مواطنون ومسؤولون: ''نطالب بتحويل تيمياوين وبرج باجي مختار إلى منطقة عسكرية'' الحدود الجزائرية المالية: مبعوث ''الخبر'' نوار سوكو التاريخ مازال يزحف بجوانبه المظلمة على شمال مالي إلى غاية الساعة، فهي أرض تتقاطع عليها طموحات جماعات صانعة للحرب، نجحت في تفتيت المنطقة إلى قبائل وأقليات، مع عصابات متاجرة بالمخدرات والأسلحة. ولكن ظروف الحرب واللاأمن لا تزال تلقي بثقلها على الأمواج البشرية الفارة باتجاه الأراضي الجزائرية، بعد أن تركت ما لديها في مدن تاساليت غاوو وتومبوكتو وكيدال. ما وقفنا عليه، من تين زواتين المالية مرورا بتيمياوين وصولا إلى برج باجي مختار بأدرار، هو أن الخوف يأخذ أشكالا وألوانا لدى اللاجئين، ففي مخيمات تين زواتين المالية، هو الخوف من العطش والجوع، وفي تيمياوين هو الخوف من استمرار حرب يضيع معها مستقبل الأولاد. وفي غمرة هذه الأجواء، ترسمت حالة استنفار قصوى لدى وحدات الجيش وحرس الحدود، تعكسها مشاهد الطلعات الجوية اليومية للطائرات الحربية الجزائرية من طراز ''أف ''16 ومروحيات، تجوب الشريط الحدودي من برج باجي مختار حتى تين زواتين تحسبا لردع أي طارئ. كانت الساعة تشير إلى السادسة مساء، عندما انطلقنا من تمنراست باتجاه تين زواتين على متن سيارة رباعية الدفع، بعد انتظارنا قرابة 48 ساعة لحجز مكان في هذه السيارة التي يشتغل صاحبها على هذا الخط منذ ستة أشهر. من عائلة الحاج بتو في كل مرة نتوجه إلى مكان توقف السيارات التي تشتغل على هذا الخط، يقال لنا إن تعداد المسافرين لم يكتمل، وبأن الوجهة لم تعد مفضلة بالنسبة لعدد كبير من الناس، نتيجة العواقب غير المحمودة، وبالنظر للاعتداءات المسجلة على أصحاب المركبات، بحسب شهادات البعض، خاصة أن المسلك يمتد على مسافة 500 كيلومتر، بينها 350 غير معبدة في عمق الصحراء. واللافت، أن كل السيارات التي تشتغل على خطوط تمنراست - تين زواتين وتمنراست - تيمياوين وتمنراست - برج باجي اختار، يحمل سائقوها كميات من الحطب في مكان حفظ الأمتعة، لأنهم عادة ما يقومون بطهي وجبات الغداء أو العشاء على النار في الهواء الطلق، وهم المزودون بكميات من المواد الغذائية، من عجائن وأجبان وخبز وحليب وغيرها. عندما قطعنا نصف الطريق إلى تين زواتين، كانت الساعة تشير إلى الثانية صباحا، تراءت لصاحب المركبة من بعيد شاحنة متوقفة، فأشار علينا بضرورة التوقف بجانبها بغرض قضاء الليلة هناك، لأن التعب قد نال منه بعد أن عاد إليه بعض الاطمئنان، وهو الذي كان يسكنه خوف من شيء ما، ملتفتا لبقية المسافرين قائلا إن صاحب الشاحنة هو من عائلة الحاج بتو، قضى عدة أيام في هذه الناحية وهو يشتغل في حفر آبار تساعده في رعي أغنامه، ولكنه لم يعثر على الماء. وفي حدود الساعة السابعة من صبيحة الغد، واصلنا الطريق إلى تين زواتين.. كان يوما صعبا ومشؤوما بسبب الزوابع الرملية التي صاحبتنا حتى وصولنا إلى المدينة. حالة تأهب قصوى الداخل إلى هذه المنطقة ليس