هكذا كانت حادثة اغتيال عبان رمضان بدايةً لسلسلة إعدامات أخرى أسباب وتفاصيل بداية ما سمي ب "انقلاب العقداء" كريم بلقاسم أراد نفي العموري إلى السعودية بعدما أثار قضية موت عبان العموري لكريم: السفارة بعد الاستقلال لا قبله! وقد خرجت للجهاد لا للسفارة! العموري رفض الخضوع للباءات الثلاثة "بلقاسم، بن طوبال وبوصوف" في الحلقة الرابعة من شهادته التاريخية عبر برنامج "صنعوا الحدث"، الذي يعده ويقدمه الإعلامي أنس جمعة، واصل المجاهد والوزير السابق صالح ڤوجيل سرد تفاصيل حول مراحل مهمة من تاريخ ثورة نوفمبر المجيدة. واستهل الحلقة الرابعة بالتطرق لتفاصيل غير معروفة عن الشهيدين الرمزين العقيد سي عميروش والعقيد سي الحواس اللذين رافقهما وعاش بالقرب منهما خلال تواجدهم على الحدود الجزائريةالتونسية، مشيرا إلى أنّ "سي عيمروش" بطل ثوري حقيقي، مؤكدا أنه كان يعمل بشكل كبير على تكوين الشباب المجاهد من أجل أن يكونوا إطارات تستفيد منهم الجزائر في المستقبل. وأضاف في هذا السياق، أنّه خلال هذه الفترة وجهت اتهامات ل "سي الحواس" بأنه من جماعة المصاليين وليس من الثوريين النوفمبريين، ولهذا قام كل من عميروش ومحمد العموري بتنظيم لقاء لأول مرة في تاريخ الثورة مع قناة تلفزيونية أمريكية. وقام "سي الحواس" بعقد ندوة صحفية مع القناة الأمريكية المعروفة NBC للتأكيد على أنه "أفلاني نوفمبري وليس مصاليا"، وكان الشخص الذي يترجم ل "سي الحواس" من العربية إلى الإنجليزية، صاحب البشرة السوداء والمناصر للثورة الجزائرية فرانز فانون. ونقل صالح ڤوجيل عن "سي عميروش" أنه قال "لأول مرة نتمكن من إيصال صوت الثورة الجزائرية إلى العالم عبر قناة أمريكية"، غير أن "سي عميروش" تخوّف من إمكانية ّأن تؤثر صورة المترجم وهو فرانز فانون صاحب البشرة السوداء بشكل سلبي على الرأي العام الأمريكي، باعتبار أن أمريكا كانت تعيش آنذاك تحت وطأة العنصرية المقيتة ضد السود. وأشار إلى أنّ الصورة المعروفة عن "سي الحواس" والذي تظهره باللباس العسكري المتميز والمختلف عن اللباس المعروف عن المجاهدين تم التقاطها هنا وأخذت شهرتها انطلاقا من هذه الندوة الصحفية مع القناة الأمريكية. وتطرق صالح ڤوجيل في الحلقة الرابعة إلى التحضيرات التي سبقت انعقاد مؤتمر القاهرة في 1957، وذكر أنّ المجاهدين وقيادات الثورة وفي طريقها نحو القاهرة كانت تزور أولا الولاية الأولى "الأوراس". وذكر أن الزيارة الأولى كانت لبوصوف وبومدين وقد جلبا معهما مبلغا ماليا يقدر بحوالي 150 مليونا. كما تطرق إلى زيارة عبان رمضان وهو في طريقه نحو القاهرة، حيث مر بالولاية الأولى، وهناك زار قائدها محمد لعموري، وكان صالح ڤوجيل شاهدا على اللقاء، مضيفا: "في ذلك اليوم تفاجأ لعموري برؤية عبان أمامه، لأنه كان يعرفه من قبل في سجن الحراش سنة 51، حيث كانوا ينادونه »حسان«، وبعد التحية والسلام، دخل الرجلان في الحديث، وفي خضمه سأل لعموري عبان عن غياب الولاية الأولى عن مؤتمر الصومام وإقصاء عباس لغرور وإدخال المركزيين في القيادة. علما أن لعموري كان مؤيدا لمؤتمر الصومام، وقد رد عبان رمضان على تلك التساؤلات بأن بيان أول نوفمبر ينص على جمع كل الطاقات وقد جيء بهؤلاء لتاريخهم ونضالهم، ولو لم نأت بهم لكانت فرنسا ستستعملهم، وأوضح له بأنه اشترط عليهم أن يأتوا كأفراد، ففرحات عباس مثلا قام بحل حزبه لما انضم إلى قيادة الثورة". وبشأن إعدام عباس لغرور، قال صالح ڤوجيل إنه لم يعش هذه الأحداث عن قرب، مشيرا إلى أن ما ورد في كتاب صالح لغرور، شقيق عباس لغرور من شهادات حول اغتيال عباس لغرور، كانت في المستوى وأغلبيتها صحيحة. مؤكدا أن التهمة الموجهة إليه بشأن إعدامه لشيحاني بشير، كانت مجرد غطاء وحجة لإعدامه وليست السبب في إقدام لجنة التنسيق والتنفيذ CCE على إعدامه، مؤكدا أن عباس لغرور كان شخصية مثقفة جدا ومجاهد كبير حقيقي. وتطرق ضيف البلاد إلى المرحلة التي تبعت اجتماع القاهرة (20 أوت 57)، حيث أشار إلى أنه تم تنصيب لجنة العمليات العسكرية (فيفري 1958) المعروفة ب"كوم"، وفي أول اجتماع لها بالكاف في تونس، قيّمت وضع الثورة وجيش التحرير مع بداية بناء خط موريس، لكنها تحدثت أيضا عن مصير القيادات التي خرجت في مؤتمر القاهرة وموت عبان رمضان في المغرب (ديسمبر 1957). وفي الاجتماع تساءل محمد لعموري، الذي كان يعرف عبان رمضان، كيف أن قياديا في الثورة يموت وتجهل الأسباب؟ وهذا ما أثار حفيظة كريم بلقاسم الذي رد عليه: "من أين تعرف عبان أنت؟ عبان ابن عمي وأنا الذي جندته"، ثم عقب لعموري، كما نقل صالح ڤوجيل عنه في الحلقة الرابعة من "صنعوا الحدث" قائلا: لو قتلوك أنت ألا نتكلم عنك؟ إنه عضو قيادي، قلتم إنه مات في معركة وتبين أنه مات في المغرب ونحن نريد معرفة الحقيقة"، مضيفا أنه "وبالتزامن مع اجتماع "كوم"، انعقد اجتماع آخر ضم قيادات الداخل، حضره عميروش وسي الحواس والحاج لخضر بوڤرة، ثم ذهب الثلاثة إلى علي كافي الذي لم يأتهم، وقدموا كلهم مقترحات للجنة التنسيق والتنفيذ، طرحوا فيها مسألة موت عبان، ومن خلال الاجتماعين تبين للباءات الثلاثة بلقاسم وبن طوبال وبوصوف أن هناك انسجاما بين قادة الداخل والخارج حول المطالبة بمعرفة حقيقة موت عبان، لكنهم لم يحاولوا حل الإشكال، وتركوا الوضع إلى غاية انعقاد مؤتمر المجلس الوطني للثورة سنة 1958". وبشأن اجتماع مجلس الثورة 1958، قال صالح ڤوجيل إن محمد لعموري، اقترح لما حان موعد اجتماع المجلس أن يكون بالجزائر حتى يعطى للشعب صورة بأن القيادة موجودة في الداخل، كريم بلقاسم وبن طوبال رفضا ذلك لدواع أمنية ومخافة التسبب بمشكل للتوانسة، لكن لعموري أصر على موقفه، ثم رضخ في الأخير لما رأى الجميع متفقين على القاهرة، غير أن الذاهبين للاجتماع فوجئوا عند وصولهم للعاصمة المصرية أن الاجتماع لم يعقد أصلا، وقيل لهم لقد عينا حكومة مؤقتة يرأسها فرحات عباس. وتابع صالح ڤوجيل قائلا: "الأدهى من ذلك أنه تقرر معاقبة جماعة "كوم" الذين تكلموا عن موت عبان رمضان، فأوقف الكولونيل ناصر (محمدي السعيد) مدة شهرين، وأرسل بن عودة ممثلا للثورة في لبنان وبوقلاز في بغداد". وغداة هذا الحدث الهام، يقول صالح ڤوجيل، أبلغ كريم بلقاسم وزير القوات المسلحة في الحكومة المؤقتة، العموري، بالقرار الذي كانت لجنة التنسيق والتنفيذ قد اتخذته بشأنه: تخفيض رتبته من عقيد إلى نقيب، واقترح عليه في الوقت نفسه تعيينه ممثلا للحكومة الجديدة في جدة بالمملكة السعودية. وأكد صالح ڤوجيل أن العموري رد غاضبا: "السفارة بعد الاستقلال لا قبله وقد خرجت للجهاد لا للسفارة". وتابع صالح ڤوجيل سرده لهذه الأحداث قائلا: "بعد فترة تلقيت مكالمة من العموري وقد وصل إلى طرابلس، يطلب منه أن أرسل إليه سيارة وسائق فلبيت طلبه بواسطة العقيد انواورة.. ولما حل بمدينة الكاف القريبة من الحدود زرته هناك، ثم عدت إلى تونس". وأضاف في هذا السياق، أن كريم بلقاسم اتصل به وأراد ملاقاته، فما كان من صالح ڤوجيل سوى تلبية هذه الدعوة وذهب إليه في مكتبه رفقة كل من العقيد انواورة وبلهوشات ومحمد ملوح واستقبلهم محمد الشريف. ويضيف صالح ڤوجيل قائلا: "طلب منّا أن يدخل كل واحد منا على حدة.. ولما هممت بالدخول قال لي محمد الشريف "كون عاقل" وعندما دخلت إلى كريم بلقاسم حاول الأخير تبرير ما فعله مع محمد العموري وأنا قلت له: "أنا أعرف جيدا محمد العموري وقد كنا نناضل مع بعض قبل الثورة وخرجنا مع بعض للالتحاق بالجبل وأعرف جيدا إخلاصه للوطن وللثورة.. ولو تقول لي العكس بأنه ارتكب شيئا مشينا في الثورة سأكون أنا أول من يخرج عليه"، وأضاف صالح ڤوجيل: "جوابي لم يعجب كريم بلقاسم الذي قال لي مباشرة "الحوار انتهى" بالفرنسية l'entretien est terminé ".. فكانت هذه بداية الحادثة المعروفة إعلاميا ب "انقلاب العقداء" أو "مؤامرة العموري". .. يتبع