يحمل الماضي والتاريخ والإرث الثقيل ، مثلما يحمل تناقضات السلطة وصراعاتها وكواليسها .. هو حزب جبهة التحرير الوطني إذن .. العتيد الذي يعتبر مرآة السلطة على مدار العقود من زمن الأحادية إلى التعددية و باقي المراحل التي مرت بها الجزائر ، مع استثناءات تم اللجوء إليها للابتعاد من مناطق الخطر السياسي والأمني. المؤتمر العاشر للحزب العتيد .. فعل سياسي حلال .. فتوى قضائية صادرة عن جهاز العدالة يوم أمس منحت الأمين العام عمار سعداني شرعية قيادة سفينة الآفلان تحت ظل الشرعية القانونية ، و في غياب منافسين له على كرسي الأمانة العامة للحزب سيكون سعداني رجل السلطة على رأس أكبر الأحزاب السياسية التي تعتبر امتدادا للسلطة و أجهزتها و مؤسساتها ، لذلك لا يمكن فصل الحراك الدائر داخل الحزب العتيد عما هو دائر في أعلى هرم السلطة ، وعندنا تنتصر هذه الأخيرة لرجل في الآفلان ، فهذا له دلالات سياسية هامة ، أبرزها أن السلطة القائمة فصلت في خياراتها ورتّبت أوراق المرحلة القادمة بكل دقة بعيدا عن نسب الخسارة أو المفاجأة التي قد تغير كافة حسابها إلى وجهة غير مرغوب فيها. و نقرأ من هذا ما يلي : أن السلطة تريد الإبقاء على حزب جبهة التحرير الوطني الآداة السياسية لتسيير المرحلة المقبلة ، بكل ما قد تحمله من أحداث طارئة على الجبهة السياسية والاجتماعي والاقتصادية ، ثانيا أن السلطة تريد أن تتسم تلك المرحلة بالهدوء والاستقرار ، وأن رجالها ومحيطهم سيظلون على واجهة الحزب إلى غاية 2020 على الأقل مثلما تنص عليه قوانين الحزب بعد انتخاب عمار سعداني لعهدة كاملة ، كما أن حزب جبهة التحرير الوطني وهو الملتزم بالخط الوطني وتياره المسيطر على غالبية فعاليات الساحة السياسية لن يخرج عن دائرة الإلتزام بنفس المنهج الذي اتبعه عبر كافة المراحل التي مرت بها الجزائر المستقلة. لقد كانت كل المؤشرات تؤكد أن أصحاب القرار لن يتخلو عن سعداني أمينا عاما للأفلان، وان حالة الكر والفر بينه وبين خصومه ، أصبحت سمة غالبة على المشهد السياسي الذي يحيط أو يطبع الحزب العتيد ، وبرغم ثقل بعض الأسماء من دائرة معارضي عمار سعداني فإن ذلك لن يؤثر في تسيير الحزب وفق ما تراه السلطة صالحا لخطابها السياسي ، فضلا على أن المعسكرين المتصارعين لا يختلفان في الولاء لنفس الجهة ، وهذا ما يريح السلطة التي رأت أنه من غير اللائق الإطاحة بمن ساير و واكب وأيّد و بارك قراراتها طيلة السنتين الماضيتين، لذلك يمكن القول أن السلطة رتّبت أوراقها جيدا ، ولم تترك أي ثغرة لعنصر المفاجأة ، مثلما تكون قد اختارت رجالها للمرحلة القادمة. ولعله نفس السيناريو حدث مع ثاني اكبر حزب سياسي في الجزائر التجمع الوطني الديمقراطي، بحيث تم امس رسميا تقديم الأمين العام له عبد القادر بن صالح استقالته عن رئاسة الحزب لكي يفتح كل الأبواب على مصراعيها لعودة الامين العام الأسبق أحمد أويحيى، والذي تقول في شانه التحليلات السياسية في الجزائر أنها بايعاز وبعد تدخل من السلطات العليا باعتبارها تريد في كل المحطات بقاء الحزبين في الواجحة السياسية.