شكل خبر برمجة مجلس للوزراء خلال هذه الأيام برئاسة رئيس الجمهورية، وإن تم تأجيله بارقة أمل لمعالجة الكثير من القضايا العالقة والمتراكمة طلية الشهور التي كان فيها الرئيس يخضع للعلاج من الوعكة الصحية التي تعرض لها نهاية شهر أفريل الماضي. ولعل أهم ملف يشد الانتباه هو قانون المالية التكميلي لسنة 2013، والذي عرف موضوع اعتماده جدلا كبيرا في النصف الثاني من العام الجاري. فقد لقي إعلان أسمى المسؤولين في البلاد وعلى رأسهم الوزير الأول عبد المالك سلال إلغاء قانون المالية التكميلي لهذه السنة تساؤلات كبيرة من العارفين بالاقتصاد الوطني، الذين استغربوا هذه الخطوة الحكومية غير المسبوقة منذ سنوات، حيث أصبح الإدمان على قانون المالية التكميلي هو الميزة الثابتة في السنة المالية الجزائرية، عن الآثار السلبية التي يمكن أن يخلفها هذا القرار على سير مختلف المؤسسات والمشاريع المبرمجة في الفترة المقبلة، والتي يعجز عن تغطية المصاريف المختلفة حتى بداية سريان قانون المالية الخاص بسنة 2014، والذي لن يكون حتى في شهر مارس من نفس السنة، الأمر الذي سيعرض البلاد لاهتزازات كبيرة على صعيد تنفيذ المشاريع المبرمجة والتي طرأت عليها تكاليف جديدة، وحتى فيما يتعلق بخلق مناصب شغل جديدة لفائدة الشباب البطال، والتي بدأت تظهر بوادرها من خلال تجميد مسابقات التجميد، والتي تجمدت معها أحلام قطاعات عريضة من العطالين. وسيكون الانتظار إلى غاية شهر مارس من العام المقبل، وهو موعد بداية السريان الفعلي لقانون المالية العادي لسنة 2014. ولمعرفة تداعيات إلغاء قانون المالية التكميلي اتصلت البلاد بخبراء اقتصاديين شرحوا لنا ماذا تعني هذه الإجراءات على الاقتصاد الوطني وتأثيراته على المستوى المعيشي للمواطنين. الدكتور فارس مسدور: إلغاء قانون المالية التكميلي يهدد بعودة الاحتجاجات في الجنوب اعتبر أستاذ الاقتصاد بجامعة الجزائر الدكتور فارس مسدور أن إلغاء قانون المالية التكميلي الخاص بالسنة المالية الجارية ستنتج عنه إشكاليات كبيرة على الصعيد الاجتماعي للمواطنين، ذلك لأنه كان يحتوي على الكثير من البرامج التي تساعد على تهدئة الجبهة الاجتماعية ولو مؤقتا، وأهمها إلغاء الفوائد على القروض الموجهة لتشغيل الشباب، وتأخر في المشاريع التي تقلص من البطالة في المناطق الجنوبية، مما قد يعيد مشهد الاحتجاجات الى تلك المناطق مجددا، وكذلك برامج السكن التي ستعرف تؤخرا في التنفيذ، الذي هو بطيء أصلا. وأرجع مسدور السبب الأساسي لهذه المشكلة الى افتقاد الدولة مؤسسات إحصائية متطورة من خلال استحداث قاعدة بيانات رقمية تتيح لواضعي السياسات الاقتصادية الحصول على صورة شاملة ووافية عن مختلف النشاطات والمشاريع التي تبرمج، من دون تزييف للأرقام والإحصائيات التي قد تستغل كثغرات في الفساد. واستغرب محدثنا إلغاء وزارة الاستشراف والإحصائيات التي لم يتجاوز عمرها شهورا معدودة نظرا لأهميتها الكبيرة فهي في الولاياتالمتحدة تمثل عصب الاقتصاد. أما عن إمكانية لجوء الدولة الى الصناديق الاحتياطية الأخرى من أجل اإجاد تعويض الموارد المالية التي لم تدرج في القانون التكميلي، فقد اعتبر الدكتور مسدور هذا الإجراء بالخاطىء والخطير لأنها موضوعة أصلا من أجل حالة الطوارئ ولا يجوز استغلالها في الظروف العادية، مؤكدا أن هناك اتجاها قويا نحو إلغائها نظرا لعدم نجاعتها في القضاء على الكثير من المشاكل الاقتصادية. الدكتور فريد بن يحي: الجزائر تعاني من تأخر كبير في التخطيط يرى الباحث الاقتصادي والإستراتيجي، الدكتور فريد بن يحيى، أن الجزائر تعتمد على الاستثناء كأصل في سياستها المالية السنوية، فعوض عن اعتماد قانون مالية سنوي عادي من 1 جانفي الى 31 ديسمبر، تعتمد على قانون مالية لا يكفي كل هذه المدة، فتلجأ الى قانون المالية التكميلي في كل عام وهذا خطأ، حيث كان يجب التمسك بوزارة الاستشراف والإحصائيات وإنشاء وزارة للاقتصاد تنسق معها تحديد مختلف التوجهات الاقتصادية، ولهذا فإن معظم القرارات التي تتخذها الحكومة لا تكون مدروسة بكفاية، ومنها إلغاء قانون المالية التكميلي للمرة الأولى منذ سنوات. واعتبر محدثنا أن أكثر القرارات التي سوف تتأثر بإلغاء قانون المالية التكميلي هي قطاع الصحة وقطاع الصناعة والاستثمارات، وهذا ما تتحمل الحكومة مسؤوليته بسبب اعتمادها فقط على العجلة السياسية في الوقت الراهن من دون أن تعطي الجانب الاقتصادي الأهمية التي يتطلبها. الدكتور عبد المالك سراي: البرلمان غير مؤهل لمناقشة قوانين المالية كما ينبغي ألقى الخبير الاقتصادي الدكتور عبد المالك سراي باللوم على السلطة التشريعية في البلاد حول ضعف مستوى قوانين المالية التي تمرر كل سنة، حيث اعتبر أن المجلس الشعبي الوطني أظهر ضعفا كبيرا في الاقتراحات التي يقدمها حول مشاريع قوانين المالية التي تقدم إليه لمناقشتها سنويا، وهو ما يخلق مشاكل عند انتقاله الى التجسيد الميداني. فمع حلول شهر أفريل تظهر النقائص والعجز، وهو ما لا يكون في الدول المتقدمة التي تبني قوانين ماليتها على إحصائيات وقواعد بيانات قوية، بالإضافة الى الشفافية في تنفيذ مختلف المشاريع. لكن الدكتور سراي أكد أن المشاريع الصغيرة فقط هي التي يمكن أن تتعرض للتأثر بإلغاء قانون المالية التكميلي، بينما المشاريع الكبرى هي في منأى عن أي تداعيات إلا في حالات خاصة بسبب مشاكل في الميزانية، وهي في العموم ليست معنية بقانون المالية التكميلي الذي حسبه ينظم فقط المشاريع الصغيرة.