لا يختلف اثنان على أن العنف ضد المرأة يشكّل ظاهرة عالمية تتفاوت من مجتمع إلى آخر بحكم الأعراف والتقاليد والأنظمة، والعالم العربي ليس بمنأى عن هذا الإطار، إذ تشير الإحصاءات التي تخرج بين الحين والآخر إلى مدى انتشار الظاهرة في المجتمعات العربية كما هو عليه الحال في العالم الغربي أيضاً. وفي الجزائر يعتبر العنف ضد المرأة من الطابوهات التي تم اقتحامها واتخذت استراتيجيات وطنية تضع حدا لانتشارها بعد أن تعددت مسبباتها في الفترة الأخيرة ليتضح أن الظاهرة تدعو إلى استئصال جذورها. ويبقى التساؤل المطروح هل انعكس مبدأ مساواة المرأة مع الرجل الذي يكرّسه الدستور إيجابا على وضعية المرأة الجزائرية؟ أم أنها لا زالت تعاني من تسلط العنصر الرجالي؟ إن المجتمع الجزائري على غرار المجتمعات العربية، لا تزال تخضع فيه المرأة بشكل مستمر للسيطرة الذكورية، سواء الأب، الأخ أم الزوج، إلى جانب سلطة الأعراف والتقاليد التي تساهم في إذلال المرأة. وبالرغم من تقلدها مناصب عليا في مختلف المجالات واقتحامها لمجالات كانت حكرا على الرجل، إلا أنها تظل في نظر المجتمع مجرد قاصر، عديمة الأهلية، غير قادرة على تقرير مصير حياتها، وأنها خلقت فقط للزواج و إنجاب الأطفال و خدمة الأسرة لا غير. و قد تفننت سلطة التقاليد والأعراف في إهانتها حيث اتخذت من العنف وسيلة لتأديب المرأة باعتبارها طرفا يحتاج إلى التقويم الدائم، لذا تتعرض المرأة بشكل يومي لمختلف أشكال العنف، باعتبارها كائنا من نوع خاص يشكل مصدر العار والفتنة. ونجد أن الرجل تفنن في تطبيق هذه السلطة بدليل أنه يتمادى كثيرا في إحكام سيطرته على المرأة و التصرف في حياتها، بمبرر أنه الوصي عليها و القائم بشؤونها، وبالتالي له الحق في الاعتداء على جسدها بالضرب و التشويه، مستمدا هذه الشرعية من الأعراف و الدين، رغم أنها مجرد اعتقادات خاطئة روجتها بعض التيارات بدليل أنه لا توجد إشارة تؤكد على أن الإسلام نص على العنف ضد المرأة، أو رواية تدل على أن الرسول كان يستعمل العنف ضد بناته أو زوجاته، بل ما ورد عن الرسول ( ص) « ما ضرب رسول الله ( ص) امرأة قط و لا خادما و لا ضرب شيئا.....». ولكن الأمية تفعل ما تريد باعتبارها اّحد الأسباب الرئيسية وخصوصا في بعض الأسر التي لازالت تعتبر أن المرأة خلقت لتكون زوجة و أم فقط، واجبها الأول و الأخير هو إنجاب الأطفال و طاعة الزوج و خدمة الأسرة. نساء ضحايا عنف الأزواج الأمثلة كثيرة ويكفي أن الاعتداءات التي تسجلها مصالح الشرطة ولو أنها في تراجع مستمر بسبب الجهود المبذولة، إلا أن المرأة تدفع الثمن باهظا وينتهي الأمر في الكثير من الأحيان بنهايات مأساوية ، واستنادا إلى تقارير مصالح الأمن خلال السداسي الأول من عام 2006، سجلت 3865 قضية عنف ضد المرأة ، تصدرتها قضايا الاعتداءات الجسدية ب 2497 قضية يليها التحرش الجنسي ب 151 قضية والاعتداء والتحرش الجنسي ب 124 قضية والقتل العمد ب 16 قضية. إلى جانب تورط ما يزيد عن 3 آلاف شخص في تلك القضايا خلال ذات الفترة على رأسهم