تعد وضعية المطاعم المدرسية إحدى أكبر الهموم التي أضحت تربك وضع العديد من المؤسسات التربوية، خاصة في المناطق المعزولة والبعيدة عن أعين الرقابة، ففي الوقت الذي سعت فيه المصالح المعنية إلى أن ترفع الغبن عن آلاف التلاميذ بتوسيع دائرة التغطية بالمطاعم، التي شملت جل المؤسسات التربوية، حيث خصصت لهذا الشأن ميزانيات مالية ضخمة، لتقديم وجبات متكاملة للتلاميذ، نجد في المقابل أن هذه النعمة المنتظرة سرعان ما تحولت إلى نقمة في الواقع، بعدما تحولت المطاعم المدرسية إلى بؤر للمشاكل المتعددة، وشغلت حيزا كبيرا من اهتمامات بعض المدراء الذين اتخذوا منها "بقرة حلوب"، وكذا شكوى الأولياء بتعرض أبنائهم للأمراض جراء تدني الخدمات بها. تسوق لكم "البلاد" عينة من تلك الأوضاع التي تعرفها المؤسسات التربوية عبر ولايات الوطن، حيث كانت الوقفة بولاية سطيف التي تحصي أزيد من 690 مطعم مدرسي، لازال تقريبا ثلث منها تقدم وجبات باردة للتلاميذ، وسط ظروف وصفها المختصون في التغذية ب"الكارثية"، خاصة فيما يخص النظافة الغائبة، إذ أضحت الحشرات السامة تغزو المؤونة التي تقدم للتلاميذ، فقد اهتزت مؤخرا بلدية تالة إيفاسن شمال الولاية على وقع حادثة تسمم اكتسحت أزيد من 30 تلميذا بمتوسطة "أولاد السعدي" بسبب شربهم لمياه الصهاريج، التي كانت تستعمل في عملية الطهي، وبعد نقلهم إلى مستشفى بوعنداس وبوقاعة، أكد خلالها الأطباء على ضرورة اتخاذ الحيطة تجاه الوضع في مدارس المنطقة الشمالية للولاية لطالما تهدد بإفراز مخاطر كثيرة على صحة التلاميذ وتهددهم بأمراض كثيرة، وهو الأمر الذي أدى باتحاد جمعيات أولياء التلاميذ إلى دق ناقوس الخطر، جراء هذه الوضعية، إضافة إلى نقص اليد العاملة المؤهلة، هذه الأخيرة بررها بعض رؤساء البلديات بضعف ميزانية البلديات وعدم قدرتها على توظيف عمال وطباخين متخصصين، حيث تعتمد المجالس الشعبية البلدية على شباب يتم توظيفهم ضمن آليات التشغيل المختلفة، ومن ثمة فهم يفتقرون إلى التأهيل والكفاءة، اللازمتين لإعداد وتحضير وجبات متكاملة، ليدفع التلميذ الثمن، وضمن هذا الإطار تحصي ولاية سطيف ما يزيد عن 2100 عامل في مطاعم مختلف المؤسسات منهم أزيد من 750 عامل يزاولون مهامهم في إطار الشبكة الاجتماعية، بالإضافة إلى 590 يعملون في إطار تشغيل الشباب والبقية في إطار عقود الإدماج، وهذه الأرقام تؤكد أن نسبة تفوق 90 بالمائة من العمال يتم توظيفهم ضمن الشبكة الاجتماعية وتشغيل الشباب، ومن ثمة يفتقرون إلى التأهيل والكفاءة والتكوين والاستقرار، باعتبار أن الإعداد والتحضير الجيد للوجبة الغذائية يتوقفان أساسا على كفاءة وثقافة الفئة العاملة، التي تتطلب الإلمام بطرق التحضير والإعداد للوجبة حتى تكون مفيدة لصحة المتمدرسين، ونشير إلى أن تداعيات هذا الوضع تطرح بحدة في المنطقة الشمالية فقد كشفت مصادرنا بأن مطعم ثانوية "الطاهر أرغيب" ببلدية بوعنداس الذي يغطي خدمات أزيد من 900 تلميذ، يحتوي على طباخ واحد فقط، مما جعل الإدارة تقحم عمال النظافة لمساعدة هذا الطباخ، الأمر الذي خلف وضعا مزريا من حيث نوعية الوجبات المقدمة للتلاميذ. مختصون في التغذية يؤكدون: "التلاميذ معرضون لأمراض خطيرة، والوجبات الساخنة ضرورية" حذر بعض الأخصائيين في التغذية أمثال الدكتور "خ. السعيد" من عدم التوازن الغذائي في المدارس التربوية، حيث بات الأكل الخفيف وكذا المشروبات الغازية تشكل الطعام اليومي للتلاميذ، وهو ما قد يعرضهم -حسب الدكتور - للبدانة التي تسبب في إصابتهم بالعديد من الأمراض الخطيرة مستقبلا على رأسها السكري وارتفاع الضغط الشرياني وأمراض أخرى، وقصد ضمان إحداث سيرورة حسنة لوضع التغذية بالمطاعم المدرسية يرى محدثنا، أنه من الضروري تعزيزها بمختصين في التغذية لتقديم نصائح حول نوعية وكمية الأكل الذي توفره هذه المؤسسات للأطفال، ويؤكد المختصون ضرورة تقديم وجبات ساخنة للتلاميذ، لاسيما في فصل الشتاء، حيث تصل نسبة الحريرات التي يريدها التلميذ إلى 2500 حريرة، ولا توفرها -حسبهم- إلا الأطباق الساخنة، مؤكدين أن الوجبات الباردة لا تؤثر على مردوده الفكري، على عكس الساخنة، التي من شأنها أن توفر لجسم التلميذ الحرارة في أوقات البرودة. الأولياء يطالبون بهيئة وطنية تشرف على تسيير المطاعم المدرسية أكد بعض الأولياء المنضويين تحت لواء الاتحاد الوطني لجمعيات أولياء التلاميذ ل"البلاد" أنه من الواجب إيجاد آلية لتنظيم عمل المطاعم المدرسية التي لا يخضع تسييرها حاليا لمقاييس قانونية، حيث كشف هؤلاء بأن مهمة تسيير العشرات من المطاعم أسندت لموظفين يشتغلون بعقود ما قبل التشغيل ولا دراية لهم بشؤون التسيير، الأمر الذي ساهم في خلق مشاكل كثيرة نتيجة الإهمال، ليتساءل هؤلاء عن كيفية استقرار وضع الإطعام في الوقت الذي يسير من طرف أشخاص غير مستقرين في مهامهم؟ لذا فإن هؤلاء يطالبون بضرورة خلق هيئة وطنية أو مجلس أعلى يهتم بقضية تسيير المطاعم المدرسية.