الإرهاب أفرغها من السكان والسلطات تتماطل في إعادة إعمارها قرية أولاد علي بالثنية، هي قرية في إسمها ومدينة في حقيقتها، هكذا وصفت من طرف الوالي السابق ببومرداس الهاشمي جيار لما زارها في 1987ليصفها بحيدرة بومرداس، هذا كان قبل 14سنة.أما إن تغير الزمن ويكون في سنة 2009فهي توصف بمدينة كابول في مظهرها الحالي، بحيث كل زاوية من بيت مشيد بها يروي رواية حرب ونيران تصنعها العناصر الإرهابية الذين اتخذوها معقلا لهم منذ سنوات التسعينات . رواية قرية أولاد علي التي تبعد عن مدينة الثنية ببومرداس ب 06 كلومتر موقها الإستراتيجي صنع منها لوحة مذهلة قليلا ما تجدها في المدن الكبرى والعالمية ليست هي المبالغة فالزائر لهذه القرية أكيد أنه لن يجد وصفا لها فالصعواكتشاف وقد يذهب الظن أن الأمر عادي مثل أي قرية يتم زيارتها ولكن سرعان ما يتغير كل شيء، حيث وأنت تصعد قمة من الجبل وأنت تبتعد عن ضوضاء المدينة يتملكك هدوء روحي ترتاح له النفس فتنتظر بفارغ الصبر عند الوصول لما تجد نفسك في جنة مخضرة تطير في الأفق وتغازل السماء وتلوح للبحر الذي يحييها من تحت ويحاذيه ميناء زموري الذي ترى به حركات القوارب الذاهبة والآتية والعاصمة التي تطل ببناياتها العتيدة وتلألؤ أضوائها في الليل، هذه هي لوحة أولاد علي التي تفنن فيها الخالق وصنع بها كل ما له صلة بالجمال وحده أما لما تمشي بين أحيائها فيعود بنا التاريخ إلى سنوات الجمر التي مرت لما كانت هذه القرية معقلا للعناصر الإرهابية ولم يكن للسكان إلا الفرار وترك ممتلكاتهم من بيوت ضخمة وأراضي شاسعة للبحث عن مكان آمن يطمئنون فيه على حياتهم وحياة أبنائهم حتى وإن كان تحت سقف البيوت القصديرية بالمدن، هي أوقات عصيبة يقول عمي أحمد الوحيد الذي يقطن حاليا بالقرية في تلك السنوات كانت تندلع معارك بالقرية لما تحصل إشتباكات دائما بين قوات الأمن والعناصر الإرهابية، هؤلاء الذين يهددون حياة السكان في كل لحظة ويتم إبتزازهم بالقوة حيث كانوا أكثر من الاستعمار الفرنسي نفسه، يأخذون كل شيء، النقود والأكل وكل ما يحتاجونه يأخذونه من السكان الذين لم يتحملوا وقد أصبحت الحياة بالقرية مستحيلة وكأنه كابوس ننام على طلقات النيران ونستيقظ على جثث الضحايا وعليه هربوا كلهم ولم يكن أحد يعلم الآخر عن مغادرته بحيث لم يكن أحد يأخذ معه شيئا لكي لا يشك في رحيله، حيث البيوت كلها تركت بأثاثها ومنذ 14سنة لم يطأ إنسي القرية إلا سنة 2007حيث وجدت البيوت قد خربت وسرق كل ما فيها من أثاث وكل لوازمها من أبواب ونوافذ بحيث بقي هيكلها فقط ناهيك عن البيوت التي مستها عمليات القصف أو طلقات النيران. الإرهابي ''البركاني'' لعنة أهل القرية يروي أهل القرية أن تورطهم مع العناصر الإرهابية بدأ مع الإرهابي المسمى''البركاني'' الذي هو قريب إحدى العائلات بالقرية وكان يقطن بباش جراح، حيث بدأ يكون جماعات يوجههم لتطبيق الدين وغيره لتتحول هذه الجماعة وتشكل نسبة من السكان، حيث تفرض على نفسها طقوس منها معاداة كل شاب أو عائلة لا تلتحي ولا تلبس نساءها الحجاب، حيث أصبح هؤلاء إن أقاموا عرسا لا يدعون إلا من ساندهم وكانوا يرضخون لأوامر هذا الإرهابي كلها لتشتعل نار الفتنة بعد ظهور الجماعة الإرهابية، حيث كل هؤلاء حملوا السلاح وصعدوا للجبل وكان يبلغ عددهم آنذاك 30عنصرا ومعظمهم من عائلة واحدة مثل التائب ح/ نور الدين وح/ أحمد الذي اغتالته العناصر الإرهابية العام الماضي ومنذ ذلك الوقت تحولت حياة أهل القرية إلى كابوس