لم تنتعش الساحة السياسية بالقدر الذي كان متوقعا بعد الانتخابات الرئاسية، فهي تعيش وضع الغيبوبة عن الرأي العام الذي كان ينتظر حراكا حزبيا وردود أفعال مختلفة. وبعد أسبوع من رئاسيات السابع عشر أفريل، بدأت العديد من السيناريوهات تتبلور خصوصا المتعلقة بمستقبل عدد من المؤسسات المنتخبة منها البرلمان. لقد ظلت شرعية المجلس الشعبي الوطني محل انتقاد وتشكيك منذ أن أفرزته آخر تشريعيات جرت في ظل تخوفات من الربيع العربي، لكن تلك التشريعيات أدت إلى كتلة من "الحفافات" وهو الاسم الذي اصطلح عليه إعلاميا وشعبيا، ولحل البرلمان بتشكيلته الحالية ما يبرره بعد أن أصبحت العهدة الرابعة واقعا أفرزته رئاسيات 17 أفريل. فقد ظل مطلب حل البرلمان بتشكيلته الحالية مطلبا ملحا من الأحزاب السياسية المعارضة ولم يبد الآفلان والأرندي أي اعتراض بحكم أنهما من الأحزاب التي تحوز غالبية المقاعد، فرغم الانتقادات الحادة التي وجهت للبرلمان الحالي الذي يعتبر الأضعف في تاريخ البرلمان، فإن حزبي الأغلبية لم يعترضا على هذا الطرح في أي مناسبة. وترى الكثير من الأوساط السياسية أن حل البرلمان له مبررات سياسية عدة، فمن شأن قرار رئيس الجمهورية الدعوة لانتخابات برلمانية مسبقة أن يدفع بالحراك السياسي إلى الساحة التي تعرف جمودا غير مسبوق، كما أن برلمانا بتشكيلة جديدة سيسمح للمقاطعين ولخصوم بوتفليقة التموقع من جديد بعدما أدت الرئاسيات إلى غلق مجال الحراك السياسي أمامهم، وهذا الغلق يحتاج إلى فضاء آخر غير المرادية للنقاش والسباق ولن يكون سوى قبة البرلمان، بل أن تشكيلة مجلس الأمة ستعرف هي الأخرى تغييرات عميقة وجذرية بعدما خرج العديد من سيناتورات الثلث الرئاسي عن التزاماتهم المعنوية مع بوتفليقة، أما بالنسبة إلى المجلس الشعبي الوطني، فهو ميدان آخر يمكن أن يعرف مجالا أوسع للمناورة السياسية التي تكون في العادة من اختصاص الأحزاب السياسية، فضلا عن ضرورة مشاركة أحزاب الأفافاس والأرسيدي وأحزاب إسلامية قاطعت الرئاسيات ويمكن أن تجد في حل البرلمان فرصتها للتموقع من جديد على ضوء استحقاقات قادمة أبرزها تعديل الدستور الذي قد يكون مع الدخول الاجتماعي القادم استنادا إلى تصريح للأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عمار سعداني الذي كشف النقاب عن أجندة التعديل مع الدخول الاجتماعي القادم، وقد أكدت تصريحات سابقة لسعداني أنه أكثر الشخصيات إلماما بأسرار وأجندة السلطة في الوقت الراهن. حل البرلمان إذا سيكون متنفسا جديدا لأحزاب المعارضة، لكنه سيكون أيضا مخرجا للسلطة من حالة العزلة والانكفاء التي هي عليها منذ الاقتراع الرئاسي، حيث الجمود لا يخدم مساراتها السياسية، ولذلك بات من المهم البحث عن حركية سياسية جديدة يتم من خلالها وضع الطبقة السياسية ضمن رواق سياسي انتخابي جديد ينعش الساحة السياسية بصفة عامة.