أثار حادث الاغتيال الشنيع الذي راح ضحيته أول أمس، المدير العام للأمن الوطني العقيد علي تونسي، تضاربا في التحليلات بين الصحف ووسائل الإعلام العالمية حول ما جرى بالفعل صبيحة الخميس الماضي بمقر المديرية العامة للأمن الوطني. ففي الوقت الذي تبنى بعضها الرواية الرسمية التي حملها بيان وزارة الداخلية، سارع البعض الآخر إلى نسج روايات وسيناريوهات للحادث تصب معظمها في خانة تأكيد مقولة أن الجزائر لا زالت تتخبط في مخلفات العشرية الماضية وأن الوضع الأمني وملفات الفساد الأخيرة تثبت صدقية القول بوجود صراع على السلطة في أعلى أجنحة الدولة. وقد رجحت معظم الصحف ووسائل الإعلام أن سبب الاغتيال يعود إلى قضية فساد على مستوى الأمن الوطني تخص صفقة لمعدات الطيران وطائرات هليكوبتر كان المتهم الرئيسي فيها الجاني شعيب ولطاش والذي رفض الخضوع للمحاكمة، بحجة أنه ليس الوحيد المستفيد من هذه الصفقات. في حين فندت مصادر أخرى خبر حدوث الجريمة في اجتماع عمل مثلما صرحت الداخلية بذلك، مؤكدة أن الفقيد والجاني كانا لوحدهما في المكتب كالعادة بحكم أنه صديقه المقرب وقد حدث بينهما تلاسن إثر تأثر هذا الأخير بخبر قرأه في إحدى الصحف اليومية يتحدث عن تنحيته من منصبه، وهو ربما ما قد يكون أثار حفيظته قبل أن يتوجه لمكتب العقيد علي تونسي ليفعل فعلته. في حين استبعدت كليا فرضية الاعتداء الإرهابي، نظرا للأجواء الأمنية الطبيعية في العاصمة بعد الاعتداء وصعوبة الوصول إلى مقر الأمن الوطني بتلك الطريقة. من جهتها، فضلت الصحافة الفرنسية التي تناولت خبر اغتيال العقيد علي تونسي التزام الرواية الرسمية اعتمادا على بيان وزارة الداخلية، رغم صدور هذا الأخير في وقت متأخر عن ساعة وقوع الحدث. ولم تلتزم الصحافة الفرنسية بالرواية الجزائرية، إلا بعدما يئست من محاولة إيجاد تفسيرات أخرى غير أن ذات الوسائل الإعلامية وعلى رأسها ''لوموند'' لم يفتها تسليط الضوء على الانفراد الذي خصت به وسيلة إعلامية جزائرية تحدثت في عددها ليوم الخميس عن قرار الإقالة الذي اتخذه المجني عليه في حق الجاني لتتخذ الوسائل الإعلامية الفرنسية من بينها ''لوفيفارو'' من مادة المقال حول الفساد منفذا للحديث عن الأجواء التي توفي فيها العقيد علي تونسي بإشارتها إلى العديد من فضائح الفساد التي باتت تفوح روائحها في الجزائر. بينما فضلت ''فرانس ''24 استفسار الأمر لدى ''ايف بوني'' المسؤول السابق للمخابرات الفرنسية، غير أن الأخير لم يتردد في الدعوة إلى التمسك بالرواية الرسمية الجزائرية. أما الصحافة العربية فلم تجد هي الأخرى غير الرواية الجزائرية الرسمية للحديث عن مقتل العقيد، بعدما يئست من محاولة قراءة الحدث بأبعاد وخلفيات أخرى غير تلك التي حملها بيان وزارة الداخلية الصادر يوم وقوع الجريمة. ولم تكتف ذات الوسائل بالحديث عن مقتل تونسي، بل عرجت على الحديث عن دوره في مكافحة الإرهاب خلال تسعينيات القرن الماضي قبل أن يولي اهتمامه لتحديث مؤسسة الشرطة في الجزائر بعدما وضعت فتنة الإرهاب أوزارها. في حين، أثار خبر مصرع المدير العام للأمن الوطني اهتمام كثير من وسائل الإعلام والمواقع الإخبارية الدولية، لكن عدم توفر أغلبها على مراسلين في الجزائر أو في دول الجوار جعل هذه الصحف تكتفي بإعادة نشر برقيات وكالات الأنباء العاملة بالجزائر، إضافة إلى البيانات الرسمية وكذا ما نشرته صحف جزائرية عن الحادث الأليم في غياب رواية رسمية متكاملة عن الحادث. موقع ''فوكس نيو'' الأمريكي نشر خبر مقتل تونسي اعتمادا على برقية لوكالة ''اسوشيتد برس'' الأمريكية التي تملك مراسلا في الجزائر.