تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن مؤشر ممارسة العنف تتغلغل بقوة داخل المجتمع الجزائري جراء التغييرات المتلاحقة في بنيته الاجتماعية من جهة، واصطدام الخلفيات التاريخية بالأسباب الداخلية للمجتمع القائم على توازنات هشة، من جهة أخرى. شهدت العديد من ولايات الوطن خلال الأسابيع القليلة الماضية، موجة عنف رهيبة بسبب انتشار جرائم القتل البشعة وسط الأحياء والمدن، كانت آخرها القضاء على أربعة أفراد بطريقة همجية ووحشية من عائلة واحدة بمدينة الجلفة. ونظرا لتصاعد معدل الجرائم خلال الثلاثي الأول من العام الجاري، توجه العديد من المختصين في الشأن الاجتماعي إلى تحليل الأحداث والوقائع الإجرامية، والبحث عن الأسباب الكامنة وراء تفشي هذه الظاهرة بقوة بين أفراد المجتمع. اعتبر الخبير الاجتماعي، علي سموك، أن ''إشكالية العنف لا تحمل طابعا أكاديميا فقط وإنما سياسيا أيضا، ففيها تتقاطع وتنعكس أكثر المواضيع السياسية حدة في السياسة والاقتصاد والأخلاق والقانون والتاريخ وعلم النفس والموازين العالمية والثورة العلمية والتكنولوجيا''، مشيرا إلى أن فالظاهرة انتشرت في المجتمع الجزائري بسبب حركة التغيير الاجتماعي، وهي تمس مباشرة المصالح الأساسية للفئات، مما يجعلها مرهونة بمصير الأشخاص والمجتمع برمته''. وأكد سموك، أن ''تحليل ظواهر العنف في المجتمع الجزائري الذي أظهر تنوعه الشديد، وطابعه المتعدد الصور، صار أمرا صعبا لتعدد أنماطه، وقد اتضحت ولا شك بالكثير من الأمثلة، حالات من العنف المختلفة، فمنها ماهو مكشوف، حروب، اعتداءات، قتل، قمع وحتى بعض أشكال السيطرة الاقتصادية، ومنها ماهو خفي، على غرار مراقبة الحياة الخاصة''. من جهته، أفاد الدكتور سليمان مظهر، في كتابه ''العنف في المجتمع الجزائري''، أن ''مفهوم العنف مرتبط بخلفيات تاريخية، مرحلة الهيمنة الكولونيالية، وأسباب ثقافية''، مضيفا أنه ''بدل التجديد والإبداع والخلق يعمل المجتمع على إعادة إنتاج عناصره التقليدية ليبقى محافظا على سيرورته''.