مواطنون بالصحراء الكبرى لا تعترف السلطات المحلية بجزائريتهم قضيتهم تشكل مشكلا أمنيا كبيرا تحقيق: فريدة.س لا يزال الآلاف من الجزائريين في الصحراء الكبرى وعلى الحدود لا يملكون بطاقة هوية وممنوعين من استخراج شهادة الميلاد وشهادة الجنسية التي تؤكد جزائريتهم، فهم ببساطة وكما عبروا عنها أبناء مناطق تمنراست، عين ڤزام، تين زواتين “محرومون من حقوقهم السياسية والمدنية" من قبل المصالح المحلية بالصحراء. وقد كان تبرير الإدارات التي توجه لها هؤلاء التوارق لرفض تسليمهم الوثائق “بعدم قانونية شهادة الميلاد" الصادرة عن القنصلية الجزائرية في غاو بمالي أو أغاديس بالنيجر، فالمشكل موجود بهذه الأخيرة لو قبلتها الإدارات المحلية لحُلت وفُكت كل الألغاز. «لا يعترفون بجزائريتنا…لكن يستدعون أبناءنا لأداء الخدمة الوطنية" استغرب والد الشاب “محمد" لدى استدعائه لأداء الخدمة الوطنية وتسجيله من قبل وزارة الداخلية في القائمة الانتخابية، في الوقت الذي تصر فيه سلطات تمنراست ومحكمتها على رفض وثائق المولودين بالخارج وأضاف قائلا “كيف للجيش أن يستدعي ابني، فيما ترفض محكمة تمنراست منحه الجنسية التي تمنحها الدولة لكل شخص أجنبي يقيم بأراضيها لسنوات… فسلطات تمنراست لا تعترف بجزائريتنا لكن تستدعي أبناءنا لأداء الخدمة الوطنية". جزائريون أبا عن جد…لكنهم محرومون منذ ستينيات القرن الماضي من أدنى الحقوق أكد لنا أحد الشباب الجامعي بولاية تمنراست أن هناك ما يقارب 25 ألف جزائري أبا عن جد ولدوا في الخارج بالقرى والمناطق الحدودية بأراضي دولتي مالي والنيجر منذ ستينيات القرن الماضي محرومون من حقوقهم المدنية والسياسية، كون عائلاتهم كانوا من التوارق الرحل تنتقل بين تمنراست وعين ڤزام وتين زواتين بالجزائر إلى مالي والنيجر بحثا عن ظروف الحياة والمراعي والماء لقطعان الإبل والماشية، هذا الوضع فرض عليهم التسجيل المتأخر في سجلات الحالة المدنية ببلديات تمنراست، عين ڤزام، تين زواتين وغيرها أو في القنصليات الجزائرية الواقعة بدول الجوار. شاب تحصل على البكالوريا رفضت دعواه أمام المحكمة وبعد مدة يستخرج الجنسية تحصل شاب على البكالوريا ولدى توجهه للمصالح الإدارية لإعداد ملف التسجيل بالجامعة تلقى صعوبات كبيرة ولم يستطع الحصول على وثيقة واحدة، مما تطلب منه رفع دعوى قضائية تخص “دعوى ثبوت الجنسية" رفضت له، لكن وبعد مدة لم ييأس وعاود التوجه للمحكمة فاستخرج الجنسية بصفة عادية ولم يتلق أي صعوبات، المشكل المطروح كما قال الشاب أنه في فترات نستخرج الوثائق دون عوائق ومرات تغلق في وجوهنا كل الأبواب. «أنا جزائري… ورقم بطاقتي مجهول" بدأ إبراهيم حديثه بالقول “أنا جزائري… لكن رقم بطاقتي مجهول"، وهذه الحالة تنطبق على الآلاف من التوارق الذين لا يملكون بطاقة هوية، وهم يعانون من هذا المشكل جراء رفض السلطات المحلية منحهم أدنى الحقوق وهي “بطاقة هوية" وشهادة ميلاد التي أزمت الأمور وخلقت صعوبات خصوصا لدى الشباب الذين يرغبون في الالتحاق بمقاعد الدراسة، وإيجاد مناصب عمل سواء عند الدولة أو الخواص، هذان الأخيران اللذان وفي غالب الأحيان يتطلب الالتحاق بهما ملفا إداريا كاملا. عدم منح بطاقات التعريف لعرب الصحراء يخلق مشكلا “أمنيا كبيرا" يخلق عدم منح السلطات المحلية خصوصا بولاية تمنراست مشكلا كبيرا من الناحية الأمنية، لأنه ولدى ارتكاب بعض الأشخاص مجهولي الهوية