تحدث إلي صديقي الشاعر المرهف عبر الهاتف، هل تراني كتبت شيئا عما يحدث في غزة من مجازر غير مسبوقة في حق المدنيين الفلسطينيين ؟..ووجدتني أقول له بكل صدق وأمانة، هل يستطيع العاقل منا أن يكتب في هذا الزمن المتصهين حتى النخاع، وفي هذه الظروف و هو يشاهد آلة الحرب والقتل والدمار الجهنمية الصهيونية، وهي تدك بكل وحشية أرض غزة الباسلة، فتقتل البراءة في المدارس، وتهدم البيوت فوق رؤوس الناس الأبرياء، فتترك كل شيء وقد تحول إلى ذرات ورماد وأكوام يستوي فيها الناس والحجارة والاسمنت والطير والحيوان جميعا. يحدث هذا وضمير هذه الأنظمة العربية المتأمركة يموت كل يوم، فيمنع الفلسطينيون حتى من مجرد الهروب من هذا الموت المنظم ضدهم، ومن المساعدات الإنسانية المتدفقة عليهم من كل مكان في العالم مازال فيه ضمير حي، مثل ضمير هذا الفحل الأمريكي اللاتيني "شافيز" الذي فعلها مرة أخرى بطرد سفير الكيان الصهيوني من بلاده،تماما كما تحدى في وقت سابق هذا الرئيس الأمريكي الذاهب بوش غير مأسوف عليه تحت ضربات الأحذية و لعنات التاريخ تلاحقه في كل مكان والأحرار في كل مكان يتوعدونه مثلما يتوعدون قادة الكيان الصهيوني بمحاكمة تليق بمقام المجرمين والقتلة وسفاكي الدماء ومحتقري الشعوب .. يحدث كل ذلك وهذا الصامت الأخرس الذي يدعونه مجلس الأمن الدولي يتلكأ في استصدار قرار يلزم المعتدين بوقف عدوانهم، لأن المالكين بزمام الأمور في ذلك المجلس والمتعاطفين مع الكيان الصهيوني حتى النخاع والدائرين في فلكهم من عرب أمريكا يريدون دون ريب الانتظار إلى أن يقضى على آخر جيب من المقاومة المستبسلة في غزة، ولا يهم إن استشهد المئات من المواطنين البسطاء، أو ماتوا جوعا أو عطشا أو بسبب، انعدام الدواء والكهرباء،أو بسبب الأوبئة ،فهم بالنسبة لهم "جراثيم" يجب اجتثاثها من تلك الأرض لأنها تأثرت بفعل المقاومة واستعصت على الأنظمةالعربية المد جنة التي لا تريد سوى التطبيع مع إسرائيل بأي ثمن والخنوع لماماهم أمريكا وأوامرها حتى تظل تلك الأشكال والنماذج العربية المنصبة فوق الرؤوس والهامات العربية "منتصبة" بفعل الدعم الأمريكي والولاء الصهيوني . لماذا نكتب يا صديقي وقد مات في الآخرين شيء اسمه الضمير العربي والضمير الإنساني، وفي زمن تقوت فيه العربدة الصهيونية المتعجرفة التي فاقت كل الوصف وكل الحدود. أي طعم للكتابة في هذا الزمن الصهيوني المتعجرف الرديء، والكتابة بالنسبة لي رسالة وموقف قبل أن تكون مجرد أفكار وتحليلات ومعلومات، أو أنها كتابة من أجل الكتابة.عن أية رسالة أتحدث عبر ما أكتب، وعن أي موقف أتحدث، في زمن باع فيه بعض العرب العاربة والمستعربة وغير المؤلفة قلوبهم والفاقدين منهم لشيم العروبة شيئا اسمه الضمير العربي . الله ..الله يا زمن خالد بن الوليد ..