كالخارج منها، فهي أقرب نقطة إلى التراب المالي. والغريب عنها محمول على كل الأعين وحاضر على ألسنة كل الناس في الشارع والمقهى والبيت والثكنة. كانت الزوابع الرملية ترافق الذين يتبعون ظلنا، ومع ذلك نجحنا في نسج وساطة مع بعض توارف تين زواتين ممن مدوا لنا جسورا مع عدد من عناصر حركة الأزواد بتين زواتين المالية، التي لا يفصلها عن نظيرتها الجزائرية إلا واد. عندما تقف على نقطة التماس من الحدود الجزائرية، تشاهد في الضفة الأخرى من مالي العشرات من الخيم العشوائية للنازحين الماليين، وعلى بعد أمتار منها نصبت خيم أخرى لمقاتلي حركة الأزواد، يرفرف فوقها العلم المالي، فيما وصلت حالة التأهب العسكري بتين زواتين الجزائرية ذروتها، حيث شاهدنا، في حدود الساعة السادسة مساء، خروج وحدات لأفراد الجيش وحرس الحدود مدعمة بأسلحة ثقيلة، فيما كان الطيران الحربي المتمثل في طائرات ''ف ''16 ومروحيات تقوم بطلعات جوية على طول الشريط الحدودي حتى برج باجي مختار، وذلك بعد مرور ساعات على التفجير الإرهابي الذي طال مدينة تمنراست. النازحون يستغيثون وموازاة مع ذلك، كانت أحاديث الناس في تين زواتين، في البيوت والشارع والمقهى، تجمع على الظروف اللاإنسانية للنازحين الماليين الذين استقروا على بعد مئات الأمتار فقط من الحدود الجزائرية، ولم تعط لهم بعد إشارة الدخول إلى التراب الجزائري. وبحسب آراء مواطنين هناك، فإن سكان تين زواتين قالوا للنازحين الماليين: إذا أردتم المساعدة فما عليكم إلا دخول التراب الجزائري. لكن هؤلاء لم يتمكنوا من الدخول لأسباب تبقى مجهولة. اجتزنا الحدود الجزائرية ودخلنا تين زواتين المالية، بعد تلقينا ضمانات بعدم تعرضنا لأي خطر. والسؤال نفسه طرحناه على المكلف بالتنسيق الإعلامي بمنطقة تين زواتين، السيد سيدي محمد الأمين، الذي كان برفقة نحو أربعة عشر عنصرا من مقاتلي حركة الأزواد، كانوا جالسين بالقرب من خيمة يرفرف فوقها العلم المالي. ولكن سيدي محمد الأمين راح يسرد لنا الظروف الكارثية ل455 شخص يعيشون في خيم عشوائية، محرومون من الماء والأكل والتكفل الصحي، مشيرا إلى أنه لم يستسغ عدم تخصيص السلطات الجزائرية مكانا لاستقبال اللاجئين بتين زواتين، على نحو ما فعلت بتيمياوين، رغم كون تين زواتين لا تبعد عن التراب المالي إلا ببضعة مئات الأمتار. إصابات بشظايا صواريخ الجراد وبالقرب من خيمة عناصر حركة الأزواد، تتربع خيم تؤوي نساء وشيوخا وأطفالا، بل وجرحى من الأطفال والنساء ممن أصيبوا بشظايا صواريخ أطلقت من طائرة للجيش المالي، قصفت مخيم الفقهاء بمنطقة كاليسوك الواقعة بمدينة كيدال. وهي الصواريخ التي خلفت مقتل عجوز عمرها 90 عاما، بعد أن قطعت رجلها قبل أسبوعين، رفقة فتاة. أما العجوز الأخرى التي أصيبت على مستوى الرأس، يضيف محمد الأمين، بشظايا صاروخ آخر، فتم نقلها إلى تين زواتين قبل أن تحول إلى مستشفى تمنراست. حديث محمد الأمين حرك غضب باقي العناصر الأخرى التي كانت