لجرائم، لا تستطيع مصالح الأمن معرفة هويتهم من البصمات التي يجدونها بمكان الجريمة، لأنها وببساطة بصمات مجهولة لأن أصحابها مجهولو الهوية بالنسبة للأخيرة، وهذا يشكل عائقا كبيرا أمام تحقيقات مصالح الضبطية القضائية الموجودة بالمنطقة لاستحالة فك لغز الجرائم الموجودة بمكان اختصاصها، وهذا حافز بالنسبة للأشخاص المجهولي الهوية لارتكاب جرائمهم بحرية، كما أنه حافز أيضا لشبكات الجريمة لاستغلال هذه الفئة من المجتمع ما دامت السلطات المحلية لا تملك بصماتهم التي تكشف هويات مرتكبي الجريمة. لاستخراج شهادة الميلاد نسدد تذكرة 3 ملايين سنتيم للتوجه جوا للعاصمة وأكد محمود أن مشكل المولودين بالخارج أرقهم وأصبح يلازمهم، لأن وزارة الخارجية في الماضي كانت تقبل الوكالات لاستخراج شهادة ميلاد أفراد العائلة والأهل والجيران ونستخرج بالعشرات فأكثر، لكن مؤخرا أصبحنا نواجه صعوبات حيث تسلمنا الوزارة شهادتي ميلاد على الأكثر، كما أنها رفضت وشددت في استخراج شهادات الميلاد بالوكالة. نطالب بفروع للحالة المدنية من وزارة الخارجية بالصحراء لدراسة حالتنا وقد طالب الشباب الجامعي أبناء المنطقة الحدودية للصحراء والذين يعانون من مشكل استخراج الوثائق باستحداث فرع للحالة المدنية ليستخرجوا وثائقهم، لأنهم وكما قالوا المشكل ليس في السلطات العليا وإنما على المستوى المحلي، وأكدوا على وجود خيط رفيع في القضية هي “العنصرية" التي رأى المسؤولون المحليون أن المولودين بالخارج أناس بسطاء ولا يفقهون في الإجراءات، كما أنهم أميون استغلوا جهلهم وأميتهم وأصبح المسؤولون يوجهونهم من إدارة إلى أخرى ومارسوا عليهم البيروقراطية، لأنهم يضيفون توصلوا لقناعات وهي أن قضيتهم معروضة على أعلى مستوى ووصلت إلى كل السلطات وجميع الهيئات الإدارية وهناك وعود بحلها، لكن استنتجوا أنه أمر مقصود على مستوى السلطات المحلية. وكلاء جمهورية “مشكل المولودين بالخارج معقد وذو أبعاد إنسانية"
بحكم استقبال المحاكم يوميا لعشرات القضايا على هذه الشاكلة توجهنا لبعض وكلاء الجمهورية واستفسرنا عن قضية المولودين بالخارج، فأكد لنا أحدهم أن “مشكل هذه الفئة معقد وذو أبعاد إنسانية بالدرجة الأولى، ووزارة العدل هي التي يمكنها مراجعة قانون الحالة المدنية أو بحث حل آخر لإنهاء هذه المشكلة"، وأحالنا المتحدث إلى عدد من النصوص القانونية وتعليمات وزارة العدل المتعلقة بالمواليد في الخارج وكذا التعليمات المشتركة بين وزارات العدل والداخلية والخارجية التي تعنيها المشكلة. ثغرات كبيرة في قانون الحالة المدنية اعتبر بعض مسؤولي البلديات أن قضية الصحراء الكبرى قضية قانونية ولا علاقة لها بالسياسة، كون قانون الحالة المدنية واضح، حيث نص على ضرورة استصدار حكم من محكمة سيدي امحمد كونها المخولة قانونا في تسجيل عقود الحالة المدنية المتأخرة بالنسبة للمولودين في الخارج في حال تأخر تسجيلهم بمصالح القنصلية الجزائرية. الزواج العرفي خلق مشكلا لدى السلطات المحلية والقضائية إن أهم الإشكالات التي يعاني منها نظام الحالة المدنية في الجنوب الكبير وبشكل خاص ولاية تمنراست هي ظاهرة تغاضي المواطنين عن تسجيل ما يطرأ على حياتهم من تطورات كالميلاد، الزواج والوفاة. وأهم الأسباب التي جعلت المواطنين يغفلون تسجيل ميلاد أبنائهم هي أن معظم سكان المنطقة من البدو الرحل، الذين لا يهتمون بتسجيل الولادات إلا للضرورة كالدخول المدرسي