والله.. الله يا زمن حمزة، والله.. الله يا زمن صلاح الدين وطارق المعتصم عندما كانت تصيح امرأة عربية واحدة وتستصرخ الهمة العربية ،فيهرع أولئك العرب العرب الأقحاح من المحيط إلى الخليج فيبعثون جيشا قوامه من هناك إلى هناك لنجدة الشرف العربي المستباح واسترداد الحق الضائع . فأين عربنا في هذا الزمن الصهيوني المتصهين من عرب ذلك الزمان الضائع المفقود والضائع كما ضاعت الأندلس وكما ضاعت فلسطين؟. لك الله يا سيدتي إن أنت اليوم صرخت مستجيرة أو أنت طلبت الحماية، فمن يحميك غير دعاء صادق للرب عز وجل يا سيدتي، وقد باع عرب أمريكا وعرب البترول وعرب المذلة والمهانة شرفهم وشرف شعوبهم في سوق الرفادة الأمريكية الصهيونية. لك الله وحده لا شريك له أيتها البراءة وقد مات الضمير العربي الذي صارت لا تحركه صرخات طفل أو صبي يموت من تحت الأنقاض بفعل صاروخ أو بفعل حائط يسقط أو بفعل موقف متخاذل مشين . أمريكا يا أحبائي نصبت الكثير من "قادة العرب" كما تدرون ، وأمريكا كما تعلمون تحكمها "الايباك" من نيويورك إلى واشنطن وتتحكم فيها العصابات الصهيونية في تل أبيب . فبمن تستنجدون إذن وأنتم تعلمون أن بعض هؤلاء "الزعماء " المنتصبين فوق الهامات العربية ينتظرون كل يوم الأوامر والتعليمات إما من واشنطن وإما من تل أبيب، تماما مثلما ينتظرون كل شهر أجورهم مقابل " الخدمات " الجليلة التي يقدمونها لأسيادهم هناك سواء في البيت الأبيض أو لدى ال c ia، و إما في تل أبيب أو عند الموساد. ما فائدة الكتابة إذن في هذا الزمن المتصهين حتى النخاع الذي إن عطس فيه زعماء صهيون من تل أبيب حيث يصاب سائر الجسم المتهرئ الحاكم عروبيا بالسهر والحمى. هل أعلق على ما قاله رئيس الكيان الصهيوني" شيمون بيريز" وهو يزمجر من على الرؤوس العربية المطاطأة بفعل المذلة والمهانة إلى ما تحت التحت، وعبر بعض القنوات التي هي لهم ولغيرهم، ويدعي أن أطفال فلسطين هانئون هادئون يتنسمون الهواء النقي، ونحن نشاهد عبر كل القنوات بعيوننا وقد امتلأت رئة كل صبي أو جنين حتى وهو في بطن أمه بأدخنة القذائف والصواريخ قبل أن يطالهم الموت الأعمى بفعل ذلك الهواء أو بفعل الموت البطيء والقصف الجهنمي. وهل أعلق يا صديقي على السفاح المستقيل الباقي "أولمرت"، والسفاحة المنتظرة ليفني وخصمها اللدود المتربص بالحكم باراك، وهم جميعا يتبارون في الحصول على أصوات انتخابية مقابل كل قطرة دم فلسطيني تسفك كل لحظة في تلك الأرض المقدسة التي تجمعنا بأهلها أواصر القربى الدين والتاريخ واللغة منذ ما قبل الأمير عبد القادر، بل وما قبل أبي مدين شعيب. ما الداعي للكتابة والكتابة موقف ومسؤولية، وقد غابت المسؤولية في هذا الزمن المتصهين حتى النخاع . هل تراني أكتب عن أولئك الأطفال الذين ماتوا وهم تحت الحماية الأممية في مدرسة "الانروا" .. هل أعلق على تهديدات الناطق باسم جيش العدوان الصهيوني، عفوا "جيش الدفاع "وهو يقول بأن الموت سيطال كل بيت أو مكان يشكل تهديدا لأمن إسرائيل، وقد رأينا كيف ضربت البيوت الآمنة والمدارس التي لا رائحة فيه للمقاومة ضربا مبرحا بالصواريخ والقذائف جوا وبرا وبحرا،وحتى بيوت الله التي دكت دكا بالصواريخ وكأنها صارت منصات لإطلاق الصواريخ !! الكتابة يا صديقي موقف وعدم الكتابة أحيانا أخرى يكون أكبر من الموقف نفسه، لقد اتصلت بي أكثر من قناة تلفزيونية تطلب مني تدخلا أو موقفا باسم بلدي الذي لم يقصر في أي يوم من الأيام تجاه القضية الفلسطينية التي مدها دون من