الأزواج والآباء والإخوة وهو عرف تراجعا بعد أن كان عدد النساء ضحايا العنف خلال 2005، حوالي 7419 امرأة منهن 5179 تعرضن لعنف جسدي و34 للقتل العمدي فيما تعرضت 1753 لسوء المعاملة و176 للتحرش الجنسي. أما في سنة 2009 فأظهرت دراسة حديثة قامت بها الوزارة المكلفة بشؤون الأسرة وقضايا المرأة، أن كل امرأتين من مجموع 10 نساء يتعرضن للعنف داخل الأسرة، وأن 10 بالمائة من النساء الجزائريات يتعرضن إلى عنف جسدي الممارس في أغلب الأحيان من قبل الأزواج وتعتبر النساء المطلقات والأرامل من بين النساء الأكثر عرضة للعنف في الأسرة حيث أن 20 بالمائة منهن يتعرضن إلى الإهانة و5 بالمائة يتعرضن إلى عنف مادي. أما بخصوص عدد النساء ضحايا العنف واللاتي تم استقبالهن من قبل مصالح الشرطة على المستوى الوطني فيقدر ب9 آلاف ضحية عنف بمختلف أشكاله خلال السنة الفارطة، وفيما يتعلق بأنواع العنف الزوجي خلال 12 شهرا الأخيرة ، حل الضغط النفسي في المرتبة الأولى بنسبة 31.3 بالمائة ، في حين جاء العنف اللفظي بنسبة 19.1 بالمائة في المرتبة الثانية أما العنف الجنسي احتل المرتبة الثالثة بنسبة 10.9 بالمائة، وفيما يتعلق بالمؤشر العام لأعمال العنف في الأسرة وأسرة الزوج فيقدر ب17.4 بالمائة كما يحتل العنف اللفظي نسبة 10.8 في الفضاءات العمومية ويليه العنف الجسدي ب4.7 بالمائة. ولو أنها أرقام تبعث على التفاؤل إلا أنها لا تزال إحدى القضايا الشائكة في المجتمع. تصريحات الوزيرة المكلفة بقضايا الأسرة وشؤون المرأة " نوارة سعدية جعفر" التي أدلت بها مؤخرا ، كشفت عن مؤشرات ايجابية نتيجة الجهود المبذولة في هذا الصدد من طرف السلطات وفيما كانت الظاهرة خلال السنوات الماضية تشهد انتشارا واسعا ، بلغت خلال العام الجاري المتوسط من خلال السياسة الوطنية المنتهجة من حيث التشريعات التي تم تبنيها ، لتضع حدا لجبروت العنصر الذكري الذي تفنن في ممارسة تسلطه الديكتاتوري من منطلق " الرجال قوامون على النساء " واهذار كرامة المرأة التي أعطاها إياها الدين الإسلامي. معدل امرأتين من مجموع 10 نساء يتعرضن للعنف داخل الأسرة ، قد يبدو منخفضا مقارنه بالسنوات الفارطة ولكن هناك العديد من حالات العنف التي لا يتم الكشف أو التصريح بها إما بسبب التهديد أو بدعوى المعتقدات والأعراف التي تحكم المجتمع . 91 % من الرجال وراء العنف ضد النساء تعتبر المرأة الضحية الأولى وتتحمل لوحدها الإهانة نتيجة العنف الذي تتعرض له من قبل الزوج، كيف لا وهناك حالات تبعث على الأسى والحسرة بعد أن تجد الزوجة نفسها في إحدى المراكز مطرودة من المنزل دون رحمة أو شفقة. "حورية" هي عينة حية عن أبشع أنواع العنف الأسري في الجزائر، هذه الأخيرة تحملت ضرب زوجها لها أمام أطفالها طيلة 5 سنوات، قبل أن يلقي بها في الشارع. ورفضت عائلتها استقبالها لتصبح بلا مآوى، ففضلت الانتقال إلى مركز للنساء بالعاصمة. ولم تتوقف مأساة " حورية " عند هدا الحد ، فبعد استعادتها حضانة أطفالها التي خسرتها لبعض الوقت، اكتشفت أن صغارها كانوا ضحايا لاعتداءات وحشية من طرف الزوج الذي انتقلت وحشيته إلى الأبناء الذين كانوا يتلقون أبشع صور المعاملة تصل إلى درجة الضرب المبرح مستخدما بعض الأحيان وسائل قاسية . وعلى الرغم من أن هذه الضحية تقدمت بشكوى ضد العنف الذي تتعرض له من قبل زوجها، ومحاولة إعادتها إلى منزلها ذاقت أبشع أنواع الضرب مرة أخرى على يد الزوج، وهو ضابط في الشرطة سرعان ما تهرب من جديد إلى المركز الذي وجدت فيه المأوى الحقيقي بعد أن انعدمت صور الأمان إلى جانب الزوج . والملفت في الأمر أن الرجل لوحده من يتسبب في هذا الوضع المأساوي حيث توصلت دراسة أجرتها الشبكة الجزائرية لمراكز الاستماع للنساء ضحايا العنف وشملت 150 حالة عنف ممارس ضد المرأة ، إلى أن 91 % من الرجال يقفون وراء العنف ضد النساء. وأشارت الدراسة إلى أن 68 % من النساء ضحايا العنف تتراوح أعمارهن ما بين 25 و44 عاما، وأن ثلثين منهن متزوجات و12 % مطلقات و23 % عازبات وعاطلات عن العمل. إن الذهنيات السائدة في المجتمع الجزائري جعلت من الرجل يرسم لنفسه مكانة خاصة على حساب المرأة التي تتعرض لشتى أنواع العذاب والمآسي لأنها بكل بسلطة تبقى ذلك المخلوق الذي عليه المشورة في كل أمر وفي كل صغيرة وكبيرة، وما لا يختلف عليه اثنان، أنه رغم المكانة التي تحظى بها المرأة الجزائرية وما تلعبه من خلال حضورها الذي يضاهي نظيرها الرجل في العديد من المجالات بحكم المساواة التي تتمتع بها في إطار الدستور ، إلا أن الكثيرات يتعرضن لأبشع المعاملات سواء من قبل الأزواج والتي تحتل الرتبة الأولى ناهيك عن العنف الذي تتعرض له من أطراف أخرى . صحيح أن الظاهرة تشهد تراجعا ولكن الحالات اليومية التي تتناولها الصحافة الوطنية تنسيك أن هناك مستوى الوعي من قبل البعض الذين فضلوا اقتراف الظلم في حق عماد المجتمع وفي حق امرأة لا حول لها ولا قوة أمام جبروت الرجل . اتّحاد عالمي لوقف العنف ضد المرأة "علينا أن نتّحد، إذ ليس بوسع أي قائد سياسي أو أي حكومة التسامح مع العنف ضد المرأة مهما كان شكله أو سياقه، أو ظروفه"..هي صرخة أطلقها السكرتير العام للأمم المتحدة "بان كي مون " في فيفري 2008، متخذا إياها شعاراً لحملته "اتحدوا" من أجل منع ارتكاب العنف ضد المرأة أو الفتاة، واستئصاله من جميع أنحاء العالم. ووفق حملة "اتحدوا" الأممية، فإن حكومات العالم ومختلف هيئات المجتمع المدني مدعوة كلها للعمل معاً والتصدي لظاهرة العنف ضد المرأة في العالم، وتطبيق خمسة أهداف الحملة بحلول العام 2015. وهو التاريخ المحدد لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية، بما يمنع العنف المتجذر اجتماعياً. وعاد " بان كي مون" ليجدد مرة أخرى دعوته الملحة للمجتمع الدولي كي يقف صفا واحدا ويمارس جهدا أكبر لوضع حد للعنف ضد النساء. حيث ذكر في وقت سابق من العام الجاري بمناسبة اليوم العالمي للمرأة "إن العنف الذي يمارس ضد النساء لا يجوز التساهل حياله، بأي شكل من الأشكال، وفي أي سياق وتحت أية ظروف، من قبل أي زعيم سياسي وأي حكومة ووقت التغيير