- انعدام الثقة يجعل الجالية الجزائرية لا تلتقي ببعضها في بريطانيا يتحدث الروائي والمترجم المغترب في بريطانيا مولود بن زادي في هذا الحوار، عن سمات أدب المهجر وعلاقة الأدباء والمثقفين الجزائريين ببعضهم في "بلاد الضباب"، ويتوقف عند مجموعة من الأخطاء التي يقول إن الروائية أحلام مستغانمي ارتكبتها في روايتها الأخيرة "الأسود يليق بك"، واصفا إياها ب"الفادحة". - كيف تتحدث عنك ككاتب؟ مولود بن زادي مترجم وكاتب جزائري مقيم في المملكة المتحدة وعضو عامل في "اتحاد الكتاب الجزائريين" وانتقلت إلى بريطانيا بعد التخرج من معهد الترجمة بالعاصمة سنة 1991 وأكتب باللغة العربية ومؤخرا بدأت أكتب بالإنجليزية، وكتبت أول رواية أسميتها "عبرات وعبر" موضوعها اجتماعي درامي مقتبس عن قصة واقعية هي أمي "خديجة" التي كانت تعاني من جملة من الأمراض.. هي رواية امتدت عبر فترة زمنية تبدأ من الخمسينات إلى غاية 2008، وهي السنة التي توفيت فيها "خديجة". وأرجح أن يقرأها أي مخرج ويصنع منها فيلما سينمائيا لأنني أجزم بأنها ستثير اهتمام المشاهد الجزائري بالنظر إلى أفكارها وأحداثها المرتبطة بالثورة التحريرية. - لماذا قررت أن تهاجر إلى بريطانيا؟ إذا كانت الطيور تهاجر من أوكارها بحثا عن الحياة.. فكيف لنا نحن البشر ألا نفعل هذا.. لقد انتقلت إلى بريطانيا بغية الدراسة والعمل والبحث عن حياة أفضل واكتساب التجارب الجديدة في بلاد مختلفة عن الجزائر اختلافا جذريا من حيث العقيدة واللغة. - وهل وجدت ضالتك في المهجر؟ " يبتسم".. نعم لا.. دعيني أوضح أولا لماذا نعم.. ثمة الكثير من الإيجابيات في البلدان الغربية وهو الأمر الذي لا يمكن إنكاره وأتحدث هنا عن فرص العمل والدراسة والحرية بمفهومها الواسع والعام.. أنا في وطني قد لا أعبر بحرية خاصة عندما تكون روايتي عاطفية فقد أصطدم بالعادات والتقاليد أنا شخص أميل إلى التحرر. - وهل هذه إحدى سمات أدب المهجر؟ من المعروف عن أدباء الهجر منذ أواخر القرن ال19 عندما هاجروا وأذكر منهم إيليا أبو ماضي وجبران خليل جبران.. كانت هناك نزعة تحررية وأعتقد أنها سمة من سمات الأدب المهجري. - هل هناك تواصل بين أدباء المهجر حاليا؟ الحياة في بريطانيا تختلف عنها في فرنسا مثلا.. فهناك جو مختلف وتعايش بين الجزائريين أما في بريطانيا لا يوجد هذا الاختلاط والتعايش بين الجالية الجزائرية.. نحن منفصلون عن بعضنا البعض والاتصالات بيننا محدودة جدا وذلك لانعدام الثقة بيننا والاختلاف في طريقة التفكير بين محافظ ومتحرر وعوامل أخرى ترتبط بسرعة الحياة في لندن.. وإن كنا جميعنا نشترك في حنينا إلى الوطن، وإلى جانب هذا أنه لا توجد جمعيات ثقافية أو منظمات من شأنها أن تجمع شمل المثقفين الجزائريين في بريطانيا. - كيف هي صورة المثقف الجزائري خارج وطنه؟ للأسف الغربي ينظر إلى العربي أو الجزائري أو المسلم نظرة "سيئة" لأسباب من بينها هذه الأحداث التي تحصل، وأقصد هنا العمليات الإرهابية التي تقع هنا وهناك في الوطن العربي.. فإذا كان مسلم وراءها فإنهم يشيرون بأصابع الاتهام إلى كل العرب والمسلمين، ناهيك عن تأثير وسائل الإعلام في بريطانيا.. وأعطيك مثالا.. إذا حدثت جريمة قتل يقوم بها إنجليزي فوسيلة الإعلام لا تهتم بها، أما إذا كان القاتل عربي أو جزائري فتثار حولها زوابع. - لديك بعض التحفظات على رواية "الأسود يليق بك" لأحلام مستغانمي.. هل لك أن توضح لنا ما هي؟ أنا لي بعض التحفظات على بعض الأخطاء اللغوية التي وردت في روايتها الأخيرة وحتى في الأسطر الأولى، ومع كل احترامي للكاتبة مستغانمي، فإن تلك الأخطاء اللغوية فادحة ولا تغتفر مثلا هي تقول في إحدى أسطر الرواية "استخوذ بي" والأصح هو "استحوذ على"، بالإضافة إلى أخطاء أخرى كثيرة من هذا القبيل.. وأتصور أنه يفترض بالكاتب أن يكون نموذجا للدقة؛ فإذا نظرنا إلى الروايات الأوروبية نجدها منقحة ومراعى فيها أحكام اللغة، ولا نجد مثل هذه الأخطاء.. يجب احترام قواعد اللغة لأنها وسيلة اتصال مشتركة والمشكل المطروح هو أن هذه اللغة المستعملة في الرواية ستصبح مرجعا بالنسبة إلى الكثيرين من القراء مما يؤثر سلبا على تطور اللغة العربية، فإذا كان القرآن الكريم يقول "استخوذ على" فلماذا تقول مستغانمي "استحوذ بي" والخطأ مقبول في حالة تعذر وجود البديل لكن البديل موجود ومع هذا ترتكب أخطاء فادحة في حق اللغة العربية.. هناك أدباء يفكرون بلغة ويكتبون بأخرى وهذا خطأ؛ فالكتابة والتفكير يجب أن يكونا بنفس اللغة. - هل أدباء المهجر ينقلون الواقع بصدق أم أن البعد عن المكان يفرض عدم الدقة؟ أعتقد أن القرب أفضل لأن الأديب يترجم الواقع بشكل أدق لكن الكاتب المهجري بإمكانه المساهمة بأدب مختلف عن الأدب المحلي وبإمكانه نقل تجارب موجودة في عوالم أخرى والتحدث عن تلك التجارب التي لم يسمع عنها من قبل. - كيف تشاهد "الحراك الثقافي والأدبي" في الجزائر؟ في اعتقادي الأدب العربي يمر بفراغ كبير بسبب التقليد الأعمى فالكثير من الكتاب يقلدون آخرين نجحوا في حقل الأدب، فمثلا أحلام مستغانمي هي إحدى الكاتبات التي يقلد أسلوبها الشعري من مختلف الجنسيات خاصة الجزائريين، وهناك كثرة الكتاب وانخفاض المستوى واعتزال عدد من الكتاب بعد مدة زمنية قصيرة، وهناك أيضا كتاب يستفيدون من وسائل الإعلام فيرتقون بين ليلة وضحاها إلى الأعلى، فقد ينجح كاتب دون أن يكون أهلا لذلك. وأما ما يقدمه من أدب قد لا يسمو بالأدب العربي، بالإضافة إلى استحواذ اللهجات العامية على الأدب العربي، خاصة عندما يتعلق الأمر بالجزائر بالنظر إلى غزارة لهجاتها العامية واستعمال الفرنسية التي تغلب أحيانا على العربية مما يوجد صعوبة في الفهم.. وإذا أراد الجزائري أن ينافس نظيره العربي؛ عليه أن يستعمل في كتاباته لغة عربية فصيحة. - هل من مشاريع أدبية في المستقبل؟ أعمل على تأليف معجم "المترادفات والمتجانسات العربية" وهو معجم موجه للطلبة والجامعيين والباحثين وسأشارك به في المعرض الدولي للكتاب القادم وسيكون الأول من نوعه في الجزائر والمغرب العربي. كما أنني لم أفرغ بعد من كتابة رواية "الوفاء" التي تتحدث عن موضوع الصداقة عبر الموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" وستكون أول عمل يتطرق إلى موضوع الصداقة "الافتراضية" وهي مقتبسة من قصة واقعية أو مجموعة من القصص القصيرة الواقعية، بينما أعطي الأولوية الآن لرواية "دموع" وهي قصة عاطفية مقتبسة من قصة واقعية وأنوي في السنتين المقبلتين كتابة رواية بعنوان "فتاة من النمسا" وهي تجربة عاطفية واقعية تدور أحداثها بالكامل بأوروبا.