في الوقت الذي كان على المغرب أن يرد على التصريحات المهينة التي أصدرها السفير الفرنسي في الولاياتالمتحدة عام 2011، التي نقلها مخرج إسباني، بالتوجه مباشرة إلى باريس التي تتحمل مسؤولية ما ورد عن دبلوماسيها، ذهبت الكثير من الأطراف المغربية لحشر الجزائر في القضية التي لا دخل لها فيها. وكالعادة تصدر رئيس حزب الاستقلال المغربي عبد الحميد شباط الحملة الحزبية المخزنية ضد الجزائر، وهو الذي لديه الكثير من السوابق في هذا المجال، خصوصا تلك التي اعتدى فيها على الوحدة الترابية، عندما اعتبر أن "ولايتي بشار وتيندوف تابعتان للمغرب"! فقد شنت الكثير من الأحزاب والأطراف السياسية المغربية حملة شرسة ضد الجزائر، وتناست أن المتسبب في هذه الأزمة هو دبلوماسي فرنسي، معتبرة أن "هذه المزايدات تهدف إلى "خلق واقع جيوسياسي جديد في منطقة المغرب الكبير، يتم فيه مقايضة التراكم الديمقراطي الذي يحققه المغرب، بمنافع اقتصادية ناتجة عن ريع البترول والغاز بعد إجهاض التطور الديمقراطي في الجزائر". وتشير هذه التصريحات إلى التخوف المغربي الكبير من أن فقدان الدعم الفرنسي لها سيجعلها في مأزق كبير لاسيما في مسألة احتلاله للصحراء الغربية والانتهاكات الواسعة التي ينفذها في حق الشعب الصحراوي، خشية فقدان دعم باريس التي لطالما ضمنت له التغطية في المحافل الدولية وتنجيه من المحاسبة. والمثير للغرابة في مواقف الأحزاب المغربية هو الحديث عن "تجربة ديمقراطية في المغرب"، تريد أن تستبدلها فرنسا بريع البترول الجزائري، وهي أقوال تكشف عن عقدة هذه الأطراف من المسائل الحقوقية في المناطق الصحراوية المحتلة، التي تختفي خلف ادعاء "التقدم الديمقراطي" من دون تحديد معالمه، في ظل نظام ملكي، يمارس فيه الملك السلطة المطلقة خلف مؤسسات بلا صلاحيات حقيقية. كما تجدر الإشارة إلى أن بيانات الأحزاب المغربية التي اتهمت باريس باستبدال باريس للرباط بالجزائر، يدفع إلى التساؤل عن الأسس التي يقيم عليها المغرب علاقاته خاصة الاستراتيجية منها، وهي تتسم بهذا التغير السريع جدا من النقيض إلى النقيض في ظرف قصير. وبالرغم من أن تصريح السفير الفرنسي المهين بحق المغرب لم يشر لا من قريب ولا من بعيد إلى قضية الصحراء الغربية، إلا أن الأحزاب المغربية كشفت عن السبب الحقيقي لمخاوفها وهو اثار تغير العلاقة مع باريس على الاحتلال المغربي وانتهاكاته من خلال الإشارة إلى أن "السيادة المغربية والوحدة الترابية للمملكة خط أحمر في العلاقات الثنائية"، مجددة رفضها "بصورة مطلقة تحويل قضية الوحدة الترابية للمملكة إلى موضوع للمزايدات والترضيات". وبعد صدور البيانات الحزبية المغربية التي نالت فيها الجزائر نصيبا كبيرا من الهجمات والاتهامات الغريبة، أصدر الديوان الملكي المغربي بيانا، يؤكد أن "الأزمة الدبلوماسية غير المسبوقة بين الرباط وباريس تعرف "انفراجاً نهائياً"، بعد تلقي العاهل المغربي محمد السادس اتصالا هاتفيا من الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، في الساعات الأولى من صباح أمس الثلاثاء، مضيفا أن الطرفان تحادثا حول "الوضع الراهن للعلاقات المغربية الفرنسية"، على خلفية "الأحداث التي شهدتها الأيام الأخيرة". ويشير هذا الاتصال الهاتفي السريع الذي أنهى أزمة كبيرة في ظرف بسيط إلى أن المغرب لم يرغب أكثر في استمرارها لوقت إضافي، خشية الآثار الكبيرة التي سيلقيها أي جفاء بينهما على الموقف المغربي في المحافل الدولية، الذي أضحى دعم باريس له مسألة حيوية جدا.