تجلس بجانبه، والتي دعتنا للوقوف على وضعية العائلات داخل الخيم، حيث شاهدنا صبية لا يتجاوز سنها العامين، تعاني من جروح بليغة إثر إصابتها بشظايا. لكن الانطباع العام السائد وسط النازحين، هو الخوف من الموت المحتوم، في ظل عدم تقدم أي جهة، منذ نحو شهر، لإسعافها بالماء والمواد الغذائية والدواء. وتعد المنطقة التي يتواجد بها النازحون ''محررة'' من قبل الأزواد، وهي تابعة لولاية كيدال. وبالموازاة مع ما يجري، نفى رئيس بلدية تين زواتين، في لقائه مع ''الخبر''، وجود أي مبادرة من جانب عقال توارف تين زواتين تهدف إلى التوسط بين الإخوة الفرقاء في مالي لوقف القتال، مشيرا فقط إلى أن شساعة الشريط الحدودي مع مالي يعزز احتمالات تسلل لاجئين غير مصرح بهم، مثلهم في ذلك مثل المهاجرين السريين. ويبلغ عدد سكان تين زواتين 12 ألف نسمة، استنادا لآخر إحصاء تم سنة ,2008 وأغلبية السكان هم توارف، ولو أن ظروف الحرب السائدة في مالي ألقت بتداعياتها على الحدود، حيث تقلصت حركة التجارة في المنطقة، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الخضر والفواكه. لكن ورغم إحكام الجيش قبضته على الحدود تبعا لطريقة انتشاره، فإن اللافت في تين زواتين هو سهولة العبور إلى الضفة الأخرى بمالي، حيث لاحظنا تنقل أشخاص من النازحين الماليين إلى تين زواتين لشراء بعض الحاجيات، والعكس صحيح بالنسبة لعدد من البدو الرحل ممن يجتازون تراب مالي بجمالهم وماشيتهم. ضرب من المغامرة غادرنا تين زواتين إلى تيمياوين على مسافة تقدر ب180 كيلومتر، وسط الصحراء، ولم نكن نتوقع أن نجد المسلك صعبا، فمرة تصعد فوق جبل ومرة تنزل إلى الوادي، ومرة وسط الأحراش، ثم الكثبان الرملية، ولم نعثر طيلة المسافة المقطوعة على سيارة واحدة أو شاحنة أمامنا أو من خلفنا.. إنه الفراغ المفتوح على كل المخاطر، بدليل أن كل الأشخاص الذين التقيناهم بتيمياوين، من رئيس البلدية إلى ممثلين عن الهلال الأحمر وحتى عناصر الأمن، أكدوا لنا أن الرحلة هي ضرب من المغامرة، على اعتبار أنه تم تسجيل اعتداء، قبل ثلاثة أيام من وصولنا، على سيارة رباعية الدفع على بعد 90 كيلومترا عن تيمياوين، كانت قادمة من تمنراست، حيث هاجم شخصان على متن دراجتين ناريتين السيارة وأطلقا الرصاص على الركاب. ولحسن الحظ، لم يصب أحد، بفعل السرعة التي استعملها السائق للفرار. سكان تيمياوين خائفون تيمياوين، هذه البلدية التي تبعد عن التراب المالي ب 16 كيلومترا، تعيش جو اللاأمن بامتياز، على نحو ما يشير إليه نصر الدين حناني، مندوب دائرة برج باجي مختار للجمعية الجزائري لترقية المواطنة وحقوق الإنسان. فالمدينة أصبحت أرضا تتقاطع فوقها اعتداءات تتولاها عصابات ومجموعات مجهولة في عمق الصحراء، مع أعمال السرقة التي تزامنت مع وصول اللاجئين المسجلين وغير المسجلين إلى تيمياوين. وإلى ذلك، يحمل العديد من سكان تيمياوين، رفقة مسؤولين، تساؤلا مفاده: لماذا لا يتم إدماج اللاجئين الذين جاءوا من مالي بطريقة غير مصرح بها مع اللاجئين المقيمين في المخيم؟ لاسيما أن عددهم يتزايد من يوم لآخر دون مرورهم على مركز المراقبة لشرطة الحدود، إذ أن ما لمسناه في حديث كل المسؤولين والمواطنين بقلب البلدية، هو التخوف من دخول أطراف مشبوهة، ما يفرض على المواطنين المستقبلين للاجئين التصريح بهم لدى مصالح الأمن أو لدى البلدية، خاصة أنهم يؤكدون وجود 4 جهات تتصارع في شمال مالي هي ''أنصار الإسلام'' و''حركة الأزواد'' وتنظيم القاعدة والعصابات التي تشتغل في التهريب بأنواعه. ولأن الوضع الأمني في تيمياوين يعرف تدهورا من يوم لآخر، وراح يضغط بثقله على سكان المنطقة، فإن هناك مسؤولين، رفضوا الكشف عن أسمائهم، رفقة مواطنين يطالبون بتحويل تيمياوين وبرج باجي مختار إلى منطقة عسكرية، وهم الذين يؤكدون انتشار الأسلحة واستعمالها من قبل جماعات وأشخاص على الشريط الحدودي، بل وحتى القاعدة التي لها مراكز تدريب على بعد 90 كيلومترا من المدينة في جبال تغرغر. زرنا مخيم اللاجئين الواقع على بعد قرابة كيلومتر عن قلب البلدية، وجدنا أشغال تسييجه جارية. هذا المخيم المصرح به رسميا لدى السلطات الجزائرية يتوفر على إدارة، مولدا كهربائيا وصهاريج ودورتي مياه ومصلى وقسم لتدريس القرآن. ويضم المخيم 55 خيمة، فيما خصصت 5 خيم أخرى للجيش والدرك بهدف تأمينه، وتقطن به 103 عائلة، أي 443 شخص. وقد نصبت الخيم في شكل أحياء لاستقبال كل منطقة على حدة. ويقيم هناك لاجئون قدموا من مدن تاساليت وتومبوكتو وأقلهوك وكيدال وغاوو. وصادف تواجدنا هناك عملية إنزال مساعدات جاءت بها شاحنات لتقديمها للاجئين، تتمثل في السميد والعجائن والحليب والزيت والسكر والشاي. ولكن هذه المساعدات كانت محل احتجاج عدد كبير من اللاجئين. ''كيلوغرامان من الأرز لا يسدان حاجتنا'' يقول دادا آق أحمد، رئيس حي لاجئي مدينة غاوو: ''الحرب هي التي أرغمتنا على مغادرة غاوو، التي تبعد عن الحدود الجزائرية المالية ب700 كيلومتر، وعددنا بالمخيم ,15 وهذه الكمية الموزعة علينا من المساعدات تكفي فقط لمدة يومين وليس أسبوعا كما هو مقرر، لأن كيلوغرامين من الأرز لا يسدان حاجتنا لمدة أسبوع، إلا أننا مرتاحون من ناحية الأمن والماء، والمشكل الكبير يتمثل في السكن، حيث لدينا 6 أشخاص متزوجين ينامون في خيمة واحدة''. وأضاف دادا آق أحمد: ''نطالب بإيجاد حل لأبنائنا المتوقفين عن الدراسة''، فدادا له ثلاثة أبناء، يزاول اثنان منهم الدراسة في الجامعة وثالثهم في الثانوية، وهم الآن متوقفون عن الدراسة ويبحثون عن عمل. فيما يقول آيثا محمد محمود، رئيس حي لاجئي تومبوكتو والمدن المجاورة: ''جئنا بالضبط من بلدية السلام بتومبوكتو ومعنا 54 عائلة، تبعد عن الحدود الجزائرية المالية بحوالي 200 كيلومتر، والخوف هو الذي أرغمنا على اللجوء إلى الجزائر، ففي تومبوكتو توجد مداشر وقرى لا تزال تشهد مواجهات بين الأزواد والجيش المالي، حيث أن هذا الأخير ضرب السكان في