محبوه يلقبونه برجل الدولة المثقف في كل استحقاق رئاسي بالجزائر، نسمع عن مرشحين محتملين لخوض غمار الانتخابات الرئاسية، كما نسمع عن مرشحين من الوزن الثقيل، ظلت أسماؤهم تتردد على مسامع الجزائريين طيلة عشرية كاملة، بشكل يوحي دائما بأنّه "المرشح الجاهز والأوفر والأكثر حظا" للتربع على عرش قصر المرادية. هذا هو حال رئيس الحكومة الأسبق، علي بن فليس، الذي منذ خسر المنافسة أمام عبد العزيز بوتفليقة سنة 2004، ورغم التزامه الصمت المطبق، واختفائه عن الساحة الإعلامية والسياسية لمدة قاربت 10 سنوات، إلاّ أنّ اسمه لم يفارق توقعات المراقبين ولا تحليلات المحللين، التي كانت تصب جميعها في سيناريو واحد يدفع دائما باسم علي بن فليس للواجهة ك "مرشح احتياطي" ينتظر بزوغ شمس رئاسيات تمهّد له الطريق نحو المرادية. مقربون من الرجل، سبق وأن أكّدوا أنّ علي بن فليس الذي غامر بورقته السياسية سنة 2004، وترشح ضد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي طلب آنذاك عهدة ثانية، لن يقدم على سيناريو مماثل في رئاسيات يكون فيها الرئيس بوتفليقة طرفا فاعلا فيها، ولعل تراجع حظوظ العهدة الرابعة، التي كانت لوقت قريب حاجزا منيعا أمام كل سياسي ينوي الترشح للانتخابات الرئاسية المرتقبة ربيع 2014، خاصة تلك الرجالات المحسوبة بشكل أو بآخر على السلطة، ممن شغلوا في السابق مناصب رفيعة في مؤسسات الدولة، تسرّع من حظوظ الرجل وتدفع به نحو تكرار مغامرة الرئاسيات، .. ولكن في هذه المرة كمرشح بارز بنفوذ كبير، قد لا يجد له منافسا شرسا مثلما حدث له في تجربة 2004 التي كان فيها فارسا رابحا في نظر المراقبين قبل أن تختل في آخر لحظة موازين النجاح لصالح المرشح الفائز عبد العزيز بوتفليقة. اختفاء بن فليس عن المشهد السياسي والإعلامي لمدة قاربت 10 سنوات، واقتصار ظهور الرجل على ما يسميه البعض "دبلوماسية الجنائز الرسمية" وبعض المناسبات الخاصة جدا، ينظر إليه مراقبون على أنّه حافز أمامه ومؤشر على تحضير الرجل لنفسه لتولي مهام رفيعة في المستقبل، متجنبا بذلك الدخول في نقاشات ومهاترات سياسية، وأخذ ورد إعلامي، قد ينجر عن كل ذلك تضييع فرصة "دعم" أو "مساندة" أو "كسب ثقة" في موقف مهم كالانتخابات الرئاسية. إذن، تكاد تتفق تحليلات ورؤى المراقبين للشأن السياسي، على أنّ الطريق ممهد أمام بن فليس ليكون المرشح الأبرز والأكثر حظا في رئاسيات 2014، في حالة غياب الرئيس بوتفليقة عن هذا الاستحقاق. ولعل إبداء رغبة الترشح لا تكفي في الجزائر لعبور البساط الأحمر نحو قصر المرادية، فتقاليد الانتخابات الرئاسية في الجزائر تتطلب توفر جملة من المؤشرات للإجابة على التساؤل الذي بات اليوم العديد من الجزائريين يطرحونه: "من هو المرشح الأقرب لخلافة بوتفليقة؟" ضمن المرشحين المطروحين في الساحة حاليا والذين يتواجد بن فليس في مقدمتهم. بن فليس، عكس غيره من المرشحين المحتملين لرئاسيات 2014، يتمتع بجملة من الصفات التي يفتقر إليها منافسوه المحتملون، فمن جهة، بن فليس كان مرشحا مدعوما من كتلة لا بأس بها في هرم السلطة في رئاسيات 2004، وقد تكون هذه الكتلة لا تزال تحافظ على تماسكها وقوتها في السلطة فتكون ركيزة يرتكز عليها الرجل، بل قد تكون هذه الكتلة قد تمددت واكتسبت قوة تأثير أكبر مما كانت عليه في 2004، وبالشكل الذي يجعل لكلمتها صوتا مسموعا. أما سياسيا، فلا شكّ في أنّ بن فليس سيستفيد بشكل كبير من الوضع الحالي لحزب "الأفلان"، فالرجل كان أمينه العام سابقا، ويتمتع لغاية اليوم بنفوذ كبير داخل دوائره وبين مناضليه، ويستشف من تنحية عبد العزيز بلخادم الذي خلفه في منصب الأمانة العامة بعد حركة تصحيحية شهدها الحزب في 2004، تمهيدا لعودة الوجوه المحسوبة على بن فليس للسيطرة مجددا على مفاصل الأفلان، ما من شأنّه أن يفرش الأرض أمام مرشح الحزب الذي لن يكون إلاّ علي بن فليس. أما شعبيا، فلا يكاد يغيب عن الجزائريين اسم مثل علي بن فليس، كما أنّ الرجل لم يُعرف عنه سابقا تورطه في شبهات فساد، ما من شأنّه أن يسهّل عملية التسويق الشعبي، بل وقد يكون تسويق اسمه شعبيا أسهل خطوة من خطوات الوصول لقصر المرادية، بل ومعروف عن الرجل بعض المواقف المميزة التي أكسبته شعبية كبيرة، منها موقفه كوزير للعدل من مسألة فتح المحتشدات في الصحراء لمناضلي الحزب المحل جبهة الإنقاذ الإسلامية، واستقالته من منصبه احتجاجا على هذه الإجراءات. وباعتبار أنّ بن فليس ابن شهيد، فمن دون شك سيحظى بمؤازرة قوية من طرف الأسرة الثورية، بل وبدأت بعض تنظيمات أبناء الشهداء في خطوات استباقية لدعم "المرشح علي بن فليس"، إضافة لذلك، فإنّ بن فليس يحمل صورة "رجل الدولة المثقف"، فهو محامي وقانوني وله مسيرة طويلة وخبرة كبيرة في مجال الإدارة والسياسة نظرا لمختلف المناصب التي تولاها على مدار السنوات الماضية. فضلا عن أنّه شخصية بإمكانها أن تحظى بقبول لدى المعارضة، خاصة وأن أحزابا وشخصيات معارضة دعمت بن فليس في رئاسيات 2004.