أو مزايدة بكل أنواع الدعم المالي والمادي والمعنوي ومدها بالسلاح ودرب بعض قادتها العسكريين ومن على أرضها أعلنت دولة فلسطين، ومع كل ذلك فإن بلدي لم يتدخل في أي يوم من الأيام في القرار الفلسطيني، بل وعمل في كل المحافل الإقليمية والدولية على أن يكون هذا القرار مستقلا عن أي موقف عربي أو دولي ضاغط أو جائر. ألم يكن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة هو أول شخصية عربية عندما كان على رأس الدبلوماسية الجزائرية يقوم بإقناع الجمعية العامة للأمم المتحدة ليخطب من علا منبرها ولأول مرة في التاريخ المعاصر زعيم فلسطيني وهو الراحل ياسر عرفات الذي ردد حينها من علا منبر تلك الجمعية مقولته المشهورة : لقد جئتكم أحمل في يدي مدفعية الثائر و غصن الزيتون فلا تسقطوا الغصن من يدي. كما طلبت مني أكثر من قناة أن أتحدث إليها باسم الحزب الذي انتمي إليه ولم أكن في حاجة للتدخل لأقول وبافتخار أن جبهة التحرير كانت تردد أكثر من مرة أن استقلال الجزائر سيكون منقوصا بدون استقلال فلسطين. لذلك كله ولعروبتي الرافضة غير الخانعة وغير المستسلمة رفضت الحديث وأنا أشاهد هذا الموت والدمار الذي يلحق بأبناء فلسطين وكأن قادة هذا العالم وخاصة "قادة "العالم العربي منه صاروا صما بكما أو أنهم يتفرجون على مشهد مسرحي تحت عنوان الملهاة الفلسطينية . لذلك كله فقد رفضت تارة أو تمنعت لأنني خجلت من نفسي كعربي في زمن العربدة الصهيونية تجاه شعب أعزل شقيق يذبح ويقتل على مرأى ومسمع من هذا العالم الذي يدعي الدفاع عن حقوق الإنسان و عن حقوق الطفل وعن حقوق المرأة، وحتى عن حقوق الحيوان وهو هذا العالم الذي يخجل من أن يقول لا ولو باحتشام إن قتلت العصابات الصهيونية الأطفال والنساء وذبحت الأبرياء العزل من كل سلاح والأرقام الأخيرة في عدوان غزة تنطق وستكون هذه الجريمة كما قالها رئيس وزراء تركيا "الطيب أردوغان" نقطة سوداء في تاريخ الإنسانية وستبقى وصمة عار في جبين الحكام الصهاينة الذيناثبتوا للعالم أنهم أكثر تعطشا للدم أكثر من هتلر الذين الذي اتهموه بالمحرقة ونسوا كل تاريخهم الحافل بكل أشكال "الكريماتوريومات" والمجازر والمذابح ضد الفلسطينيين. نعم لقد خجلت من التصريح والكتابة باللغة التي نزل بها القران الكريم، والتي يتسابق بعض " القادة العرب "الناطقين بها لمصافحة السفاحين القاتلين بارك واولمرت، وعميلة الموساد ليفني ويتبادلون معهم "البوس" والعناق بالأحضان، والشد بقوة على الأيدي، ثم يُحمَلون في نفس الوقت المقاتلين الفلسطينيين المدافعين عن الشرف الفلسطيني والعربي مسؤولية الدم الفلسطيني المراق ويدينون عملياتهم الفدائية الاستشهادية ويصفونها مثلما يصفها أسيادهم هناك في واشنطن وأصدقاؤهم في تل أبيب بأنها عمليات إرهابية !!. سجل يا ولدي، وسجلي يا سيدتي أن هذا الضمير العربي الرسمي عندهم قد مات منذ زمان، مات منذ مات عبد الناصر، مات منذ أن مات فيصل، مات منذ أن مات الصمود والشموخ والعز العربي، وترك مكانه للخنوع والركوع العربي الجديد لغير الله والوطن .... والأكيد أن الضمير الشعبي العربي لن يموت إن مات ضمير الحكام هناك..