بعض القرى ونزع منهم الأموال غصبا''. ويضيف آيثا: ''نصف سكان قريتنا هربوا إلى برج باجي مختار، وإلى غاية الساعة يوجد العشرات من الفارين يريدون الدخول إلى التراب الجزائري ولكن لم يسمح لهم بعد. وهذه القرى تفتقد للمواد الغذائية، فضلا عن كون الشعب الأسود في مالي سلحته الحكومة وأصبح يقوم بأعمال عنصرية، ونأمل أن تلتحق بنا هذه العائلات المتواجدة في برج باجي مختار، فنساؤهم موجودات معنا، ولكن رجالهم منعوا من دخول المخيم لأنهم وصلوا بطريقة غير قانونية''. ولكن آيثا محمد محمود غير راض تماما عن نوعية الأكل المقدم لهم في المخيم، فضلا عن نقص التغطية الصحية، مثيرا واحدة من المشاكل التي اعتبرها عويصة، وهي عدم قدرة الأطفال على الالتحاق بمقاعد الدراسة في الأطوار الابتدائية والمتوسط والثانوي. اكتظاظ لا يحتمل هذا الطرح تسير فيه فاطمة آق، لاجئة جاءت من مدينة باماكو والتي تقول: ''كنا نعيش كل يوم هاجس الخوف داخل مساكننا، فنحن نتعرض للاعتداءات من قبل الشعب الموالي للحكومة المالية ليل نهار، لاسيما بقرية سيراكو التي فر عدد كبير من قاطنيها إلى غينيا بيساو وموريتانيا''. وواصلت فاطمة آق: ''نحن اليوم نواجه، داخل المخيم، مشكل السكن، فالاكتظاظ لم يعد يحتمل مع ارتفاع درجة الحرارة، فضلا عن كون الكميات الموزعة علينا من الحليب والزيت لا تكفي لمدة أسبوع''. لكن ورغم كل المتاعب، فإن طبيب المخيم، عبد الحميد زيدان، يؤكد بشكل عام تحسن الأحوال النفسية والصحية للاجئين: ''إلى حد الساعة لم نسجل ولا إصابة واحدة بمرض الملاريا داخل المخيم، فاللاجئون لهم أمراض صدرية فصلية، وعلى العموم فإن أحوالهم تحسنت قياسا بالأيام الأولى التي وصلوا فيها إلى تيمياوين''. لكن محدثنا يعترف في المقابل بالظروف الصعبة السائدة بالمخيم: ''إلى غاية الساعة، نفتقد لوسائل العمل داخل المخيم، وحتى الخيمة المخصصة للطبيب غير مؤهلة لاستقبال المرضى وفحصهم، بل وحتى الكميات المتوفرة من الدواء لا تكفي، وغالبا ما تأتي من المؤسسة العمومية للصحة الجوارية لتيمياوين''. ''مساعدات اللاجئين من حصص البدو الرحل'' في غمرة كل تلك الأجواء، لم نجد أثرا لهيئة الهلال الأحمر الجزائري، فكل الإعانات التي تقدم للاجئين، منذ نحو شهر، تأتي من الشؤون الاجتماعية لولاية أدرار ودائرة برج باجي مختار وبلدية تيمياوين، على نحو ما يشير إليه رئيس هذه البلدية، يحيى باياوي: ''كنا نقتطع من الإعانات الموجهة للبدو الرحل بتيمياوين ونقدمها للاجئين، وإلى غاية الأسبوع الأول من مارس لم يسبق للهلال الأحمر أن قدم مساعدات للاجئين. أما المشكل الذي لا زلنا نتخوف منه، فيتمثل في ندرة المياه في تيمياوين، حيث أن الآبار الموجودة لا تكفي إلا لسد حاجيات سكان المنطقة المقدر عددهم بنحو 8 آلاف نسمة، ما يطرح بالتالي تساؤلا عن الكيفية التي سيتم بها تزويد 443 شخص لاجئ مصرح به، فضلا عن ندرة الشاحنات التي تأتي بالماء من على بعد 50 كيلومترا وعلى طريق غير معبدة''. حظر تجول على مخيم اللاجئين ولكن المنظور الأمني الذي يطرحه رئيس البلدية لحماية المنطقة، يتمثل في حصر اللاجئين في مكان واحد حتى يتم التحكم فيهم، على أن يتم تزويدهم بكميات هائلة من الماء والدواء والمواد الغذائية: ''ففي اجتماع أمني تقرر منع اللاجئين من الدخول، إلا أنني قلت لهم أنا أسمح لهم بالدخول بشرط أن يتم تسجيلهم''. وقد فرض على اللاجئين حظر التجول ليلا بداية من الساعة السادسة مساء إلى غاية الساعة السادسة صباحا، حيث يقوم كل لاجئ، بتسجيل نفسه لدى الدرك الوطني قبل خروجه للمدينة لشراء ما يحتاجه من أغراض. ''أميار'' ماليون لاجئون بالحي الأحمر ويوجد بتيمياوين نوع آخر من اللاجئين، جاؤوا من مختلف المدن المالية، بينهم من أقام عند أقاربه بحكم العلاقات الأسرية والمصاهرة التاريخية، ومنهم من قام بكراء سكنات. وبوسع الزائر للحي الأحمر بتيمياوين أن يقف على أعدادا منهم تصل إلى نحو 500 شخص. بين هؤلاء اللاجئين، التقينا بواحد من المسؤولين الفارين من مدينة تاساليت، وهو بابا ألبير، النائب الأول لبلدية أقلهوك. الأخير يقول: ''استقبلنا بحفاوة من قبل السلطات الأمنية والمدنية الجزائرية ومنحونا منازل، قبل أن تتم إعانتنا بالمواد الغذائية، فبالنسبة لأقلهوك يوجد منها 20 عائلة لاجئة، وبخصوص مدينة تاساليت تقيم 40 عائلة منها في هذا الحي، كما يقيم بيننا أيضا رئيس بلدية تاساليت''. ثم أشار إلى أن ''أملنا الوحيد هو أن تتدخل الجزائر للقيام بوساطة لإنهاء هذا الصراع، فنحن نريد تدخلا فوريا للجزائر لإعادة السلم لبلادنا، فقد علمنا أن جنرالا جزائريا رفيع المستوى سيتوجه نحو باماكو وبوركينافاسو وموريتانيا قصد تقريب وجهات النظر بين الفرقاء حركة الأزواد والجيش المالي لإنهاء الحرب''. وقالت مصادر من التوارف العارفة بالشأن المالي، ل''الخبر''، إن نسبة 35 بالمائة من عناصر الأزواد يرفضون الوساطة الجزائرية، كونها لم تأت بحلول، ويفضلون الوساطة الآتية من بوركينافاسو أو موريتانيا أو سويسرا، على أن يتمحور التفاوض على هدف واحد هو قضية انفصال الأزواد عن مالي، فيما يفضل الشعب المالي المقيم على الحدود، بينهم التوارف المقيمون على الحدود، الوساطة الجزائرية وهم ضد الانفصال. ''هنا تتقاطع مصالح ''الشياطين'' وترى تلك المصادر أن الحرب ستتواصل على أساس أنها ليست ثورة حقيقية بقدر ما هي حرب مشاريع، وكل طرف له هدفه. على غرار الجماعات التي تشتغل في المخدرات وعلى رأسها محمد ناجم، قائد الأركان في حركة الأزواد، إلى جانب حركة ''أنصار الدين'' التي هي فرع من القاعدة ولها هدفها أيضا المتقاطع مع الحركة الإسلامية متعددة الجنسيات. وأمام هذا الوضع الموروث عن أرض شمال مالي التي تتقاطع فوقها أهداف كل ''الشياطين'' المتاجرين بالمخدرات والأسلحة والبشر، يبقى الخوف يسكن مواقع الجزائريين على الحدود، حيث أن الحرب المشتعلة بين حركة الأزواد والجيش المالي أبقت على الطريق مفتوحا من جهة تين