عاد مجددا الفرنسيون إلى منطق تسميم علاقات بلادهم بالجزائر باعتماد أساليبهم البالية القائمة على الابتزاز ولي الذراع، ظنا منهم أن عهد التبعية لازال قائما، رغم أن العالم دخل في تقويم جديد عنوانه باختصار ''العالمية والعولمة'' وعلى هذا المنوال أطل كاتب فرنسي مغمور يدعى برونو توتريه على الفرنسيين بكتاب جديد حمل عنوان ''السوق السوداء للقنبلة النووية''، تضمن اتهامات استهدفت الجزائر، وعلى الرغم من أن الكاتب لم يأت بجديد ليس بحكم ضحالة قدراته البحثية ولا لضعف المؤسسة التي تمول أبحاثه. بل لكون أنه لا يوجد لدى الجزائر شيء تخفيه بشأن مفاعلي ''نور'' و''السلام'' النوويين، ما جعل كل المعلومات التي أوردها الكاتب متداولة ومعروفة بطابعها المدني الصرف في الجزائر وخارجها، وبالأخص لدى المؤسسات الدولية وعلى رأسها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الأمر الذي يضفي على المسعى الجزائري في المجال النووي المدني شرعية ومشروعية لا ينازعها فيه لا صاحب الكتاب ولا فرنسا ولا غير هؤلاء وكان في مقدور الكاتب لو أراد وكان باحثا موضوعيا أن يتجشم مشاق البحث في مضانه عندها سيتبين له لا محالة بأن ما نسجه في خياله ليس إلا خرافات لم تجد من يتجاوب معها حتى في فرنسا فضلا عن عواصم الدول الأخرى التي لا يعزب عنها مثقال ذرة من الطبيعة النووية. الأمر الذي يحيل مجددا وبقوة إلى الخلفيات التي جعلت هذا الباحث يقدم تحت الطلب خدمته مستهدفا الجزائر بخرافات من نسج خياله ومعلوم أن العجب كما يقال يزول عند معرفة السبب وعلى ذلك لا يرى متابعون لملف العلاقات الجزائرية الفرنسية داعيا في البحث بعيدا عن هذه الأسباب طالما أن ملفا في التعاون الجزائري الفرنسي في المجال النووي لا يزال مرتقبا ومن شأنه أن يسيل لعاب ساركوزي وغيره من المسؤولين الفرنسيين وبطبيعة الحال الملف النووي هذا هو أحد الملفات التي كان يرتقب أن يتناولها الرئيس بوتفليقة مع نظيره الفرنسي خلال الزيارة المرتقبة التي أرجئت أكثر من مرة بعدما كان هذا الملف النووي ضمن سلة مقترحات الجانب الفرنسي عند كل زيارة تقود مسؤوليه إلى الجزائر. ما جعل هذه المرة رياح الفتنة لا تهب لا من إسرائيل ولا من صحافة عاصمة الضباب ابتداء ولا من الصحافة الأمريكية تباعا، كما سبق وأن حدث وإنما تهب من فرنسا البلد النووي بامتياز وإذا كان البرنامج النووي الجزائري سلميا ومدنيا في أولى خطواته، فإن الجزائريين يعرفون ملف الجرائم الفرنسية النووية حق المعرفة لأنها كانت ولا زالت جزءا من تاريخ فرنسا الاستعمارية في الجزائر، الأمر الذي يؤكد بأن مؤلف الكتاب لو أراد ان يقدم خدمة للإنسانية لانكب باحثا في جرائم بلاده لعله يساهم في تخليص جيل ما بعد فرنسا الاستعمارية من عقد ذنب الأجداد غير أن الأموال والمصالح كان لها رأي آخر خاصة إذا ما كان فرصة استحواذ فرنسا على سوق التطور النووي المدني في الجزائر قاب قوسين من الضياع.