في الحلقة الأولى من شهادته التاريخية عبر برنامج "صنعوا الحدث" الذي يعده و يقدمه الإعلامي أنس جمعة على قناة البلاد، يستهل المجاهد و الدبلوماسي الجزائري السابق، رابح مشحود، حديثه الشيّق و المليء بالتفاصيل والأحداث والوقائع البطولية الثورية، بالإجابة عن سؤال حول سبب اعتباره لنفسه "واحداً من المجاهدين المنسيين في هذه البلاد"، فيقول مشحود أنّ الجزائر تعيش منذ فترة طويلة "ظروفا تهميشية صعبة" وهي الظروف "التي مرت ومررنا بها طوال حياتنا". "هناك مجاهدون .. وهناك أشباه مجاهدين وأشباه رجال" "لماذا القول بأن رابح مشحود من المجاهدين المنسيين؟" يتابع ضيف "صنعوا الحدث" قائلا: "لست وحيداً من يُطلق عليهم هذا الوصف، وإنما أعني به كل المجاهدين الحقيقيين، الذين قاموا بواجبهم لا أدّعي على أحسن وجه ولكن اجتهدوا و قاوموا و جاهدوا و ناضلوا .. ولكن في النهاية جاءت فئة أخرى من المجاهدين و المناضلين و من أشباه الرجال فتقدموا الصفوف الأولى وحاولوا و اجتهدوا من أجل منع كل صوت من أصوات المجاهدين الحقيقيين أن يدلوا بدلوهم ويتكلموا عن فترة عزيزة من فترات الشعب الجزائري، بل عزيزة على الأمة العربية والإسلامية جمعاء، لأن الثورة الجزائرية ثورة عظيمة و عظيمة جدا ولم تنزل من السماء مثلما يدّعي البعض أو يظن البعض، فالثورة التحريرية الكبرى سبقتها أحداث و نضال ومقاومة و جهاد وجهد وتضحية كبيرة". كانوا يسخرون منا ويستهزئون بنا لما نادينا بالاستقلال وبعد حديثه عن ظروف النشأة، حيث يعد ضيف "صنعوا الحدث" سليل عائلة عرفت بالعلم والجهاد، ووالده كان مفتيا و مناضلا في الحركة الوطنية. وفي معرض الحديث حول بدايات انخراطه في الحركة الوطنية، وبدايات التحاقه بالنضال و اعتناقه لفكرة الاستقلال وضرورة العمل على طرد الإستعمار الفرنسي، يقول المجاهد رابح مشحود إنّ "والده كان وراء التحاقه بالمسار الثوري" مشيراً إلى واقعة حدثت معه في هذه الفترة، حيث كان يدرس بمعهد إبن باديس بقسنطينة، وكانت أن صادفت تلك الفترة موعدا انتخابيا لمجلس النواب الفرنسي الذي ترشح له كل من حزب البيان لصاحبه فرحات عباس، و كذلك الدكتور محمد بن صالح بن جلول الذي كان من بين السياسيين المعروفين آنذاك، حيث أقام الأخير تجمعا شعبيا في إطار الحملة الانتخابية، بمدينة قسنطينة، وفي ذلك اليوم - يقول المجاهد رابح مشحود - "كُلفت من طرف الحركة الوطنية بالذهاب إلى المسرح البلدي لقسنطينة الذي يحتضن التجمع الشعبي وتلقيت أوامر بأن أهتف بأعلى صوت بمجرد بداية خطاب الدكتور بن جلول بالقول "حرروا مصالي، يحيا مصالي ويسقط الاستعمار". ويتابع المجاهد مشحود أن منظمو التجمع "قامو بأخذي وأجلسوني بقرب الدكتور بن جلول الذي خاطب الجميع بالقول "أنظروا إلى هذا الطفل الصغير الذي أرسله والديه إلى هنا من أجل الدراسة، ولكن المجرمين الذين لا يخافون الله يقومون بتغليطهم وتعبئتهم بأفكار مغلوطة" ثم يتابع ضيف الحصة على لسان الدكتور بن جلول الذي توجه بكلامه للحضور وللشرطة الفرنسية التي كانت حاضرة في التجمع: "هؤلاء أبناؤنا فلا تتعرضوا لهم بسوء". ويتابع المجاهد رابح مشحود قائلا "ثمّ خرجت .. غير أني وجدت نفسي بعد هذه الواقعة محل سخرية كبيرة وسط التلاميذ الذين أدرس معهم وحتى وسط الأساتذة، وحتى في قريتي ومسقط رأسي بات الكل يتندر بي، بل وصل الأمر إلى حد أن الكل ينادي عليّ باستهزاء و سخرية داخل القسم الدراسي "آه أنت الزعيم الذي يريد أن يُخرج فرنسا من الجزائر" والجميع يضحك علي داخل المعهد". وأضاف ضيف "صنعوا الحدث" قائلا "بل وصل الأمر لحد أن الناس أضحت تخاف من مجرد مصافحتي". العملاء و القُياد كانوا أخطر على الجزائريين من الإستعمار نفسه وبعد هذه الواقعة، يقول المجاهد رابح مشحود أنه تلقى "تهديدات عديدة" منها "تهديدات بإلقاء القبض عليه من طرف الشرطة الفرنسية" مضيفا أنه "وقع فعلا ذلك حيث حاول أحد عناصر الدرك الفرنسي