إجرام الصفيح ينتقل إلى الأحياء التي دشنها زوخ أصبحت الأحياء السكنية الجديدة بالعاصمة وكرا لمختلف الآفات الاجتماعية بين المنحرفين وعصابات المخدرات التي تريد فرض سلطتها بقوة "الكيف" وحدة "السيف"من جهة، وبين بعض العاهرات اللواتي استفدن من" السوسيال" ليحولن منازلهن إلى بيوت دعارة كسرن من خلالها "الحرمة" على بقية الجيران من جهة أخرى، وبين "المحرم والمجرم" ضاعت العائلات الشريفة التي جعلت بيوتها مراقد تلجأ إليها كل ليلة هروبا من الفضائح. لم تكد تنتهي فرحة الظفر بسكن اجتماعي لائق يقي من حرارة الصيف ورطوبة الشتاء من طرف العائلات التي عانت ويلات الصفيح لعشرات السنين بالعاصمة، حتى انفجرت قضية اختلاط "العقليات" في الأحياء السكنية الجديدة، فمعظم الآفات الاجتماعية التي كان يربطها المختصون الاجتماعيون بالأوضاع السكنية السيئة في الأكواخ الهشة والأحياء "الملغمة" لم تختف في الأحياء الجديدة الملائمة للعيش بشققها ومساحاتها الخضراء وظلت "العقليات" نفسها، في وقت لاتزال فيه آلاف العائلات تحلم بالظفر بسكن لائق ولم تحصل عليه رغم دفعها أموالا طائلة سواء من صيغة عدل أم الترقوي العمومي أو السكنات التساهمية. بيوت دعارة أمام السلطات وحرب زعامة بين مافيا المخدرات في أحد الأحياء السكنية الجديدة التي دشنت خلال المرحلة الأولى لعملية إعادة الإسكان بالعاصمة ونرفض ذكر اسمها لحساسية الموضوع وعدم خلط "الحابل بالنابل"، تكاد العائلات الشريفة تضيق ذرعا بما يجري في بعض شققها حسب محدثينا ومنهم المدعو"ع.ب" الذي أكد أن بائعي الهوى ممن رحلن من مختلف الأحياء القصديرية أو الهشة بولاية الجزائر، قد حولن شققهن إلى وكر لسهرات المجون والخمر، حيث لم تشفع فرحة الحصول على سكن بالعودة إلى طريق الصواب لمثل أولئك النسوة، ليضيف أنه يقطن في عمارة رفقة بقية جيرانه الأصليين رحلوا من بلدية المعالمة وكانوا ينعمون بالسكينة والراحة، قبل أن يقرر أحد الجيران تغيير سكنه، وهو ما جعل ديوان الترقية والتسيير العقاري يمنح الشقة لإحدى المستفيدات التي حولت منزلها إلى وكر للدعارة، يرتاده الغرباء وبعض الفتيات اللواتي هربن من منازلهن حتى من خارج العاصمة، إلى جانب السكارى. وقد سبق أن دخل الجيران في شجار معها وصل صداه إلى مصالح الدرك الذين طالبونا بالدليل، وفعلا قسمنا أنفسنا إلى فرق لمراقبة منزلها ومدخل العمارة كل ليلة، إلا أنها تفطنت للأمر وأودعت ضدنا شكوى بحجة إزعاجها... ليضيف المتحدث أن بعض العمارات في الجهة الأمامية للحي توجد بها أكثر من عاهرة يعرفن بعضهن جيدا وأصبحن يتبادلن الزبائن، كما أنهن يختلقن المشاكل لأتفه الأسباب مع الجيران من منطق "ضربني وابكى وسبقني واشتكى" وبلغ الأمر ببعض ربات البيوت بمنع أزواجهن الدخول إلى البيت أو الخروج منه، إلا رفقة أحد الأبناء حتى يبتعد بأمتار عن العمارة خوفا من تعرض إحدى المموسات له أو تخطيه للسحر وما أكثره. ومازاد الطين بلة حالة أخرى لرجل شاذ حول منزله إلى بيت لممارسة الدعارة، حيث كان يجلب الزبائن إلى