عادت قضية دفن الممثل الفرنسي اليهودي روجي حنين في الجزائر لتثير مرة أخرى الجدل وهذه المرة عبر بوابة البرلمان. في مراسلة لنائب عن جبهة العدالة والتنمية حسن عريبي حول سماح السلطات الجزائرية لمن أطلق عليهم "الأعداء التاريخيون للوطن" بحق الدفن في أرض الجزائر وقال "إن مقابر اليهود في الجزائر من مخلفات الاستعمار وآية لأجيالنا بأن هذا المستدمر قد استقدم أعداءنا التاريخيين ومنحهم أرضنا ونحن أبقينا عليها لهذا الغرض التاريخي ولغرض التسامح الديني "بمعنى أن المقابر اليهودية هي جزء من الذاكرة الجزائرية مخصصة للعبرة لا لاستقطاب جثث الأموات من اليهود الجزائريين الذين خيرتهم اتفاقية إفيان -حسب المتحدث- بين الجزائروفرنسا فاختاروا هذه الأخيرة، فبأي حق يدفنون في الجزائر يضيف النائب. وكشف النائب مخاوف من أن تتحول مقابر اليهود في الجزائر إلى محج لهم ومنفذ لعودتهم إلى الجزائر من خلال زيارات أهاليهم لمقابرهم وقد تكون هذه خطوة استباقية للمطالبة بممتلكاتهم السابقة. وقال النائب عريبي في هذا الخصوص "أما أن تصبح هذه المقابر اليهودية مجالا مفتوحا لكل يهودي بعد الاستقلال يوصي بأن يدفنوه إلى جوار أجداده فيحمل جثمانه إلى الجزائر فهي سابقة خطيرة" خصوصا أن هذه الظاهرة قد تؤدي إلى تفشي مظاهر تخريب "وسيدفع بالكثيرين الذين لا تزال قلوبهم تحترق من الكيد الفرنسي الصهيوني إلى مداهمة هذه المقابر وحرقها لأنها لم تعد في نظرهم علامة تاريخية بل صارت بهذا الموقف الرسمي واقعا يفرض علينا الاعتراف باليهود الذين لا يعيشون بين ظهرانينا ولهم الحق في التراب الجزائري ليدفنوا فيه بعد الموت". في حين أن "هؤلاء اليهود قاموا بالمؤامرات الخفية وتفجيرات إرهابية حين استرجعنا استقلالنا"، حسب المتحدث الذي تساءل عن الاستقبال الرسمي الذي حظي به جثمان الممثل اليهودي روجي حنيين"هل تقبل فرنسا وصية فنان جزائري مثلا يوصي بأن يدفنوه في فرنسا إلى جوار قبر أحد أقربائه هناك؟ وهل ستخصص له طائرة ووفدا رسميا يرافقه إلى مثواه الأخير؟" وختم عريبي بيانه بالمقارنة بين الحظوة التي تحصل عليها الممثل اليهودي روجي حنين بعد وفاته وما كان نصيب شخصيات جزائرية وعلماء من أمثال "أمير البيان البشير الإبراهيمي ومالك بن نبي المفكر العالمي والشيخ أحمد سحنون وعبد اللطيف سلطاني وغيرهم من رجال الفكر والدين والسياسة رحمة الله عليهم أجمعين وهل حظيت جنائزهم بتغطية من الإعلام الرسمي المرئي والمكتوب والمسموع".؟! رغم عدم وجود قوانين جمهورية تحظر تواجدهم اليهود غير مرحب بهم في الجزائر لأسباب تاريخية لا دينية رغم أن قوانين الجمهورية الجزائرية لا تتضمن أي بند ينص على حظر أو منع تواجد اليهود فوق أراضيها، ولا تضع حتى قيود على ممارسة طقوسهم وشعائرهم الدينية، إلا أن ظهور أي شخص يحمل "طاقية يهودية" في شوارع الجزائر لا يكون مرحبا به في أي حال من الأحوال ويفسر مؤرخون وعلماء الاجتماع ذلك أن الجفاء بين يهود الجزائر وباقي سكانها المسلمين يعود إلى ما قبل القضية الفلسطينية، فحينما دعاهم بيان أول نوفمبر للمشاركة في الثورة رفضوا الأمر وتخندق أغلبهم في الصف الفرنسي بل وعمل الكثير منهم كجواسيس ومترجمين لصالح الحكومة