توقيفي، غير أني قمت بضربه فوقع على رأسه وتمكنت من الهروب وكانت تلك الواقعة سابقة من نوعها و أثارت ضجة كبيرة في منطقتي" ويتابع المتحدث قائلا "حتى يعرف المشاهدون بعض الحقائق .. العملاء الذين كانوا يعملون مع الاستعمار الفرنسي هم من كانوا يحكمون في الحقيقة و ليس فرنسا، كان هناك تنظيم محكم منهم "البشاغات والقُياد " وهؤلاء كانوا ينقلون كل شيء للجيش و الشرطة الفرنسية، بحيث لا شيء يغيب عن الفرنسيين بواسطة هؤلاء الذين كانوا عيونهم في القرى و المداشر وفي كل مكان". حتى تكون مناضلا في الحركة الوطنية يجب أن تثبت إخلاصك ألفين مرة وهنا يقول المجاهد رابح مشحود "كانت المحطة التي بدأت فيها العمل السري في حزب الشعب ومن ثمّ في المنظمة السرية وبدأت مع الشهيد برحال في البحث عن الأشخاص الموثوق فيهم و الوطنيين لتجنيدهم في الحركة الوطنية'' مشيرا إلى أن الالتحاق بالحركة الوطنية آنذاك كان يمر عبر مراحل عدة في إطار نظام صارم: "يبدأ الملتحق الجديد بالحركة الوطنية بصفة محب ومن ثمّ يتدرج إلى غاية أن يصل إلى درجة مناضل في المنظمة السرية شبه العسكرية". مصالي الحاج كان أول من نطق بكلمة الاستقلال وفي رده على سؤال مقدم الحصة الإعلامي أنس جمعة حول نظرتهم في تلك الفترة للزعيم التاريخي "مصالي الحاج"، قال رابح مشحود "أنا شخصيا التقيت بمصالي الحاج مرة واحدة فقط .. مصالي الحاج شخص غريب ولكنه مع الأسف ظلم حيا و ظلم ميتا و ربي يغفر لمن ظلم مصالي". ويضيف رابح مشحود قائلا "مصالي الحاج كان أول من نطق بكلمة الاستقلال". مصالي الحاج كان أعجوبة وخرافة ولغزا في أذهان الجزائريين "كيف حتى إلتقى بمصالي الحاج؟"، يروي المجاهد رابح مشحود أن مصالي الحاج وبعدما خرج من السجن جاء إلى الخروب في قسنطينة لأنه كان ممنوعا عليه دخول المدن الكبرى مثل قسنطينة و الجزائر العاصمة و وهران وغيرها .. جاءت الناس من كل الأماكن والولايات والأرياف و الجبال من أجل لقاء هذا الرجل الأعجوبة و الخرافة ومن أجل اكتشاف هذا الرجل "من هو هذا المدعو مصالي الحاج" .. ويضيف رابح مشهود قائلا "وفعلا التقيت به ولما صافحني قال لي كلاما مفاده "كن مثل جدك"، لأنه كان يعرف جدي ويعرف نضاله وقد بقيت هذه الكلمة ترن دائما في أذني". ... يُتبع (الحلقة الثانية تأتيكم يوم الجمعة 11 ديسمبر 2015 على قناة البلاد وفق التردد التالي: 11257 أفقي نايلسات) من هو المجاهد و الدبلوماسي رابح مشحود؟ المجاهد رابح مشحود يقول عن نفسه: رابح مشحود من ولاية سكيكدة، حافظ للقرآن في سن مبكر، انتسبت إلى معهد ابن باديس بقسنطينة، وجامع الزيتونة بتونس، وكنت أحد أعضاء المنظمة السرية لمنطقة سكيكدة، كونت التنظيم الثوري مع الشهيد برحال في عين المرخة التي أصبحت اليوم تحمل اسم الشهيد برحال. التحقت بالثورة منذ أيامها الأولى، بل كنت من الذين حضروا وشاركوا في التحضير للثورة مع الشهيد زيغود يوسف، الذي كان يقيم في بيتنا مع والدي الشهيد علي رحمة الله عليهما، بعد ذلك قطعت خطّا موريس وشارل مرتين، شاركت في سبع قوافل لتهريب الأسلحة من طرابلس ليبيا، إلى تونس، ثم إلى الجزائر، في الليالي القمرية كنا نستعمل الحمير للتنقل، لأن البعير في الظل يبدو ظله كبيرا، وفي الليالي المظلمة ذات الظلام الدامس، كنا نستعمل الإبل، وكانت الأسلحة التي نهربها قليلة، إلا أننا كنا نعتبرها كثيرة، وأذكر أنني نقلت سبع بنادق من الأسلحة القديمة من مخلفات الحرب العالمية الثانية، فرح الشهيد زيغود يوسف بها كثيرا وقال؛ بهذه الأسلحة سوف نهزم فرنسا، وهكذا تقدمت الثورة من مرحلة إلى أخرى، بدايتها كانت شاقة وبعدما عمت الثورة بعد ملحمة 20 أوت 1955 التي قادها الشهيد زيغود، وإلى مظاهرات 11 ديسمبر.. الجزائري قدم كثيرا من أجل هذه الثورة العظيمة والمطلوب من شباب اليوم المحافظة على الجزائر كما أرادها الشهداء. لمشاهدة الحلقة الأولى من شهادة المجاهد رابح مشهود: