يعيش سنويا الشارع الوطني ومن ورائه آلاف الأسر الجزائرية، على وقع فتنة تدور رحاها بمجرد حلول تاريخ الثاني عشر من شهر ربيع الأول المصادف لذكرى المولد النبوي الشريف، ففي الوقت الذي تتواصل فيه الاستعدادات داخل العائلات الجزائرية لإحياء هذه الذكرى التي تحمل الكثير من الدلالات الروحية والنفسية لديهم، يتجدد ارتفاع أصوات بعض المفتين بحرمتها عبر منابر الكثير من المساجد الخاضعة لتأثير ما بات يعرف بتيار السلفية العلمية، الذي حرص على استغلال كافة الوسائل والطرق لنشر فكرة تبديع الاحتفال بالمولد، معتمدين في ذلك على كتيبات ومطويات يتم تسريبها على نطاق واسع بين الشباب، سيما في المدن والأحياء الشعبية الكبرى على غرار ولاية العاصمة. ويدفع مؤيدو تحريم الاحتفال بالمولد النبوي بعدة فتاوى أصدرها علماء سعوديون كالشيخ ابن الباز والعثيمين وحتى جزائريون من أمثال الشيخ فركوس، وهو أحد أكبر مراجع هذا التيار على مستوى الجزائر، والذي أفتى صراحة عبر موقعه في الأنترنت بأن الاحتفالَ بالمولد النبويِّ الذي أحدثه بعضُ الناس إمَّا مضاهاةً للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام، وإمَّا محبّةً كما -زعموا- للنبيِّ صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم وتعظيمًا له، يُعتبر من البدع المحدثة في الدِّين التي حَذَّرَ الشرع منها، لأنَّ هذا العملَ ليس له أصلٌ في الكتاب والسُّنَّة. من جهته، وفي تصريح للبل، انتقد دكتور في أصول الفقه بجامعة الجزائر بشدة الدعوة إلى تحريم الاحتفال بالمولد ووصف تسميتهم لليلة مولده صلى الله عليه وسلم بالليلة المشؤومة أنه سوء أدب مع سيد الخلق، مشيرا إلى أن الاحتفال في هذا اليوم يعد منالبدع الحسنة المطلوبة شرعا، بالرغم من أن العمل بها لم يكن على عهد النبي وصحابته، إنما أحدث في القرن السابع للهجرة، مضيفا أن خلفاء كثر عرف عنهم العلم والتقوى كانوا يحتفلون به ولا ينكرونه، ومنهم السلطان محمد الفاتح الذي فتح القسطنطينية، مؤكدا أن هذا العمل استحسنه علماء كثر في مشارق الأرض ومغاربها، منهم ''الحافظين ابن حجر العسقلاني، وتلميذه الحافظ السخاوي والسيوطي وغيرهم، معتبرا في السياق ذاته أن من ينشرون هذه الأفكار يسعون إلى إحداث قطيعة فكرية وعقائدية بين المجتمع وموروثه النفسي والثقافي وحتى أعرافه وعاداته. ورغم كل هذا الجدال، فإن الاحتفال بهذه الذكرى يعتبر تقليدا قديما توارثته الأسرة الجزائرية عبر أجيال طويلة، وهو ما تأكد من تصريحات عدد كبير من تلك العائلات التي استغربت صدور فتاوى من هذا القبيل، وشددت حرصها على إحياء هذه الشعيرة مستدلين بأنها لو كانت من المحرمات لما صمدت إلى هذا اليوم ولما أجمع عليها غالبية المسلمين في بقاع الأرض المختلفة.