“التيار المدخلي" لم يتأثر برياح الربيع العربي حزب “زيراوي حمداش" معزول، ومؤسسه لم يمثل يوما مرجعا للسلفيين أنس.ج اشتهر التيار السلفي في الجزائر بأدبيات شكلت هويته وأساسه في مواجهة التيارات الإسلامية الأخرى وعلى رأسها تيار الإسلام السياسي، ولعل من أبرز أقوال السلفيين “من السياسة ترك السياسة"، و«لا تحزب في الإسلام"، حيث يرفض أغلب أبنائه وخاصة جناح السلفية العلمية الدخول في معترك السياسة ويفوضون الأمر إلى الحاكم بغض النظر عن رأيهم فيه، كما يحرمون المظاهرات والتحركات الشعبية ولو بهدف إصلاح الحكم ويصرون على أن الطريقة الأمثل لتحقيق الإصلاح هي “النصيحة" لأولي الأمر، لكن مع بداية الثورات العربية بدأت المياه تتحرك، خاصة مع التحول التاريخي الذي وقع عند السلفيين في مصر من خلال تأسيسهم لأحزاب سياسية ودخولهم المعترك الانتخابي، كما يشهد التيار السلفي في دول عربية أخرى تفاعلات ونقاشات تنتهي أغلبها في النزول إلى الحياة السياسية وإن اختلفت الأطر والأشكال. وتمثل خطوة “عبد الفتاح زراوي حمداش" في تأسيس حزب سياسي يحمل اسم جبهة الصحوة الحرة أول اختبار للحالة السلفية في الجزائر، وهل يبقى تحرك زيراوي في إطار السلفية الحركية التي لم ترفض العمل السياسي، وسبق أن ناضل رجالتها في صفوف الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلة، أم ينجح في إحداث اختراق في صفوف السلفية العلمية كما حدث في مصر ودول عربية أخرى. العقدة الأولى التي تواجه زيراوي وحزبه أن الجزائر لم تتأثر بالثورات العربية وبالتالي المعادلة مختلفة، والقياس على تونس ومصر لا يصح، كما يواجه عقدة أن التيار السلفي العلمي الرافض للعمل السياسي قوي جدا في الجزائر وربما يأتي في الدرجة الثانية بعد السعودية حيث يتمتع مشايخ السلفية العلمية في الجزائر بتأثير كبير على مناصريهم، باعتبار امتداد عملهم لعشرات السنين، تمكنوا فيها من ترسيخ مفاهيمهم وتكوين حيثية يصعب تجاوزها بتحرك من هنا أو هناك. كما لم يتأثر التيار السلفي العلمي في الجزائر والذي يطلق عليه أحيانا “التيار المدخلي نسبة إلى الشيخ السعودي ربيع بن هادي المدخلي بالربيع العربي عكس التيارات السلفية في الدول العربية الأخرى، باعتبار هذا “النقاش" قديم في الجزائر، وعمل عليه المشايخ السلفيون كثيرا في مواجهة المد العارم للجبهة الإسلامية للإنقاذ وقتها. ويعاني زيراوي أيضا من الانطباع السائد عنه في الأوساط السلفية، حيث ينظر إليه كدخيل على العمل الدعوي، بحكم عدم الاعتداد بآرائه وكتاباته الشرعية، عكس كبار المشايخ مثل الشيخ أبي العز فركوس، كما تُصبغ تحركاته وخرجاته ب«التسرع" والمزاجية، وهي صفات مذمومة عند السلفيين، زيادة على أنه محسوب على الجبهة الإسلامية للإنقاذ وهي خصم تاريخي لتيار السلفية العلمية. ويبدو أن الوعاء السلفي المستهدف من قبل جماعة زيراوي لن يخرج عن إطار الحركيين ممن سبق لهم النضال في صفوف الفيس، وحتى في صفوف هؤلاء لا يحظى زيراوي بشعبية كبيرة، حيث يستمع أغلبهم إلى قادة الفيس التاريخيين وشيوخه المؤسسين، ومادام مسعاه لم يزك رسميا من مراجع الحزب المحل، فلن يتلقى استجابة كبيرة من مناضليه.