إصدار مجلس قضاء الجزائر مذكرة توقيف ضد وزير الطاقة والمناجم الأسبق شكيب خليل، وأفراد من عائلته إضافة الى الوسيط فريد بجاوي الذي يعتبر يده اليمنى في ربط الاتصالات مع المسؤولين الكبار في الشركات الأجنبية، يمثل منعطفا كبيرا وحاسما في تطور القضية التي حملت اسم فضيحة سونطراك 2، والتي تابعها الجزائريون عبر الصحف منذ نهاية السنة الماضية، عندما انفجرت الفضيحة المدوية في أكبر شركة جزائرية وانكشاف طريقة التسيير المبنية من يدفع رشاوى أكثر يحصل على مشاريع بملايير الدولارات دون المرور على التنظيمات القانونية والتنافسية التي تستوجبها. بداية القضية.. حقيبة محجوزة بداية انكشاف خيوط القضية كانت في شهر ديسمبر من السنة الماضية حين تم الكشف عن أولى فصول الفضيحة الكبيرة، شركة سايبام التي تنتمي الى مجموعة إيني الإيطالية، ففي محاولة تمويه الأموال الموجهة لإرشاء المسؤولين النافذين في قطاع الطاقة الجزائري، كشفت تحقيقات الادعاء العام في إيطاليا أن جزءا كبيرا من الرشاوى التي دفعها مسؤولو شركة "إيني" وفرعها "سايبام" لمسؤولين في سوناطراك، عادت في شكل أصول إلى بنوك إيطالية بعدما مرت عبر شركة وساطة في دبي، ثم هونغ كونغ ثم حسابات سرية في بنوك بسويسرا وأخيرا إيطاليا. ومما تسرب من المحققين لدى الادعاء العام في محكمة ميلانو شمال إيطاليا، وأوردته وسائل إعلام إيطالية، فإن هذه المبالغ العائدة إلى إيطاليا تم الاتفاق بشأنها بين مسؤولين في "سايبام" هما أليساندرو فيرنيني، المدير المالي السابق ل"إيني" وبييترو فاروني، مدير الهندسة في "سايبام"، والوسيط بجاوي، وهذا خلال اجتماع في فندق "بولغاور" بمدينة ميلانو شمال إيطاليا، وتم تسلمها على 7 دفعات متتالية. وأكد المحققون حصولهم على دلائل مادية حول هذه العمليات المشبوهة التي استفاد من خلالها مسؤولون من مجمع "إيني" و"سايبام" من مبالغ مالية في شكل رشاوى عائدة إلى البلد، كمكافأة إضافية من المرتشين في سوناطراك لهذين المسؤولين في مجمع "إيني" وشركة "سايبام". لكن الشرطة الإيطالية كانت بالمرصاد للحقيبة من نوع "لويس فويتون" حملت مبلغ الرشوة، حيث احتجزتها في بآخر محطة في سكة قطار روما، لتكون بداية قصة الفساد التي هزت الشارع الجزائري، خصوصا أنها تتعلق بالنشاط الذي تجني البلاد 97 بالمائة من مداخيلها. أيام من بعد تخرج علينا تفاصيل جديدة كيف كان خليل ووسيطه في الفساد فريد بجاوي يجتمع مع شركائه في أفخم الفنادق والمطاعم الأوروبية للتفاوض حول مبلغ العمولات التي يأخذها عن كل صفقة ضخمة يعطيها للشركة الإيطالية التي كانت دفعتها شهيتها للأرباح الطائلة الى الدوس على كل القوانين والأخلاقيات مستغلة قابلية المسؤولين الجزائريين للشراء مقابل 198 مليون دولار. الفساد يعبر المحيط الأطلسي بينما كان الجزائريون يكتشفون تفصيل جديدة عن الشق الأول من فضيحة سونطراك 2، حتى بدأت حلقة أخرى منها، بقيت البطولة في الطرف الجزائري تتمحور حول شكيب خليل وفريد بجاوي، لكن في الجانب الراشي ليس إيطاليا هذه المرة، حيث كان شركة "أس أن سي لافالين" الكندية التي انتهجت خطة نظيرتها سايبام الإيطالية، فقامت بتوظيف فريد بجاوي في منصب وسيط، حتى تتمكن من الحصول على عقود مع سوناطراك، ويكون فريد بجاوي قد تحصل على رشاو على شكل عمولات تقارب قيمتها 200 مليون دولار. وفي الفترة بين 2000 و2009 تحصلت الشركة على مشاريع بقيمة 6 مليارات دولار، تنوعت في مجالات الهندسة والإنشاءات التي تهدف الى تطوير البنية التحتية لمراكز استخراج وإنتاج البترول والغاز في الصحراء الجزائرية، من بينها أنابيب، وقرى لإقامة العمال، حيث لوظ تطور كبير في رقم عمل الشركة خلال العشرية الأخيرة، رغم تواجدها منذ عقود في الجزائر. في ميلانو... بداية الحساب بداية المتابعة القضائية في قضية الفساد الشهيرة كانت من طرف محكمة ميلانو بعدما قرر مجلس إدارة شركة "سايبام" الإيطالية الذي حاول إنقاذ ما تبقى من ماء وجهه، إحالة ملف الفساد الدولي الخاص بدفع رشاوى إلى مسؤولين في سوناطراك، على المحاكمة، حيث مثل عدد من إطارات ومديري الشركة وبعض الموردين أمام محكمة ميلانو. وجاء