شهدت ولاية غليزان في السنين الأخيرة ارتفاعا ملحوظا لموجة العنف تجسدت في توسع رقعة الأعمال الإجرامية التي هزت كبرى المدن والمناطق، وقد عزت العديد من الأوساط العارفة بخلفيات هذا الملف الأمني الخطير إلى عدم التجانس الاجتماعي الذي عرفته مدينة غليزان في أعقاب موجة النزوح الريفي خلال العشرية الحمراء، وتوضح بعض الأرقام الرسمية أن حوالي 85 بالمائة من القضايا الجنائية التي عالجتها المصالح القضائية السنة الفارطة كان أبطالها قصرا لا تتعدى أعمارهم 16 سنة، وهو ما يدلل على خطورة الوضع التي تنظر إليه جميع الجهات المعنية نظرة ريبة وحيرة .... عرفت ولاية غليزان منذ مطلع التسعينيات هجرة نحو الداخل لا تزيد عن 02 من المائة من سكان المنطقة الريفية البالغ عددهم 468 ألف نسمة أي ما يعادل نحو ثلثي النسبة الإجمالية نتيجة موجة الجفاف التي عرفتها. فيما تتوزع النسبة المتبقية حسب المورد الاقتصادي المتوفر والنمط المعيشي الملائم، ومع تغيير مسار الأحداث السياسية الذي رافق العشرية السوداء حيث أفضى ذلك إلى بروز العديد من المؤشرات التي تؤكد خلفيات ظاهرة الإجرام التي نخرت أجزاء واسعة من البنية الاجتماعية بعدما شهدت كبرى مدن ولاية غليزان مثل وادي رهيو، جديوية، عمي موسى، عين طارق، الرمكة، سيدي أمحمد بن عودة، بن داود، وعين الرحمة، بالإضافة إلى عاصمة الولاية العديد من الأعمال الإجرامية التي تجسدت وفق أبشع السيناريوهات. تنامي الإجرام في العديد من المدن حيث أصبح من الواضح أن المناطق الريفية هي المستهدفة، خاصة بعدما تمكنت الجماعات المسلحة من إعادة تشكيل قواعدها مع رسم وتجديد خريطة مراكزها الخلفية المشكلة من جبال الونشريس الممتدة على طول الجهة الجنوبية والجنوبية الشرقية للولاية، فضلا على المناطق الغابية مع الولايات المجاورة "الشلف، تيارت، تيسمسيلت و معسكر " وهو ما كان يعرف بمثلث الموت أو خط النار. فإجراء الجماعات من اختيار استراتجية المكان ما كان سوى خطوة تمهيدية للإعلان عن الهجمات والمداهمات الإجرامية التي حولت المناطق الريفية إلى محميات تشرف عليها سيما منها الجبلية و الغابية، فتحت هوس الخوف وهستيريا الرعب الذي خيم على أهالي الضاحية، وعرفت هذه الأخيرة نزوحا رهيبا نحو الداخل ارتفعت نسبته بتعاقب السنين، ورغم المخططات الإنمائية والتدابير الأمنية استمر النزوح الريفي في اتخاذ المنحنيات التصاعدية، حيث بلغ مستواه سنة 2000 إذ سجل ما يناهز 8152 ما بين كوخ قصديري وبيت فوضوي، كانت نتاج الوضع المتأزم بتأثير العديد من العوامل الاجتماعية، وهي الحالة التي كانت لها تداعيات على المدن الحضرية وشبه الحضرية إذ بلغت درجة كبيرة من الاختناق غير مسبوقة جراء ظاهرة إقامة البيوت القصديرية على وبداخل نسيجها العمراني. حيث تكون الأحداث المأساوية قد مست نحو 201 دوار و 1621 عائلة موزعة على تراب المناطق الريفية المعنية ببرنامج إعادة الاعتمار، أين أرغمتها على التهجير الفردي والجماعي باتجاه مناطق أكثر أمنا واستقرارا، وحسب مصادر عليمة بالملف تكون منطقة " عمي موسى، عين طارق والرمكة "استنفذ هاجس الخوف على مستواها ما يعادل 115 دوار و 216 عائلة منها ما لازمها المسح والدمار لعزلتها ونأيها لعل أكثرها جدلا "السوايح، الحجايل، الخرارب، السحانين،, أولاد أمعمر، أولاد مصطفى، الخدايد، أولاد الطيب، أولاد احمد، أولاد حمادي،, الكحايلية. أولاد إسماعيل، الحجايمية وبوغيدن" وغيرها من دواوير ومداشر الجهة، تشاركها في ذلك ثلاث مناطق أخرى في الضاحية الجنوبية كدائرتي " زمورة و منداس "، هذه الأخيرة التي