شقيقاته ووالدته وله أيضا... إلا أن بعض تجار المخدرات تفطنوا له ودخلوا في صراع معه، ليضطر إلى الهرب نحو فرنسا. وطرح بعض محدثينا مشكلة استفادة بعض العاهرات من السكن رغم عدم سكنهن في الأحياء القديمة، مؤكدين أن وساطة بعض الاميار مكنتهن من الظفر بالسكن في الوقت الذي تم إقصاء عدد من العائلات المحتاجة. مناوشات يومية ،"قتيل" بسبب أرجوحة وما خفي كان أعظم! انتهى كابوس السنوات السوداء في بيوت الصفيح بالنسبة للمدعوة "ف" التي استفادت من سكن لائق رفقة أربعة آلاف عائلة في حي قصديري كبير كان يقع وسط العاصمة، لكن فرحتها لم تستمر طويلاً في الحي السكني الجديد والسبب فلذة كبدها الذي دفع حياته ثمنا بسبب أرجوحة لقد قُتل ابنها "ر" وهو في عمر الزهور (17 سنة) بعد شجار حول أرجوحة أطفال انتهى بإخراج خنجر من الحجم الكبير وغرسه في قلب الضحية ليسقط جثة هامدة ويكون أول ضحية قتل في الأحياء الشعبية التي ينام ويستيقظ سكانها على الصراخ والعراك بالسيوف والخناجر بين مجموعتين من الشباب الطائشين، ومنهم مروّجو المخدرات. وغالباً ما تفضي المعارك إلى سقوط قتلى وجرحى من أبناء الحي ولاتنتهي إلا بمداهمات لفرق مكافحة الشغب وال«BRI" لتهدأ أيام ثم تندلع مجددا لأتفه الأسباب بين عصابات المتاجرة بالمخدرات والشباب المنحرفين، تستعمل فيها مختلف الأسلحة البيضاء من سيوف وخناجر وألعاب نارية على غرار البوق والسينيال، ليسقط عدد كبير من الجرحى في كل مرة مع تحطيم لعدة ممتلكات خاصة وعامة. وقد سبق للمصالح الأمنية أن حزت كمية هائلة من الأسلحة البيضاء فاقت الثلاثة آلاف قطعة خلال سنة 2015 ، أغلبها تم حجزها في المواقع الشعبية وهو واقع الأحياء السكنية الجديدة في الجزائر ومآسي أسرها التي تحول البعض منها إلى العنف وتجارة المخدرات والدعارة، إضافة إلى مشكلات اجتماعية يومية تخنق سكانها. العنف يضطر مصالح الأمن إلى تجنيد فرق خاصة في الأحياء السكنية الجديدة كشف الأسبوع الماضي قائد المجموعة الإقليمية للدرك الوطني بولاية الجزائر عن كثرة الشجارات التي تنشب عادة في الأحياء السكنية الجديدة، بعد عمليات الترحيل مرجعا السبب إلى افتقار الأحياء الجديدة إلى مرافق أمنية وحتى عمومية، مما عزز من تنامي الظاهرة ليشير إلى أن الدرك قد سخر إمكانيات خاصة لاحتوائها باستحداث 6 مراكز أمنية لاحتواء نشوب عراكات بين مجمّعات سكنية كالذي جرى في حي 1600 بالدرارية والمالحة وأولاد منديل ببئر التوتة. فيما تشير إحصائيات مصالح الأمن إلى 550 و600 جريمة ترتكب يومياً في الأحياء الجديدة، ما يعكس تصاعداً غير مسبوق لأعمال العنف في هذه الأحياء التي تضم السكان المرحّلين من الأكواخ القصديرية والهشة، خاصة خلال نشوب المناوشات اليومية بين الشباب الطائش والتي تسجل بها عدة اعتداءات، حيث لايزال العاصميون يتذكرون المناوشات التي جرت بحي المالحة ببلدية جسر قسنطينة ودامت ثلاثة أيام استعملت فيها مختلف الأسلحة وتم تسجيل عدد كبير من الإصابات. ولم تتوقف حتى قامت قوات مكافحة الشغب التابعة للدرك