زواتين، على نحو ما يشير إليه بعض التوارف، فمن الحدود الليبية وصولا إلى إلى مدينة تاساليت المالية ثم التشاد، مرورا بالنيجر ثم الحدود الجزائرية، تمر القوافل المحملة بالأسلحة والعتاد مدعمة بالسيارات، ولا تزال هناك مخازن للأسلحة والسيارات وقطع الغيار في جبال تبستي الواقعة بين التشاد والنيجر القريبة من جانت وإليزي. ولأجل ذلك، ترى مصادرنا أن المحور الذي لايزال بحاجة إلى تغطية أمنية مشددة يمتد من جانت إلى عين فزام وصولا إلى تين زواتين، وهي منطقة لا يمكن تأمينها إلا بتدخل ثلاث دول هي الجزائر والنيجر ومالي. وينتظر أن يصل إلى الشريط الحدودي برج باجي مختار، تيمياوين، تين زواتين ما يزيد عن 18 ألف عسكري، حسب ما تقرر في اجتماع لقيادة أركان جيوش دول الساحل بتمنراست. فيما يجري حاليا، على طول ذلك الشريط، إنجاز عدد من الثكنات. وإلى ذلك شاهدنا بأن أشغال إنجاز المطار العسكري بتين زواتين متواصلة وجارية بانتظام. غادرنا تيمياوين باتجاه دائرة برج باجي مختار، التي تحتضن القادمين من الخليل المالية. واتضح لنا جليا أن الحرب بين الإخوة الأعداء فرضت وحشيتها على مواطنين أبرياء، إلى درجة أن الخوف يصبح مؤسسة تهندس الفوضى. لاجئون يشيدون بيوتا من الطوب وآخرون يؤجرون سكنات بالقرب من مقر دائرة برج باجي مختار، شيد حي اسمه ''حي الفوضى''، يتسع لآلاف الفارين من مالي، بينهم توارف لهم الجنسية المزدوجة. وبوسع الزائر للمكان أن يقف على أشغال تسابق الزمن لبناء بيوت من الطوب، رغم افتقادها للكهرباء والصرف الصحي والماء، فيما فضل لاجئون آخرون الإقامة عند أقاربهم وذويهم بأحياء20 أوت والحي الغربي وحي أول نوفمبر وحي هواري بومدين، وهناك ملابسات عديدة تلف الكيفية التي دخلوا بها، ففي البداية تولى الدرك الوطني عملية تسجيلهم، ومع الوقت أصبحوا يدخلون دون استشارة أحد، وربما أن علاقات القرابة والمصاهرة التي تمت تاريخيا استثمرت اليوم في هذه الأزمة. لا وجود للدولة المالية في ''الخليل'' مما يثيره رئيس لجنة الهلال الأحمر بولاية أدرار، محمد دليمي، أنه عندما تم جمع اللاجئين بملعب برج باجي مختار لأول مرة بغية تسجيلهم، تم العثور على 200 شخص مندس لا علاقة لهم باللجوء: ''عندما زرنا منطقة الخليل بمالي والواقعة على بعد 18 كيلومترا عن برج باجي مختار، عرفنا أسباب تدفق هذه الأمواج البشرية الهائلة على منطقة البرج، فعند دخولنا الخليل، لم يوقفنا أحد ولم يتبعنا أحد، ولم نعثر لا على لوحة تؤشر لدولة مالي ولا علم يرفرف فوق ترابها، ولا حتى على عنصر من حركة الأزواد، ولا مركز شرطة الحدود، فالمنطقة مفتوحة على كل شيء ولكل شيء، لتهريب المخدرات والأسلحة، ولعبور جماعات الإرهاب. كانت الخليل، في حدود الساعة الثامنة صباحا، هادئة وخالية إلا من بعض الماليين ممن يبيعون الوقود بأسعار خيالية. سألنا مرافقينا إلى المنطقة عن الأشياء التي يتم بيعها في تلك المحلات المبنية بالطوب، فأعلمونا بأن معظمها يختص في بيع