أو الحصول على بعض الوثائق الإدارية للتنقل أو العمل أو السفر كبطاقة التعريف الوطنية أو شهادة الجنسية، ناهيك عن شساعة المنطقة وبُعد البدو الرحل عن مراكز التسجيل، الذي يصعب عليهم التنقل وتحمل عناء السفر من أجل تسجيل أنفسهم. أما بخصوص عدم تسجيل عقود الزواج في سجلات الحالة المدنية فإنه يعود للعادات الشائعة في هذه المنطقة المتمثلة في الزواج العرفي الذي يتم لدى قبائل “الطوارق". إذ يقتصرون في زواجهم على الجماعة وقراءة الفاتحة فقط دون اللجوء إلى ضابط الحالة المدنية أو الموثق لإبرام عقد زواجهم في حينه وهذا راجع إلى عدة اعتبارات منها عدم حيازة الزوجين على عقود الميلاد ووثائق تثبت هويتهما، الزواج بالقاصرات، الزواج بالأجنبيات، قراءة الفاتحة وإتمام عملية الدخول قبل اللجوء إلى البلدية أو الموثق الأمر الذي يؤدي إلى رفض ضابط الحالة المدنية تسجيل هذا الزواج بمجرد علمه بذلك. هذه الظاهرة خلقت مشكلا عويصا للسلطات الإدارية والقضائية المحلية وحتى السلطات المركزية لأن هذه الإغفالات دفعت المواطنين المنسيين للتقدم أمام هذه الأخيرة لتسوية وضعيتهم وتسجيلهم طبقا لأحكام المادة 39 من الأمر 70 / 20، إلا أن هذه الأخيرة تشترط على المعنيين تقديم إثباتات لتسوية ملفاتهم، لكن الإشكال الذي يواجههم هو انعدام الدليل المكتوب ولا يبقى أمامهم سوى شهادة الشهود، الأمر الذي يفسر أن أغلبية الملفات المطروحة على العدالة ترتكز على هذه الشهادة التي تكون في غالب الأحيان غير نزيهة مما يجعل هذا التسجيل قائما على شهادة الزور. مقترحات مثقفي أبناء الجنوب الكبير لحل مشاكلهم تقدم أبناء منطقة الصحراء من الطبقة المثقفة مجموعة من المقترحات التي ترى بأنها الحل المثالي لمشاكلهم، وأكدوا على ضرورة إنشاء لجان جديدة لحصر عدد المواطنين الذين لم يسجلوا عند تأسيس الحالة المدنية مع إلزامية إجراء تحقيق مكثف للتأكد من أن هؤلاء المنسيين جزائريين فعلا وليسوا أجانب يحاولون التسرب إلى المجتمع الجزائري، كما أكدوا على أن يكون أعضاء هذه اللجان من أعيان المنطقة أو ممن يعرفونها جيدا وممن يؤتمن جانبهم لاتصافهم بالموضوعية والجدية لتجنب التواطؤ الذي حدث بين أعضاء اللجان السابقة والأجانب أثناء عملية تسجيل المنسيين، واشترطوا في هذا وجوب تأدية هؤلاء الأعضاء اليمين القانونية. مشكل الجزائريين في الصحراء الكبرى…
مشكل أمني أو سياسي أو قانوني؟ لدى تقصينا في الموضوع طرقنا كل أبواب السلطات لأخذ مواعيد مع رئيس محكمة سيدي امحمد والنائب العام بمجلس قضاء الجزائر، بالإضافة إلى الناطق الرسمي لوزارة الخارجية لكن لا حياة لمن تنادي، ولم يردوا على استفساراتنا في الموضوع رغم أننا تركنا كل المعلومات لمعاودة الاتصال بنا لأخذ موعد ومناقشة الموضوع من كل جوانبه، وخلال العزوف عن الرد من قبل السلطات تبادر إلى أذهاننا عدة أسئلة لماذا لم تسو مشاكل الكثيرين رغم حصولهم على أوراق رسمية من القنصليات التابعة لوزارة الخارجية، رغم أن بقاء هذه الفئة مجهولة الهوية قد يؤثر على الأمن في المنطقة خصوصا والأوضاع الحالية التي تعيشها منطقة الحدود مع مالي وليبيا، لأنه وخلال المدة الأخيرة أصبح التوارق خصوصا يميلون إلى الاستقرار والتخلي عن حياة البدو الرحل حيث أصبح أبناؤهم يميلون إلى التعليم وكونوا نخبة من المثقفين الذين يرفضون العيش في المجهول بدون وثائق ثبوتية مما ستنجر عنه أزمة لا محالة.