الفرنسية في حربها ضد الجزائريين. وقبل ذلك استفاد يهود الجزائر من قانون كريميو في الحقبة الاستعمارية الأولى الصادر في 24 أكتوبر من عام 1870، الذي أتاح لهم حق التمتع بالجنسية الفرنسية ومكرسا جعل التعليم إجباريا ومجانيا لليهود. ولكن استثناء المسلمين من الحقوق التي كرسها القانون ولّد ردود أفعال وأحداث دامية من قبل المسلمين في العاصمة ووهران وقسنطينة وقابل المسلمون اندماج اليهود في المجتمع الكولونيالي بنظرة سيئة بعدما احتضنت أرض الجزائر أغلب تلك الجاليات اليهودية في القرن الخامس عشر حينما فروا هربا من محاكم التفتيش التي كانت تقام في حقهم من قبل الإسبان في الأندلس وبعد الغزو النازي لفرنسا في أربعينيات القرن الماضي، جاءت حكومة "فيشي" الموالية لهتلر المعروف بعدائه لليهود وأعلنت تعليق العمل بقانون كريميو، وكان ذلك سببا في هجرة حوالي 25 ألف يهودي بين 1948 و1962 ليساهموا في احتلال الأراضي الفلسطينية وبعد الاستقلال بدأت الهجرات الجماعية لليهود من الجزائر باتجاه فرنسا والأراضي المحتلة، وتزامن ذلك مع الظرف الدولي المتميز بالصراع العربي الإسرائيلي، مما قاد بالتالي إلى إشعال فتيل الخلافات بين المسلمين واليهود في الجزائر، وفي العالم العربي والإسلامي ومباشرة بعد حرب الستة أيام "النكسة" التي شهدت هزيمة الجيوش العربية واستيلاء إسرائيل على أراض عربية خرج الجزائريون في مظاهرات غاضبة في أنحاء المدن الكبرى، متوعدين كل ما يمت لليهود الإسرائيليين بصلة هو ما فهم من قبل قلة اليهود الباقين على أنه الإنذار الأخير لهم قبل أن يصبح وجودهم غير مرئي. هشام حدوم رئيس نقابة الأئمة جلول حجيمي يعتبره "تطبيعا" لا يجوز حضور طقوس الجنائز اليهودية من قبل المسلمين أكد رئيس نقابة الأئمة جلول حجيمي، إنه من غير المقبول أن يحضر مسلمون جنائز يهودية، ناهيك إذن عن تنظيم مراسم دفن رسمية لهم، معتبرا أن ممارسة طقوس الديانة اليهودية بوجود العلم الجزائري يعد إهانة لرمز من رموز الدولة الجزائرية التي تعتبر الإسلام دين الدولة ومصدرا من مصادر التشريع القانوني. وحذر حجيمي في اتصال ب"البلاد"، من ظاهرة دفن اليهود في مقابر تاريخية لهم بالجزائر، معتبرا أنه إذا فسح المجال أمام كل يهودي ليدفن جنب أقاربه في مدافن على أراض جزائرية فإن ذلك سيفتح أمامنا عودة هذه الطائفة الدينية للنشاط مجددا في الجزائر والمطالبة بعدها بحقوق أخرى، خصوصا أن مراسم الدفن تتطلب تواجد ممثلي الديانة اليهودية على أرض الجزائر وبالتالي إعادة فتح معابدهم المغلقة منذ الاستقلال. ورغم أن الإسلام -حسب المتحدث- يدعو إلى حرية المعتقد وقد دفن العديد من اليهود في وقت الرسول محمد صلى الله عليه وسلم حسب شعائرهم الدينية، إلا أن ذلك لا يعني أن المسلمين كانوا يحضرون جنائزهم ويشاركون طقوس اليهود الدينية بعد الدفن. واعتبر جلول حجيمي أن هنالك متسعا في تقديم العزاء لليهود خصوصا من كانت لهم مزية وعرف بمساندتهم للقضية الجزائرية، إلا أن استقبالهم رسميا وحضور موكبهم الجنائزي من قبل كبار الشخصيات السياسية في الجزائر يعتبر أمرا مبالغا فيه ويعزز من أطماع اليهود في العودة إلى الجزائر من بوابة التاريخ المشترك. هشام حدوم