كما توقعت ''البلاد'' في عددها ليوم السبت الفارط، فإن قضية محافظة السهوب أو فضيحة 4000 مليار كما سميت إعلاميا، والتي عالجها المجلس القضائي بالجلفة قبل أول أمس في جلسة مطولة تعدت أشغالها سبع ساعات متتالية، ظهرت أنها فضيحة فارغة من أي سند أو أدلة ملموسة، مجرد حشو، في قضية ينطبق عليها قول ''المندبة كبيرة والميت فأر''!. الملف، الذي اعتبر قنبلة الموسم وتم نفخه (لغاية في نفس يعقوب) أو في نفس ''طه'' المحافظ السابق الذي رمى به إلى الرأي العام على أساس أنه الزلزال النووي، عالجه مجلس قضاء الجلفة ليعري تناقضاته وفراغه الكبير، ووفق منهجية عالية المستوى، واحترافية يحسد عليها قضاة المجلس بالإضافة إلى النائب العام المتحكمين في الملف، تمت تعرية الوقائع وتفكيك القضية نقطة نقطة وفاصلة فاصلة واستفهاما استفهاما، لتتمخض ''المندبة'' عن حقيقة واحدة مختزلة في أن ''نيرانا صديقة'' أطلقت باتجاه محافظ أعزل من أجل تصفيته في معركة أدارها ''كبار'' من خلف ستار.. الملف ظهر فارغا بالمعنى الكامل للكلمة، وأكبر دليل على ذلك مرافعة النائب العام لدى مجلس قضاء الجلفة، الأستاذ حركات، الذي ظهر ملما بتفاصيل الملف حينما وصفه بأنه ملف ''العينات'' أي أن التهم في مجملها معتمدة على ''عينات''، فما يقارب 30 ألف اتفاقية أي مشروع، تناولت الخبرتان القضائيتان عشرة ملفات، ومن عشرات وربما مئات من المفروض أنهم معنيون بالقضية ومنهم متهمان، جيء بثلاثة متهمين هم المحافظ السامي قاسمي بلقاسم، والمحافظ الجهوي بالمسيلة، بالإضافة إلى مقاول واحد، في ملف أطلقت عليه تسميات كبيرة بداية من ''هيروشيما'' محافظة السهوب وانتهاء بزلزال الأربعة الآف مليار.. رئيس الجلسة، رفقة مستشارية، أعطوا المتهم الرئيسي الوقت الكافي لكي ينفي تهمتي إبرام صفقات مخالفة للتشريع، بالإضافة إلى تهمة ممارسة المهام بعد نهايتها قانونا. الدكتور قاسمي المتهم الرئيسي جاء محملا بذخيرته من ملفات، ليفند بالدليل أي تبديد أو اختلاس للأموال، وفوق هذا وذاك تحدى أن يأتوه بصفقة واحدة محل شبهة، ليواجه بالأدلة والوثائق المدعمة لموقفه كل الاتهامات، حاله حال المتهمين الآخرين الذين ظهر أنه تم الزج بهما في القضية على أساس مشروع ''بركة'' وهمية، ليظهر أن ''البركة'' إياها موجودة وباعتراف الخبرتين القضائيتين.. المجلس استدعى الخبيرين واستمعا لشرحهما، لكن العرق الذي كان من المفروض أن يتصبب من المتهمين، تصبب من الخبيرين اللذين ظهرا عجزهما عن تفسير ما توصلا إليه، وكذا تبرير الزج بملفات موقعة من طرف المحافظ المدعي، صاحب الشكوى ومنها 45 اتفاقية موقعة من طرف المحافظ حموش طه صاحب الشكوى.. المهم أن الخبيرين رسخا ما كان موجودا من فراغ، فعجزهما وارتباكهما دفعا بالدكتور قاسمي للإشارة إلى أن ما ''عجن'' كان ''بمهماز'' وأن الخبرتين كانتا تحت الطلب أو الضغط والإغراء، وهو ما كشفته وثيقة عن استفادة الخبير مصباح من مشاريع متعددة من طرف المحافظة تزامنا وإجراءه الخبرة. الأهم في شهادة الخبيرين أن كليهما اعترف بأنه قام بالخبرتين بناء على ''قرص مضغوط'' بالنسبة للخبير مصباح. أما الخبير بشار فقد أكد أنه لم يتنقل إلى المواقع محل شكوى والمشكوك فيها، وأنه من مكتبه وعبر الوثائق المتوفرة أعد الخبرة''!... التهم تناثرت أمام مرافعات كل من الأستاذ رئيس نقابة المحامين مناد، والأستاذ قاسمي والأستاذ النقيب شنوفي، بالإضافة إلى الأستاذ جغلول. فالأستاذ مناد ركز في مرافعته على أن القضية برمتها ''كيدية'' وأن جهات كبرى اختلفت فقررت تقديم قرابين الخلاف والصراع بالتضحية بإطار من وزن الدكتور قاسمي في تصفيات شخصية للخصوم. أما الأستاذ قاسمي فمرافعته كانت الأطول، ذهب فيها بعيدا باتهام ''المطابخ'' التي طهت ''وجبة'' غير مكتملة، وجبة من التهم غير الطازجة التي لا تقنع أحدا. في الجهة الأخرى طعن الأستاذ شنوفي في كل التهم بطريقة قانونية، واستغرب كيف يتهم ''شخص'' واحد في قضية قيل إن بها 4000 مليار، وقد ذكّر بأنها سابقة أن يكون هناك متهم واحد ويقصد الدكتور قاسمي في قضية بمعطياتها الحالية لن يقل عدد متهميها عن مائة أو حتى ألف.. ليصل في النهاية إلى أن ''تصفية'' الحسابات ظاهرة في اختيار كبش فداء بعينه.. الأهم هي مداخلة الأستاذ ''جغلول'' الذي ذهب بعيدا في تعرية من يحرك ''الدمى'' من خلف ستار، ويتهم أطرافا لم يسمها بالاسم بأنها وراء ''طهي'' ملف فارغ.. نهاية الأمر فإن محامي الطرف المدني، الأستاذ عبدلاهم، طالب بحفظ طلباته لكونه غير متضرر، وأن الخبرتين لم تتناولا أي تقييم للضرر، الأمر الذي دفع النائب العام إلى وصف القضية برمتها بقضية ''العينات'' أي أنه لا شيء ثابت ليختزل طلبه لهيئة المجلس بفتح تحقيق تكميلي.. ويمكن في الأخير اعتبار ما حدث في قضية محافظة السهوب أن طرفا ما قرر إلصاق تهمة المتاجرة بالهيروين لشخص ما، وذلك بدس كمية منه.. لكن بعد تحليل الكمية المدسوسة ظهر أن حليب ''بودرة''.. يعني هيروين أطفال.. فهل قضية السهوب قضية أصلا بالمنطق الذي ظهرت به في المحاكمة.. وهل هكذا تصفي الدولة إطاراتها وفق منطق ''النيران الصديقة'' التي تزيح من وجد في الوقت والمكان الخطأ؟