هو الوقت الحالي". وحث الأمين العام للأمم المتحدة جميع القادة السياسيين والمجتمعات على الوقوف صفا واحدا في معالجة هذه المشكلة من خلال تعزيز القوانين وتمكين النساء والفتيات، وتقديم الدعم المالي للبرامج الهادفة إلى وضع حد للعنف، ومعاقبة الجناة وتبديل وجهات نظر المجتمعات حيال النساء. جاء ذلك النداء العالمي بعد أن ارتفعت معدلات العنف الذي تتعرض له النساء عبر بقاع العالم المختلفة والتي تتعرض لأبشع أشكال العذاب وهو ما أكدته الأرقام التي تنبئ بخطر استفحال الظاهرة إن لم تتخذ إجراءات سريعة في سبيل استئصالها ، حيث أشارت إحصائية صدرت حديثاً عن الأممالمتحدة ، إلى أن ثلث نساء العالم بشكل عام يتعرضن للعنف بكافة أشكاله، وعلى رأسها الضرب المبرح الذي تحتاج آثاره إلى فترة زمنية طويلة حتى تزول، كما أن 40% من جرائم قتل النساء يرتكبها أزواجهن أو أصدقاء قدامى أو أي أحد من محيط أسرهن. وحسب نفس الإحصائية فإن نسبة العنف ضد النساء تجاوزت الخط الأحمر في كل من أستراليا وإسرائيل وجنوب إفريقيا وكندا والولايات المتحدة، حيث تشير الإحصائيات إلى أن حوالي 70% من جرائم قتل النساء في هذه الدول ارتكبها أزواجهن. أما في بريطانيا فتتعرض حوالي نصف مليون امرأة للعنف سنوياً. وفي الدول العربية وبحكم الأعراف والتقاليد ، فإن النساء اللائي يتعرضن للعنف يجبرن على البقاء في أوضاع مسيئة لأنهن لا يجدن مكاناً آخر يذهبن إليه، ولم تحصل أي واحدة منهن على أي شكل من أشكال الإنصاف، كما لم تتلق أي منهن إغاثة فورية بل يتركن فريسة للمعاناة. ففي مصر صاحبة المركز الأول في ممارسة العنف ضد المرأة وخصوصا المتمثل في ختان المرأة ، تتصدر مصر المركز الأول على المستوى العالمي من حيث النساء المختونات ناهيك عن حالات العنف الجسدي والنفسي والتحرش الجنسي، وتشير الأرقام إلى أن 83% من المصريات و98% من الأجنبيات المقيمات في مصر يشتكين من تعرضهن للتحرش الجنسي. وأن 12% من اللواتي أبلغن عن تعرضهن للتحرش وافقن على تقديم شكوى للشرطة. أما في سوريا فإن عدد الجرائم التي ترتكب سنوياً ضد النساء تقدر ما بين 200 و300 جريمة، يقع معظمها في المجتمعات الريفية أو البدوية بحجة "الدفاع عن الشرف". وفي فلسطين والعراق تزداد معاناة المرأة من العنف بسبب الحروب الدائرة هناك، حيث يشير تقرير البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة إلى أن المرأة هي أكثر من يعاني تحت وطأة الاحتلال الأجنبي، إذ تنال في ظل هذه الظروف نصيباً مزدوجاً من الانتهاكات الجسيمة. وتأتي إحصائيات أخرى لتؤكد أن الجزائر هي واحدة من الدول التي لا زالت تتعرض فيها المرأة للإهانة على الرغم من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة في الآونة الأخيرة بما فيها تكريس مبدأ المساواة مع الرجل في جميع المجالات ، لكن لازالت 20 بالمائة منهن يتعرضن إلى الإهانة و5 بالمائة يتعرضن إلى العنف المادي. فمتى نودع هذا الوضع المأساوي الذي بات واحدا من بين المشاكل التي تؤدي إلى تشتت الأسرة الجزائرية ؟