ظل إقليمها مصدرا أساسيا ساهم بشكل كبير في تسهيل العمل الإجرامي، فترتب عنه استهداف معمري الجهة وهي الحالة التي أذنت إلى نزوح أكثر من 87 دوار و 1304 عائلة، إلى جانب 101 عائلة أخرى كانت تسبح في نسيج البلديات المجاورة "سيدي لزرقو دار بن عبد الله وبني درقن. أدى النزوح الريفي الرهيب الذي شهدته الولاية إلى تعطيل قدرتها على استجابة الاحتياجات المعبر عنها في مختلف جوانب الحياةو سيما ما تعلق منها بالسكن والشغل، فالمسألة متعلقة بالجدل القائم حول الأرقام المذهلة التي أثارتها تراكم الأزمات المتتالية أثبتتها التقارير الدورية للعديد من المصالح والهيآت التي تضمنت ما يشير إلى التصاعد الجنوني لظاهرة التهجير القصري الذي تعرض له عالم الريف، فإلى جانب مديرية التعمير والبناء التي أشارت من خلال التقارير المرفوعة للوزارة الوصية، أن إنشاء البيوت الفوضوية والأكواخ القصديرية قد عرف تناميا ملحوظا على سنة 2000 بعدما كان في حدود 600 ما بين كوخ و بناء عشوائي سنة 1993. ومن الناحية الأخرى، غادر ما يعادل 42 من المائة جلهم متمدرسين مقاعد الدراسة في سن مبكر، اتجهت الشريحة العريضة منهم إلى ممارسة التجارة غير الرسمية، فمن التعليم إلى بيع الأكياس البلاستيكية وما جانسها داخل الأسواق الشعبية، فيما فضل آخرون نصب طاولات لبيع السجائر ونحوها، كما تأكد أن فئة منهم تعرضت للاستغلال من قبل تجار وحرفيين من الذين يعمدون إلى تشغيل الفئة بأسعار زهيدة وخارج الأطر الشرعية لعالم الشغل. هذا إلى جانب ما تعرضت له الهياكل التعليمية والمنشآت العمومية الأخرى من غلق و تخريب جراء إفراغ المنطقة من سكانها حيث، تم إحصاء ما يناهز 107 ما بين مدرسة ابتدائية ومجمع مدرسي أوصدت أبوابها وهي الحالة نفسها التي شهدتها دور وقاعات الصحة العمومية وغيرها. كما سهل نسيج اجتماعهم الهش وبشكل قوي ظهور العديد ومختلف الآفات الاجتماعية نخرت هي بدورها كيان وانسجام المجتمع ككل، لبروز حالات الإجرام بأنواعه كما يسجل السجل القضائي، أن النسبة الغالبة من محترفي الجريمة والمدمنين عليها هي للمنتمين إلى المناطق الفوضوية والعشوائية إلى جانب قاطني الأكواخ القصديرية المتخلفة اجتماعيا وثقافيا على مستوى الولاية كحي " شميريك وسطال، الزراعية، المقبرة المسيحية، الزرقاوي، وادي مناصفا" بغليزان، فضلا على منطقة الشارة بوادي رهيو والشطية بوادي الجمعة وغيرها كثير تسمع منها انبعاث صيحات الجياع وأنين المرضى وشهقات قهر الغلابى، وهي مناطق أصبحت فيما بعد مسرحا للأفعال الاجرمية وتحولت بالتالي إلى مصدر لكل عنف وتفسخ، وفي الشق الآخر فئة القصر هي الأخرى استشعرت أن حضورها لا يحقق التعايش على مستوى تلك الضواحي المحذرة، فركبت أمواج الجريمة، وهو الأمر الذي أكدته المصالح الأمنية، حيث ما تزال تسجل في إحصائياتها من كون 85 من المائة من القضايا الجنائية يقترفها قصر تلك النواحي البائسة. في انتظار ما سوف تسفر عنه الديناميكية التي تدخل في إطار مسار التسوية النهائية لملف عودة الأهالي لمناطقهم الأصلية، يبقى الرهان متعلقا بمبادرة السلطات لإزاحة ما تعتبره العوائل المهجرة معوقات وهي نفسها مبررات قد تحول دون إعادة بعث معالم الثقافة الريفية من جديد، فالسلطات تواصل بحثها عن صيغ أخرى غير التي سبقت من أجل أن تساهم في إزاحة ما استحكم من مضاعفات الشرخ الذي أصاب تماسك وتواصل الجبهة الريفية والمناطق الفوضوية بإزالة البيوت القصديرية والقضاء على الأحياء الفوضوية بتطبيق برنامج رئيس الجمهورية الرامي إلى محو معالم الغبن و الحرمان على سكان الجهة.