عاشت الجزائر عقدا من الزمن في تسعينيات القرن الماضي واقتصادها تحت رحمة صندوق النقد الدولي، واضطرت آنذاك لفرض حزمة من السياسات التقشفية بدءا بإلغاء الدعم عن بعض المواد وتخفيض الأجور وإحالة مئات الآلاف من العمال على البطالة، نتيجة سياسة الخوصصة وغلق المصانع والشركات التابعة للقطاع العام، بإيعاز من صندوق النقد الدولي الذي كان يتحكم في القرار السياسي، واليوم بعد عقد ونصف العقد من الزمن لا تزال الجزائر كما كانت في التسعينات تعتمد على النفط كمورد شبه وحيد لتمويل اقتصادها، ومع الصدمة التي هوت بأسعار الذهب الأسود، عاد صندوق النقد الدولي وبنفس لهجة التسعينات ليدعو الجزائر الى إعادة هيكلة اقتصادها، ولعل لهجة التسعينيات هذه كانت ستغدو أوامر لولا أن مديونية الجزائر لدى هذه الهيئة تساوي اليوم صفرا. واعتبرت بعثة صندوق النقد التي زارت الجزائر بين 1 و14 مارس، أن لجوء الجزائر إلى الاستدانة من الخارج لا مفر منه، وطالبت بإدخال تعديلات على قاعدة 51/ 49 المحددة للاستثمار الأجنبي، مشددةً على ضرورة معالجة اختلالات السياسة النقدية، وضبط سعر صرف الدينار وفق أساسيات الاقتصاد الوطني ويتحتم على الحكومة الجزائرية حسب الأفامي تكثيف الإصلاحات ومواصلة التصحيح المالي وإجراء حزمة واسعة من الإصلاحات الهيكلية لمواجهة صدمة أسعار النفط، ومعالجة مواطن الضعف الموجودة من فترة طويلة، ذلك أن وفرة الاحتياطات من النقد الأجنبي التي تكونت في المالية العامة والحساب الخارجي، تمثل فرصة لتنفيذ الإصلاحات بالتدريج وضمان سير عملية التصحيح بسلاسة، ليدعو الصندوق الجزائر إلى اغتنام الفرصة السانحة لإعادة صياغة نموذج النمو في الجزائر. وأشار صندوق النقد الدولي إلى أنه رغم الأثر المحدود للصدمة النفطية على النمو، إلا أن الارصدة المالية والحساب الخارجي تراجع إلى حد كبير وسجل الناتج الداخلي الحقيقي زيادة وصلت إلى 3.7 ٪ في 2015 مع تحقيق نمو ملحوظ ب5٪ في القطاع غير النفطي، وارتفع التضخم إلى 4.8٪ وتضاعف عجز الميزانية ليصل إلى 16٪ في 2015 وخسرت احتياطات العملة الصعبة 35 مليار دولار في 3 أشهر، لتبلغ 143 مليار دولار نهاية 2015 مقارنة مع 194 نهاية 2013. كما اقترح صندوق النقد الدولي، فتح رساميل الشركات العمومية وقالت البعثة التي زارت الجزائر، إن التنازل عن أصول الشركات العمومية "يدخل ضمن الحلول المقترحة" سواء تعلق الأمر بفتح رأسمال أمام المساهمين الآخرين، أو التنازل كلية عن أصول الشركات وخوصصتها، مضيفا أن هذا الخيار قد يمنح للحكومة هامش مناورة، ويسمح بتقليص حجم الأموال المخصصة لدعم آلية إنتاج القطاع العمومي، بالموازاة مع التدابير التكميلية الأخرى لتنشيط سوق رأس المال والبورصة. من جانب آخر، طالب "الأفامي"، مجددا بمراجعة نظام الدعم، لا سيما وأن كلفة الدعم تعادل ميزانية وزارتي التربية والصحة مجتمعتين، معتبرا أن نظام الدعم "أصبح غير اجتماعي"، لأنه يصب لصالح الأغنياء أكثر من الفئات المحرومة، مشيرا إلى أن العائلات الميسورة تستهلك 6 أضعاف من الوقود من يستهلكه الفقراء، أي يحصلون على دعم أكبر بست مرات، وهو ما يعني أن النظام الجزائري يمنح دعما أكبر لأصحاب المال، وكلما زاد الثراء زاد الدعم، وهي الأسباب التي بررت بها "الأفامي" دعوتها لمراجعة نظام "الدعم" الحالي واتخاذ إجراءات لصالح الفئات المحرومة.