تعيش مشاتي الجهة الشمالية لولاية سطيف، أزمة مياه دفعت سكان بعض القرى التي لم تسجل أي عملية تزويد بهذه المادة الحيوية منذ الاستقلال، إلى إيجاد حلول شخصية قصد الظفر بقطرة ماء على الطريقة التقليدية. وخلال جولة قادتنا إلى عمق هذه المنطقة التي تضم أزيد من 15 بلدية، وقفنا على حجم المعاناة لسكان لايزالون يكافحون العطش بطرق تقليدية وهم يكابدون مرارة التنقل لمسافات طويلة وظهورهم محملة بقارورات بلاستيكية معبأة بالمياه. كثيرة هي الأماكن التي تنتشر فيها هذه الظاهرة، على غرار كل من قرى بوسلام، بماوكلان، وعشرات القرى والمشاتي الأخرى التي يقطنها الآلاف من السكان وهم يتحدون أزمة العطش التي تضرب المنطقة، رغم وعود السلطات المحلية بتسوية وضعيتهم وربطهم بشبكة المياه. وخلال تواجدنا بمنطقة آيت تيزي، الواقعة أقصى شمال الولاية، وقفنا رفقة بعض السكان في هذه الرحلة الشاقة وسط الجبال والأحراش على مظاهر توحي بأن سكان المنطقة لايزالون في العصر البدائي بعيدون كل البعد عن زمن 2014. وقد حدثنا أحد المواطنين هناك عن محنتهم مع المياه في ظل المعاناة المتواصلة للظفر بقطرة ماء خاصة معاناة الأطفال القصر حيث إن غالبيتهم تلاميذ في المدارس الابتدائية والمتوسطة حيث يقطعون العشرات من الكيلومترات كل أمسية، وفور رجوعهم من الدراسة التي تكلفهم هي الأخرى متاعب كثيرة في التنقل نظرا لبعد المؤسسات التربوية عن مقر سكناهم مشيا وبحوزتهم قارورات بلاستيكية فارغة من أجل ملئها بالمياه الصالحة للشرب من بعض الينابيع الطبيعية المعروفة بالمنطقة، والسماح لأفراد العائلة باستعمال هذه المادة الأساسية، على الرغم من المخاطر الكثيرة التي يتلقونها في الطريق، ناهيك عن الإرهاق اليومي الذي يفتك بهؤلاء جراء الدراسة. وأمام هذا الأمر لم يجد سكان قرية "حلية" ببلدية بوسلام، حلولا أخرى سوى ذلك النمط المعيشي الذي يشبه كثيرا ما ذكرناه آنفا، في انتظار تجسيد الوعود التي قدمها المسؤولون المحليون للمنطقة. وبحكم التلاحم الذي ساد بين سكان المنطقة الشمالية ووحدة تقاليدها فإن الطابع المذكور هوالسمة الغالبة في بقية المشاتي التي زرناها. نشير إلى أن ولاية سطيف قد استفادت مؤخرا من برنامج في قطاع الري، الذي احتل الريادة بخصوص الميزانية الضخمة، التي وضعت لهذا القطاع من أجل محاربة أزمة العطش، على غرار مشروع التحويلات الكبرى الضخم والذي تتغنى به السلطات المعنية، وغيرها من المشاريع الأخرى كسد عين زادة المعروف، إلا أن مسألة الربط تبقى عالقة على مستوى بعض المناطق، نظرا لوجود خلل في طريقة توزيع المشاريع على تراب الولاية، الأمر الذي أكده العديد من المتتبعين للشأن التنموي بالولاية، وجعل غالبية المناطق الشمالية للولاية مهمشة، عكس المناطق الأخرى. لذا فإن السكان يطالبون بضرورة الالتفات لهذه الثغرة. في حين رفع العديد من رؤساء البلديات راية الاستسلام نظرا لعجز المصالح التي يشرفون عليها عن تلبية كافة الاحتياجات الضرورية للسكان، كبلديتي آيث نوال أومزادة، وآيت تيزي المصنفتين ضمن النقاط السوداء بالولاية. وعلى صعيد آخر أكدوا أنهم رفعوا عدة شكاوى وأودعوا عدة مراسلات لدى السلطات المحلية والولائية لتدارك النقص المسجل بمناطقهم وإتمام بعض المشاريع المتأخرة، لكن لا حياة لمن تنادي.