من عمليات اعتدائية كانت تقوم بها العناصر الإرهابية بالمدن لما كانت تعرف بالجماعة الإسلامية المسلحة ''الجيا'' وتعود للقرية التي تعتبر معقلا لها وأفضع جريمة قيل إنها نفذتها جماعة أولاد علي بالثنية هو قتل عائلة بأكملها لتتوالى الأحداث بعدها مع العمليات الاعتدائية على السكان والاشتباكات مع قوات الأمن ومنذ سنوات التسعينات كانت تصنف من النقاط الحمراء ببومرداس فلا يطأ إنسي القرية ومن يدخلها فأكيد لن يخرج منها حيا إلا أنها عادت إليها السكينة أخيرا بعد تدشين ثكنة عسكرية بها والتي خاضت معارك طويلة مع الجماعة الإرهابية ومعظمهم من أهل القرية ومنهم من تم القضاء عليهم ومنهم من سلم نفسه مع تدابير الوئام المدني ثم المصالحة الوطنية، إلا أنها للأسف لا تزال على مظهرها منذ سنوات الجمر. من يعيد بعث الحياة بالقرية من جديد لا تزال قرية أولاد علي بالثنية مهجورة من السكان منذ 14سنة كاملة وتوجد حاليا عائلتين فقط تقطنان بها لكن ليس بصورة دائمة، حيث تأتي فقط لخدمة أرضها وتربية الماشية بها. وقد بادر أحد سكان القرية الأصليين إلى احتضان آمال السكان بالعودة للقرية والعيش بها من جديد فأسس جمعية سميت ب''جمعية أمل العودة'' وقد صادقت عليها 180عائلة من أصل 200لدعم هذا المسعى والعودة إلى بيوتها، خاصة وأن هذه العائلات تقيم معظمها في بيوت قصديرية في المدن أو مستأجرة وقد حاولت تجسيد هذا المشروع بزيارة كل نهاية أسبوع منزلها وممتلكاتها وبادرت للتنظيف ومحاولة إعادة البناء وقد طالبت من السلطات المحلية إيصالها بالكهرباء، بحيث أن كل الخيوط القديمة تم قطعها ومساعدتها بالاستفادة من التمويل الذي تقدمه مديرية الفلاحة في إطار السكن الريفي بحيث أن كل البيوت محطمة ومجردة من كل لوازمها من أبواب ونوافذ وغيرها، ناهيك عن الطريق غير المعبد، خاصة وأن القرية يخترقها طريق يربط بينها وبين مدينة زموري والثنية وقد تم قطع السير منذ سنوات التسعينات ولا يزال يشكل فتحه خطرا إضافة إلى أن القرية لا تتوفر على النقل بينها وبين المدينة وهذه من الضروريات التي رآها السكان واجب توفيرها للعودة، إلا أن الأمل تبخر رغم مرور أكثر من سنة من محاولة تجسيده وذلك لأن السلطات المحلية لم توفر حتى الكهرباء والماء للسكان لتجلبهم للعودة والعيش بسلام في ممتلكاتهم، خاصة وأن أغلب هذه العائلات كانت تسترزق من خدمة الأرض وتربية الحيوانات منذ القديم وهجرها منازلها سبب لها أزمة سكن وبطالة في نفس الوقت ولم تتوقف الخسائر عند هذا الحد بل أن القرية تعطلت بها عدة مشاريع بسبب الإرهاب، منها الفلاحية مثل أشجار الزيتون المقدرة بحوالي 2500شجرة فقبل الاستقلال كان مشروع بناء مستشفى الأمراض العصبية بالقرية لموقعها وهدوئها وقبل سنوات الجمر كان هناك مشروع بالشراكة مع شركة أجنبية لبناء منجم بعد اكتشاف الذهب بإحدى الجبال المجاورة لها والتي من شأنها أن تحول القرية إلى منطقة صناعية، إلا أن المشروع توقف بعد البدء به بسبب سوء الوضع الأمني ومنجم الحديد الذي أشرفت عليه شركة إفريقية وقد هرب كل العمال بعد تصميم المشروع قبل العشرية السوداء إضافة إلى وجود مادة ''التيف'' التي أصبحت تسرق من طرف المهربين لهذه المادة بطريقة غير شرعية ودون وجود أي رقابة، ناهيك عن الأراضي الزراعية الشاسعة التي أتت عليها الأشواك..هي إذا قرية أولاد علي، فإن كان الصعود كان برغبة وحب الاكتشاف، فإن النزول يكون بتحسر والبحث عن أمل لإعادة الحياة في جنة تحتضر في كوابيس الماضي.