تبدي القوات الفرنسية في مالي حرصا منقطع النظير على الاحتفاظ بقاعدة تيساليت العسكرية في شمال مالي، ربما كغنيمة حرب بعد عملية "سرفال" الأخيرة التي شنتها ضد الجماعات الإسلامية المسلحة. ويُبرز ذلك جليا، أن مهمة فرنسا في مالي لم تكن مؤقتة كما ادعت ذلك في بداية العملية العسكرية، حيث لم يكن ذلك سوى محاولة لخلق الذرائع والمبررات لتدخل عسكري يكرس وجودها الدائم في هذه المنطقة الاستراتيجية. وأكدت صحيفة "ليكبرس" الفرنسية، أن القوات الفرنسية لن تغادر مالي عقب العملية العسكرية الأخيرة، حيث ستعمل على تركيز وجودها في قاعدة تيساليت الجوية الاستراتيجية بالقرب من الحدود الجزائرية، وهي القاعدة التي أبرزت الصحيفة أنها كانت ملكا للقوات الفرنسية إبان الفترة الاستعمارية، ثم فقدتها بعد ذلك واستماتت في محاولة استردادها لكن دون جدوى. وبعد التدخل الفرنسي الأخير في مالي، استولت القوات الفرنسية مجددا على القاعدة العسكرية، وقررت الاحتفاظ بها بمبرر "حماية مالي من عودة الخطر الإرهابي". وحسب الصحيفة، فإن قاعدة تيساليت التي تبعد عن الحدود الجزائرية ب 90 كلم فقط، تم بناؤها بين سنتي 1957 و1959، من أجل مراقبة تحركات عناصر جيش التحرير الوطني أثناء حرب الجزائر التحريرية، لأن الكثير منهم كان ينفذ هجمات على القوات الفرنسية انطلاقا من الأراضي المالية، وقد تم في جوان 1961 إخراج القوات الفرنسية من القاعدة، لتصبح "منطقة محرمة" تخضع للسلطات المالية. وخلال العشرية التي تلت خروجهم من القاعدة، حاول الفرنسيون جاهدين مفاوضة الماليين لاستعادتها لكن دون جدوى، ودخل المنافس الأمريكي في المنطقة على الخط في عشرية الثمانينات، لإقامة قاعدة دائمة توجه لرصد الخطر الليبي الذي كان يمثله آنذاك العقيد القذافي على المصالح الأمريكية. لكن المعادلة انقلبت تماما في ربيع 2012، حين استولت جماعات إسلامية مسلحة على شمال مالي بالطول والعرض، فقررت باماكو الاستنجاد بالقوات الفرنسية لتحرير هذا الجزء من بلادها، وتم استرداد القاعدة الجوية الاستراتيجية من بين مخالب الجماعات المسلحة في 7 فيفري الماضي، لتجد القوات الفرنسية نفسها من جديد مسيطرة على القاعدة العسكرية التي سعت طويلا لاستعادتها. لهذه الأسباب، تؤكد "ليكبريس" نقلا عن مصادر من وزارة الدفاع، أن القوات الفرنسية لا تعتزم البقاء في مالي حيث لن يبق أكثر من 1000 جندي مع نهاية العام، إلا أن الاحتفاظ بمراقبة جبال "إيفوغاس" أين يتحصن بقايا الجهاديين في مالي لا يزال قيد الدراسة، ما يعني عمليا أن القوات الفرنسية لا تنوي مغادرة القاعدة الجوية تيساليت التي لا يمكن من دونها بسط السيطرة على هذه الجبال التي تبعد عنها ب 20 دقيقة فقط. ويقول "ميشال قويا" مدير معهد البحوث الاستراتيجية في الكلية الحربية "إيرسام"، إن مكافحة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وحلفائها سيتطلب عدة سنوات، وستكون الدول المجاورة لمالي مسرحا لهذه العمليات، وهذا ما يبرر حسبه الاحتفاظ ب"تيساليت" لاستخدامها في التدخلات الاستعجالية. بيد أن ما يعقد مهمة الفرنسيين في الاحتفاظ ب"تيساليت"، حسب الصحيفة، هو التحفظ الجزائري على وجود القوات الفرنسية على بعد كيلومترات قليلة من حدودها، وهو وجود يعني الكثير للجزائريين المتوجسين دائما من الدور الفرنسي في المنطقة، إلى جانب نظرة بعض الماليين من سكان الشمال إلى القوات الفرنسية على أنها قوات احتلال، ما قد يعقّد من مهمة الحكومة المالية القادمة في مفاوضاتها مع الجانب الفرنسي، خاصة أن العلاقات بين طوارق الشمال والحاكمين الفعليين في جنوب مالي متوترة منذ سنوات.