الوطني بمداهمة مساكن المجرمين في ساعات متأخرة من الليل. إلى جانب المناوشات التي وقعت قبيل عيد الأضحى في الحي السكني أولاد منديل ببلدية بئر التوتة جنوب العاصمة، وخلفت عددا من الجرحى مع تحطيم السيارات. ومناوشات بالسبالة والكاليتوس وبحي سيدي حماد الذي تم ترحيل قاطني الرملي إليه، حيث نشبت مناوشات بعد ثلاثة أيام على تدشين الموقع بين سكان الرملي والسكان الأصليين لسيدي حماد، وجعل السكان في كل مرة يطالبون بتوفير الأمن والأمان وفي مقدمتها مراكز الشرطة، مما جعل والي العاصمة عبد القادر زوخ يؤكد أن المواقع السكنية الجديدة التي يفوق عدد ساكنيها 3 آلاف قد تم تدعيمها بمراكز شرطة وفق سياسة محكمة بين الولاية والمؤسسات الأمنية ليؤكد قائد المجموعة الإقليمية للدرك الوطني أن كومندوسا خاصا سيتولى مهام توفير الأمن في المواقع الشعبية المدشنة حديثا ما يدل على تنامي الظاهرة. دراسة تكشف: "الأحياء الشعبية مشبعة بالعنف والإجرام" كشف دراسات قام بها مختصون في علم الاجتماع أن الأحياء السكنية الجديدة باتت "مشبعة بالعنف والإجرام"، وانتقلت العدوى من بيوت الصفيح نحو أحياء سكنية جديدة تضم مئات الأسر التي رُحّلت من مساكن قديمة يعود بناؤها إلى الفترة الاستعمارية الفرنسية. وشرح صاحب الدراسة مسار ظاهرة العنف في الأحياء السكنية الجديدة بقوله إنها "رحلة التنقل بين مكانين مختلفين جغرافياً وثقافياً واقتصادياً واجتماعياً". وأوضحت أن "المرحَّلين غيّروا مكان العيش من جدران الطوب والسقف المصنوع من الصفيح على ضفاف الوديان، ولكنهم لم يغيّروا ذهنياتهم بمجرد استفادتهم من مساكن لائقة في عمارات تحتوي على مرافق اجتماعية كالساحات الخضراء وملاعب ومصاعد كهربائية وظروف عيش جديدة". وفي المقابل، فإن سكان بيوت الصفيح يلتقون مع سكان آخرين ولدوا وترعرعوا في أحياء عريقة وشعبية في العاصمة، وهي كلها معروفة بتناسق اجتماعي وثقافي معين جعل سكانها يتآلفون ويكوّنون عادات ومسارات يومية، ما يدفع إلى صدامات بين الذهنيتين والثقافتين المختلفتين بسبب انعدام الانسجام الاجتماعي، الذي يشكل خطراً كبيراً على الأسرة الجزائرية. وعزز هذا الاختلاط في الأحياء السكنية الشعبية أو المستفيدين من "السوسيال" تفشي العنف بمختلف أنواعه وانتعاش ظاهرة الانحراف والمتاجرة بالمخدرات والحبوب المهلوسة. وكشف الدراسة أن السكنات عبارة عن هياكل إسمنتية تفتقد الروابط الاجتماعية في العمارة الواحدة أو الحي الواحد، مثل علاقة القرابة أو علاقة الجيرة، ما يضعف لدى السكان السلوك المدني والاحترام المتبادَل. وبخصوص المواجهات العنيفة المتجددة في الأحياء السكنية الجديدة، لفتت إلى أن ذهنية سكان الأحياء الفقيرة تعتمد على الزعامة والسيطرة وتنتقل معهم إلى الأحياء الجديدة ليصبح العنف جزءاً من السلوك الاجتماعي اليومي. وبهذا تتحول مساكن "السوسيال" لدى الكثيرين إلى مراقد تلجأ اليها بعض العائلات المحافظة، فيما فضل البعض الآخر منطق "تخطي راسي" وإقفال الأبواب أمام كل غريب ماعدا الجيران الأصليين.