تخلى الوزير الأول الفرنسي جون مارك آيرو عن اللغة الدبلوماسية المتحفظة التي عادة ما يلجأ اليها المسؤولون بهذا المستوى في تصريحاتهم لوسائل الاعلام و هو يتحدث عن صحة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ، حيث عبر عن "تفاجئه" من المتابعة الكبيرة التي يوليها رئيس الجمهورية لجميع الملفات. فقد كشف آيرو للصحفيين في ختام زيارته الى مدينة وهران لأول أمس ما استخلصه من اللقاء الذي جمع بالرئيس بوتفليقة يوم الأحد الماضي و التي دامت 45 دقيقة قال عنها المسؤول الفرنسي "أنها مرت بصورة جيدة ، لقد كان الرئيس الجزائري شجاعا بعد مرضه " ، مضيفا " ان لديه اطلاع جيد لجميع الملفات ، لقد تفاجأت من متابعته الشديدة الى هذه الدرجة". و نقل الوزير الأول الفرنسي ما قال انها رسالة شفوية من الرئيس بوتفليقة الى نظيره الفرنسي فرانسوا هولاند قال فيها " انهم – اي الفرنسيين- يجب أن يشعروا بالفخر بما فعلوه في مالي" ، في اشارة الى التدخل العسكري الذي قامت به باريس في هذا البلد الافريقي مطلع السنة الجارية ضد سيطرة الميلشيات المسلحة على مناطقه الشمالية و انتشار نشاط ما يعرف بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي. و كان الوزير الأول الفرنسي قد صرح لوسائل اعلام وطنية عشية قدومه الى الجزائر "للأسف، أكدت الأزمة التي تعرضت لها مالي والهجوم في عين امناس المخاطر التي حذّرت فرنسا المجتمع الدولي منها منذ مدة طويلة". وتابع "تحمل بلدي مسؤولياته بناء على مناشدة السلطات في مالي وبدعم من الاتحاد الإفريقي، وقد وقفت الجزائر إلى جانبنا في هذا القرار الصعب واشكرها على ذلك، مضيفا "اتاحت عملية "سيرفال" تحقيق الاستقرار في مالي واضعاف المجموعات الإرهابية على نحو ملحوظ في منطقة الساحل، وفي مقدمتها القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي". لكن الخطر برأيه "لم يختف وهو ما يبرر استمرار الاستنفار الدولي". و تمثل هذه الرسالة الشفوية أعلى اشادة من طرف الجزائر بالحملة العسكرية الفرنسية ، التي رفضت المشاركة فيها منذ انطلاقتها و سمحت فقط في استعمال أجوائها في عبور الطائرات الحربية ، حيث كرر المسؤولون الجزائريون و على رأسهم الوزير الأول عبد المالك سلال ووزير الخارجية رمطان لعمامرة في أكثر من مناسبة أن الجيش الوطني الشعبي لديه وظيفة محددة داخل التراب الوطني ، و أن التدخل في الدول الأخرى ليس ضمن العقيدة العسكرية الجزائرية. كما يمكن قراءة الموقف الذي أبداه الرئيس نحو العمليات العسكرية في مالي عن ارتياح جزائري من التحسن الذي عرفته الوضعية الأمنية في هذا البلد و في دول الساحل و الصحراء عموما ، و الذي ترافق أيضا مع تقدم المسار السياسي في باماكو عبر انتخاب رئيس للجمهورية و برلمان الذي مهد لعودة المسار الدستوري مجددا بعد الانقلاب الذي حصل في عام 2012. و كان ملفتا خلال الزيارة التي قام بها آيرو و الوفد الوزاري المرافق له هذا الأسبوع الى الجزائر هو الاهتمام الكبير الذي حضت به صحة الرئيس في الأسئلة التي وجهها الصحفيون الفرنسيون و التصريحات التي أدلى بها الوزيرين الأولين للبلدين ، فقد كان عبد المالك سلال هو السباق لطمأنة الجميع حول هذا الموضوع حيث أكد ان "الرئيس بوتفيلقة بصحة جيدة ، و أنه سيلتقي به فيما بعد مع نظيره الفرنسي " ، و حول امكانية ترشحه لعدة رابعة عبر سلال عن ثقته بقدرته على ذلك بالقول " لقد قدم خدمات كبيرة للبلد ، و لا تقلقوا بشأنه فلديه القدرات اللازمة"، الأمر الذي يجعل ترشحه مجددا في الانتخابات الرئاسية المرتقبة العام المقبل مرهونا ب"رغبته في مواصلة مهمته ، و سيقرر وفق ما يمليه عليه ضميره".