نوعا ما، رغم كل المجهودات التي تبذلها السلطات الجزائرية، والمساعدات التي تصلنا مثل ما فعلت جمعية الإرشاد والإصلاح التي أمدتنا بمائة قنطار من المواد الغذائية، إلا أن الوضع لايزال صعبا. أين تكمن الصعوبة؟ نعاني من نقص كبير من حيث الدواء والأطباء داخل المخيم، مما اضطر إحدى العائلات مؤخرا لمغادرة المخيم والتوجه نحو تمبكتو بحثا عن الدواء التقليدي لغيابه داخل المخيم، بالإضافة إلى غياب سيارة إسعاف لنقل المرضى خاصة النساء والأطفال من المخيم إلى مدينة تيمياوين على مسافة تقارب الكيلومترين. والتعليم غائب تماما، مع العلم أن هناك عددا كبيرا من الأطفال هم بحاجة للتمدرس وتعلم الكتابة والقراءة وحفظ القرآن. كان عندنا معلم مدرسة قرآنية ولكنه غادرنا لأسباب عائلية. أما المواد الغذائية فغير كافية، هناك مواد نعرفها وبعض الآخر لا نعرف استعماله، ونضطر لبيعها واستبدالها باللحم أو بعض المواد الأخرى التي تنقصنا، نحن لا يمكن أن نبقى دون مادة اللبن «يقصد الحليب»، التي تعتبر أهم عنصر يحتاجه سكان المخيم، لأنهم أصلاً بدو، وما يقارب 90٪ منهم يعتمد على الحليب كغذاء أساسي، بحكم طبيعتهم الريفية، ونطالب بمواد تحتوي على البروتين، لأنه من الصعب أن يقضوا مثلا ثلاثة أشهر دون الحصول على اللحم، وهم ليسوا نباتيين، وطبيعتهم الإفريقية تجعلهم بحاجة إلى اللحم. نناشد كل المنظمات التدخل في المخيم لتوفير الأغطية والخيم للاجئين، مع قرب موسم الأمطار. وأنوه بأن الحكومة الجزائرية قدمت لنا الكثير من المساعدات، من خلال طبيعة الاستقبال، وأنهم لم يشعرونا باللجوء لأننا شعب واحد فرق بيننا المستعمر الفرنسي. ومع المجهودات المبذولة وصلت السلطات المحلية إلى توفير حوالي 80 بالمائة من المواد الغذائية. ومن الجانب الصحي نعاني نقصا كبيرا، حيث ظهرت على اللاجئين بعض الأمراض نتيجة تغير الطبيعة والمناخ، لأننا لا نعرف هذا الغبار والصخور التي تحيط بالمخيم، نحن نعرف في بلادنا الرمال والأشجار. والمشكل أننا لم نجد هناك أطباء، حيث يعاني البعض من أمراض الحساسية والجلد، وهناك عائلة توجهت إلى تمبكتو للبحث عن الدواء التقليدي، ولمدة ثلاثة أشهر وهي تنتقل إلى الطبيب ولكن لا تجد أحدا، كما نعاني من نقص كبير في الأدوية، بالإضافة إلى الغياب تام للألبسة والأحذية، خاصة أننا مقبلون على فصل الشتاء، وهذه المنطقة معروفة ببرودتها الشديدة. بعض الخيم تعرضت للتلف، ناهيك عن غياب الأفرشة والأغطية، وفيه نقص كبير من هذه الناحية. السلطات الجزائرية تبذل مجهودات كبيرة لتوفير ما ينقصنا. ماذا تريد أن تقول في الأخير؟ نجدد مطالبنا من الجزائر، بأن تفتح للماليين اللجوء الواسع النطاق، وتوفير شروط الاستقبال للاجئين من تعليم وصحة. أريد أن أوجه رسالة شكر إلى الأمن الجزائري لأنه يسهر على أمننا وحمايتنا على مدار الساعة.