قرار مجلس إدارة الشركة بإحالة قضية "سايبام سوناطراك" إلى المحاكمة بعد عملية تحقيق داخلي ودراسة معمقة من طرف خبراء إيطاليين وأجانب، لعدد من العقود التي أبرمتها الشركة تخص جملة من المشاريع بالجزائر، حيث أشار بيان مجلس إدارة الشركة على موقعها الرسمي في شبكة الأنترنت، إلى أن التحقيق الداخلي تطرق إلى عمليات وساطة وسمسرة في عقود صفقات أبرمت مع الطرف الجزائري. واستند التحقيق الداخلي، حسب بيان الشركة الواقع مقرها ب "سان دوناتوميلانيزي" بميلانو، إلى عملية فحص وتدقيق لوثائق ومقابلات مع عديد موظفي الشركة وموظفين بالشركة الأم مجمع "إيني"، وأضاف البيان: "على ما يبدو أن هؤلاء الموظفين قد تورطوا في إبرام صفقات مع سوناطراك الجزائرية بعلم من شركة إدارة شركة سايبام". تقارير الفساد تنذر القضاء بالتحرك جاء تقرير اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان هذه السنة بصيغة واضحة جدا في اشارتها الى حالة الفساد التي باتت تنخر الاقتصاد الوطني، على ضوء فضائح الفساد التي تنفجرت في الآونة الأخيرة، حيث كانت فضيحة سونطراك 2 هي الأكبر والأكثر وقعا. حيث وصف رئيس اللجنة فاروق وصف قسنطيني وضعية الفساد في الجزائر بالخطيرة جدا، وأنها تهدد الاقتصاد الوطني، الذي نخره انعدام الشفافية في مختلف التعاملات والصفقات، وتسيء إلى سمعة الجزائر دوليا، قائلا إن "الفساد مقلق جدا في الجزائر وبلغ حدودا لا يمكن تحملها". ودق رئيس اللجنة الاستشارية التابعة لرئاسة الجمهورية ناقوس الخطر من حالة الفساد التي استشرت في القطاع العمومي، الذي أصبحت معظم الصفقات التي تجرى فيه مرتبطة بانعدام الشفافية، داعيا الى "مكافحة هذه الظاهرة التي تنخر خاصة القطاع الاقتصادي العمومي. ففي كل مناقصة مهمة هناك أشخاص يخالفون القانون، وهذا يسيء إلى صورة الجزائر". وأكد قسنطيني أن التقرير الذي هو بين يدي الرئيس حاليا، تضمن خلاصات واقتراحات تتمثل أساسا في تشديد القوانين لمكافحة الفساد الذي سمح للفاسدين "بجمع ثروات لشراء ممتلكات في الخارج". وتوقع العديد من الأطراف آنذاك أن تلقي المعطيات الخطيرة التي وردت في تقرير الفاسد الذي أصدرته اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان واقتراحاتها بتشديد إجراءات مكافحة الفساد بتأثيراتها على سير مجريات التحقيق والمتابعة بحق المتهمين في الفضائح المالية التي انفجرت في الآونة الأخيرة، خصوصا أن الرئيس بوتفليقة، وهو الجهة التي تتلقى تقاريرها الدورية، أكد في العديد من الرسائل التي وجهها عقب انفجار فضائح الفساد على حزم الدولة في التعامل مع الفاسدين، وهو أهم المطالب التي نادت بها لجنة قسنطيني لمكافحة هذا المرض الذي أصاب مفاصل الاقتصاد الوطني. القضاء يقوم بالخطوة المطلوبة... لكن ماذا بعد؟ بإعلان مجلس قضاء الجزائر إصدار 9 مذكرات توقيف في حق شكيب خليل وزوجته وابنيه إضافة إلى الوسيط فريد بجاوي، يكون القضاء الجزائري قد قام بالخطوة المنتظرة منه منذ تفجر القضية، خصوصا أن خليل كان يزور الجزائر من حين لآخر من دون أي يحقق معه في الاتهمات المثارة ضده في الإعلام الوطني والعالمي. لكن الإعلان عن توقيفه وحجز ممتلكاته هو وأفراد وعائلته والوسيط الذي استعمله في الوصول الى مسؤولي الشركات الأجنبية المتورطة معه في قضايا الفساد، سيفتح الباب أمام اسئلة أخرى مآل هذا الإجراء، اذ يتساءل الجزائريون عما اذا كانوا سيرون شكيب خليل وكل المتورطين معه أمام القضاء الجزائري، الذي سينظر في القضية التي شغلتهم. مبدئيا الجزائر لها الحق طلبه من أي دولة يتواجد بها خصوصا إذا كانت تربطها معها اتفاقية تبادل المجرمين، أو من الشرطة الدولية "الانتربول" التي هي عضوة فيها. لكن هناك من يخشى كون خليل سيفلت من القضاء الجزائري ولجوئه الى دولة أجنبية مثلما فعل المتهم الرئيسي في قضية عبد المومن خليفة، الذي لا يزال بعيد المنال عن أيدي القضاء الجزائر، بعدما منحته بريطانيا اللجوء، ورفضها كل المساعي الجزائرية الرامية لاسترجاعه وتقديمه للمحاكمة، خصوصا أنه يحمل الجنسية الأمريكية وهو ما يمكن أن يشكل عائقا في تقديمه للعدالة الجزائرية.