في لبيا لايزال الناس يحملون “الآربيجي" على أكتافهم لمسح خصومهم من أبناء جلدتهم مثلما حدث في بني وليد، وفي تونس لاتزال النار مشتعلة في بيت الشعب الذي ثار على الظلم قبل أن يدخل في ظلمات الفتن والتناحر، وفي مصر لايزال المتآمرون يعتقدون أن حرق مصر هو حرق للإخوان، ولايزال الإخوان أو بعضهم يعتقدون أن خصومهم وحدهم من يكتوون بتلك النار. وفي سوريا التي تحترق بنار طاغيتها دخلت المعارضة على خط الاستبداد وسفك الدماء هي الأخرى وها هي الفتنة التي نتكتب عنها في أخبارنا وتحاليلنا.. في سوريا لايزال الوطن ينزف.. وسط هذا المشهد القاسي.. لا أحد يتذكر فلسطين إلا كخريطة صنعتها مفاوضات الاستسلام، ولا أحد بمقدوره الاقتراب من خطوط النار في إسرائيل. لا الربيع العربي ولا الجماعات المجنونة التي ترفع شعارات الجهاد في مالي البلد الفقير الذي تتجاذبه كل آفات الدهر… أين الربيع العربي الثائر الذي ادعى أنه سيحرر فلسطين وقبل ذلك سيحمي غزة من إثم الآثمين؟ أين أبطال الزنتان ومصراتة الذين رقصوا ذات يوم على جثة رئيس حكمهم قرابة نصف قرن؟ أين أشاوس الثورة الليبية والتونسية وسلفيتها الجهادية تماما مثلما أتساءل أنا المواطن العربي البائس عن الطريق الذي سلكته الجماعات المصرية والأردنية والسورية التي أتحفتنا بذبح جنود مأمورين باسم كتائب الصديق وكأن الصديق صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلّم وخليفته رضوان الله عليه كان قاتلا سافكا لدماء المسلمين.. أين المال العربي الذي الذي يمول القتل في سوريا والدمار في ليبيا والفتن في مصر وتونس والقتل والدمار في مالي؟ هل فقد العرب بوصلتهم وأصبحوا أكثر حرصا على سفك دماء بعضهم بعضا كما كان يحدث في الجاهلية الأولى؟ لماذا تتفنن القاعدة في نشر الموت بيننا وتوزيع الخراب من هنا وهناك ولا تفعل ذلك دفاعا عن غزة وعن الشعب الفلسطيني؟ لماذا لا ترفع راياتها في بئر السبع وصحراء النقب وتفعل ذلك في غاو المدمّرة وتستقطب كل من له الاستطاعة على القتال في الصحراء المقفرّة بمالي؟ في الخليج أموال تصرف لمواجهة جنون آخر وأكذوبة من لم يطلقوا طلقة واحدة اتجاه إسرائيل.. إيران المقدّسة؟ أقامت ترسانة دفاعية وهجومية ترعب بها المسلمين في الخليج العربي وتهددهم بالمسح، وطيلة 30 سنة لم نسمع طلقة واحدة اتجاه إسرائيل، بل إنها أمرت أتباعها في العراق بذبح الرجل الوحيد الذي قصف تل أبيب.. الشهيد صدام حسين.. فأعدموا بموافقة أمريكية ومباركة إيرانية.. ثم اصطادوا كل علماء العراق الواحد تلو الآخر ممن صنعوا الصواريخ التي كانت تقصف تل أبيب.. وستظل إيران تهدد والعرب ينفقون وإسرائيل تتشاور وهذا جزء من لعبة حماية المصالح ومجالات القوة.. عود على بدء.. أين فضائل هذا الربيع الذي لا تنبعث منه سوى رائحة الموت والدماء التي تسيل أنهارا؟ أين النفير؟ أم هو زفير من حولنا نحن الذين نكتوي بظلم هذه السلط الفاشلة في عالمنا العربي والإسلامي بينما أنتم لا تزيدونهم سوى قوة على قوة؟ أين الربيع وأين الجهاد؟