كانت قضية المتعامل الهاتفي "جيزي"، والمشاكل التي عرفها ملفه بعد قرار الحكومة استعمل حق "الشفعة" بداية، تعرف الشارع الجزائري على هذا المفهوم القانوني ذي الأبعاد الاقتصادية، حيث أعلنت الحكومة نيتها شراء أسهم الفرع من الشركة الأم "أوراسكوم تيليكوم" . لتضاف قضية أخرى ضمن السياق نفسه تعلقت هذه المرة بشركة "ميشلان" الفرنسية التي قررت مغادرة السوق الجزائرية، لتعلن حكومة سلال أنها تريد شراء أسهمها وتملكها، بالرغم من إبداء شركة سوفيتال رغبتها في الحصول على ملكية الشركة الرائدة في مجال صناعة وإصلاح عجلات المركبات. لتدخل ضمن الشركات التي استهدفها التحرك الحكومي بممارسة حق الشفعة شركة "أرسيلور ميتال" الذي يمتلكه الميلياردير الهندي "لكشمي ميتال"، الذي اشترت أسهما جديدة فيه كي تصبح ملكية ألبها بحوزتها. وجلب استخدام الحكومة لهذا الحق بصورة مكثفة في الآونة الأخيرة الاهتمام حول الأسباب التي دفعت بها الى استعمال حق الأولوية في تملك الشركات والاستثمارات القائمة على أراضيها في حالة مغادرة الشركة الأجنبية الجزائر، أو إخلالها بشرط من شروط الاستثمار. وهو ما حاولت "البلاد" معرفته من خلال الاتصال بخبيرين اقتصاديين، هما الدكتور عبد المالك سراي، والدكتور فارس مسدور. الدكتور عبد المالك سراي: ممارسة حق الشفعة واجب لحماية أموالنا من النهب الأجنبي يرى الخبير الاقتصادي عبد المالك سراي أن إقدام الحكومة في الآونة الأخيرة على استعمال حق الشفعة في الحصول على ملكية الشركات الأجنبية هو تصحيح للخطأ الذي وقعت فيه الحكومات السابقة وخاصة في العشرية السوداء، حيث قامت بمنح مشاريع للشركات الأجنبية دون وضع ضوابط وشروط صارمة من أجل مراقبة نشاطاتها وتجنب تهريبها للأموال الجزائرية، بأن منحتها امتيازات كبيرة نظرا للحاجة الملحة للجزائر في تواجد شركات أجنبية كبرى في بلادنا، إذ كان الهدف السياسي أكبر من الاقتصادي، وهو ما استغله الأجانب في ضرب الاقتصاد الوطني وتحقيق أرباح مبالغ فيها، وتهريب الأموال الجزائرية نحو الخارج. ولكن بعد تحسن الأوضاع الأمنية وتحقيق الاستقرار، بدأت السلطات تتنبه الى الخطر الذي تمثله بعض الشركات الأجنبية على الاقتصاد الوطني، فبحثت في الإجراءات التي تخرجها من هذه الوضعية، حيث تم البدء في استعمال حق الشفعة ابتداء من عام 2009. وهو قرار حكيم برأي الدكتور سراي، ضاربا المثال بشركة "أرسيلور ميتال" التي تم استعمال حق الشفعة فيها مؤخرا من طرف الحكومة، وكان لا بد منه لحماية الثروات الوطنية من أن يستغلها الأجانب في جني الثروات من دون تحقيق الفوائد الاقتصادية المرجوة للجزائر، بالإضافة الى حماية حقوق عمال المركب من الضياع. أما فيما يخص شركة "ميشلان" فقد أكد محدثنا أن من حق شركة "سوفيتال" شراء فرعها في الجزائر، بصفتها شركة جزائرية خاصة، لكن السبب في تدخل الحكومة واستغلال حق الشفعة هو عدم تقديمها للضمانات الكافية حول حقوق العمال، إذ كان من المقرر التخلي على العشرات منهم، وهو ما أرادت الحكومة تجنب المشاكل التي يمكن أن تنجم عنه، خصوصا بعد مطالب متكررة من طرف نقابة عمال الفرع لها بالتدخل. وأكد سراي أن الجزائر بممارستها حق الشفعة في تملك الشركات الأجنبية العاملة على أراضيها، هو حماية للمؤسسات الاقتصادية الوطنية، والمغرب مثال على الدول التي تساهلت مع تملك الأجانب لشركاتها، حيث فقد تقريبا كل شركاته بعد أن رفض استغلال حق الشفعة الذي يطبق بصورة كبيرة في الدول الكبرى مثل ألمانيا والولايات المتحدة اللتين تدعيان حمايتهما لليبرالية الاقتصادية والأسواق الحرة، حيث تتدخل الكثير من المؤسسات في نشاط الشركات الأجنبية بما فيها البنك الوطني، نظرا لما يشمله من قضايا حساسة منها حماية حقوق العمال والوقاية من التهرب الضريبي. الدكتور فارس مسدور: الحكومة تريد تنظيف صورتها أمام الشعب عبر استعمال حق الشفعة رأى الخبير الاقتصادي فارس مسدور في اعتماد الحكومة على حق الشفعة في الحصول على ملكية الشركات الأجنبية العاملة على أرضيها بالإجراء الإيجابي، وهو حل من الحلول الهادفة لاسترجاع ما ضاع من النشاطات الاقتصادية، عبر استعادة أقطاب كان من المفروض ألا تباع أصلا الى الأجانب، وهي تسعى من خلال هذه الخطوة لتنظيف صورتها أمام الشعب والتبرؤ من الممارسات "الفاسدة" التي قامت بها الحكومات السابقة في بيع الشركات الوطنية بأثمان بخسة، وفي أحيان كثيرة بالدينار الرمزي، كما يساهم في زيادة التهرب الضريبي الذي بلغ 200 مليار دينار سنويا، في حين لم يؤد الى تحسن في الاقتصاد الوطني الذي مازال يستورد الأدوية بقيمة 2 مليار دولار، والأغذية ب 5 ملايير دولار سنويا. هذا بالإضافة الى ما وصفه بحساسية بعض القطاعات مثل الاتصال الذي يجب أن يكون تحت سيطرة الدولة، وإلا فإن أسرار البلاد سوف يتم الوصول إليها من طرف قوى معادية. وفي سؤال حول تأثير هذه القرارات الحكومية على الاتجاه الرأسمالي في الاقتصاد، قال مسدور إنها تكرس الاتجاه نحو الاقتصاد المختلط الذي يمثل الاختيار الأمثل، حيث لا يطغى قطاع على آخر مع ضمان حقوق العمال الاجتماعية.