المواد الغذائية، وأغلبية أصحابها قدموا من ولاية سطيف، يحتكرون أيضا بيع الأثاث المنزلي، فيما ينفرد الماليون بحرفة الميكانيك، أما المنازل فبنيت هي أيضا بالطوب، إلا منزل من طابقين يملكه أحد الجزائريين. وعلى العموم، فإن اللاجئين وضعوا السلطات الجزائرية، في البداية، أمام الأمر الواقع، فقامت باحتضانهم خلال موجات البرد القارس وأسعفتهم بما أمكن، لكن رد فعلها في التعامل مع التدفق المتواصل للاجئين كان أذكى، ولعل اعتمادها لمخيم وحيد بشكل رسمي هو الدليل على ذلك. سيدي محمد الأمين المنسق الإعلامي بحركة الأزواد بمنطقة تين زواتين ل''الخبر'' ''لم نسمع بأي مبادرة لوقف القتال'' ما هو تقييمكم لوضعية النازحين المقيمين بتين زواتين المالية؟ الوضع الإنساني للنازحين كارثي للغاية، وأنتم اطلعتم على حالتهم فلم تجدوا لا ماء ولا أكل ولا أي تكفل صحي بهم ولا حتى خيم، حيث يقيم 455 شخص في خيم رثة. نحن مازلنا نطلب النجدة من دول الجوار ومن المجتمع الدولي، ونطلب منها الاطلاع على وضعية النازحين بتين زواتين. هل قدمت لكم مساعدات من الجزائر عندما اشتعلت الحرب بين حركة الأزواد والجيش المالي؟ إلى غاية اليوم لا توجد مساعدات قدمت لنا من قبل الجزائر، ولا أعرف سبب ذلك، بل ولم يتم عرض أي مساعدة علينا، ولم يأت أي شخص من أي جهة منذ شهر للاطلاع على وضعيتنا في تين زواتين، فالمواد الغذائية والماء تأتينا من التطوع والعمل التضامني، حيث تطوع أحد الأشخاص من منطقة موريتانيا، قبل أيام، بمساعدات تتمثل في مواد غذائية، تعادل قيمتها مليون أوقية، وسمعنا كبقية الناس كلاما مفاده أن هناك مساعدات ستصل النازحين بتين زواتين بمالي عبر تمنراست، ولم نتأكد بعد هل هذا صحيح أم لا. هل صحيح أن هناك مبادرة يرتب لها عقال التوارف بمالي وبالحدود الجزائرية المالية تهدف إلى وقف القتال بين الفرقاء في مالي؟ المبادرة هذه لم نسمع بها بتاتا ولم تعرض علينا. ما هي أهم المدن التي تدور فيها المعارك حاليا؟ المعارك الطاحنة تجري حاليا في ولايات سيغو، سيكاسو من جهة بوركينافاسو، وتاساليت وتومبوكتو، وأربندا، ولا يزال لدينا جرحى بمستشفيات تمنراست، رفان، وبرج باجي مختار. ومازلنا ننتظر التفاتة من الجزائر، ولاسيما أنه لا توجد أي دولة قدمت لنا مساعدة إلى غاية اليوم. هل توجد حالات إصابة بالملاريا في وسط النازحين واللاجئين؟ نعم، هناك حالات إصابة بالملاريا وعددها يقدر بنسبة 25 بالمائة في وسط الأطفال بكل من مدن تاساليت وأقلهوك، ولو أن المعارك أثرت بشكل كبير على الحركة التجارية، ولكن مكنت من تأمين الطرق مثلا من تين زواتين إلى الحدود النيجرية. لكن لماذا لم يدخل النازحون الماليون المقيمون في خيم بتين زواتين المالية إلى تين زواتين الجزائرية حتى تسهل عملية مساعدتهم؟ نحن لم نفهم لماذا فتحت الجزائر معبر اللاجئين ببرج باجي مختار ولم تفتح معبر تين زواتين، رغم أن هذه الأخيرة هي أقرب نقطة إلى التراب المالي والعكس صحيح.