نقل مدنيون نجحوا في الفرار من مدينة سرت شهادات عن أوضاع المدينة خلال الأيام التي سبقت وصول قوات عملية البنيان المرصوص التي استطاعت أن تضرب حصارا خانقا على التنظيم في المدينة. وتعكس شهادات الناجين من سرت حالة من الارتباك اجتاحت التنظيم في الآونة الأخيرة، فبعد أن كانت طرقات ومباني المدينة تمتلئ بالمقاتلين الملثمين وصيحات خطبائهم لا تتوقف على المنابر باتت شوارع المدينة خالية تقريبا بل ومساجدهم ومقارهم التي يعقدون فيها دوراتهم التعليمية ويجر لها الناس إجبارا. حرب قوات البنيان المرصوص التابعة للمجلس الرئاسي عليها منذ مطلع الشهر الجاري جعلته يتخذ سبلا جديدة لاستمرار إحكام سيطرته على المدينة فأوجد سياسة تفخيخ محيطها بالألغام ليشكل سدا منيعا أمام قوات البينان المرصوص بالإضافة لمنع الأهالي العالقين داخلها من الفرار. وكما لا يخفى أن ضربات قوات البنيان المرصوص أوجعت التنظيم داخل المدينة وأفقدت الحصار المضروب عليه الكثير من مقاتليه بين موتى وجرحى في مستشفى المدينة الوحيد كما أنه فقد الكثير من عتاده جراء الضربات الجوية المتتالية على مواقعه. شهود عيان تحدثوا قائلين إن "عمليات الذبح والصلب وتنفيذ الحدود والقصاص" تكاد تكون اختفت كليا وبدأ التنظيم ينحوا في اتجاه مهادنة الأهالي. وقال أحد الشهود إن الحصار على المدينة حال دون دخول المعونات أو الأموال أو الإمداد العسكري الذي كان يصله من جهات مجهولة عبر الصحراء جنوبا. وفي مؤشر لنضوب مصادر تمويل داعش أفاد الشهود بأنه عرض على الأهالي دفع فدية مالية لاستلام أبنائهم المحتجزين في سجونه، مؤكدين أن أسرة بالمدينة تمكنت من استلام أربعة من أبنائها بعد دفع فدية مالية للتنظيم. وأضاف الشهود لقد أفاد أحد المحتجزين بعد إطلاق سراحه بأن التنظيم أطلق سراح سائقي شاحنات كانوا محتجزين لديه منذ أكثر من سنة مقابل أموال دفعها أهاليهم وعرض سياراتهم في السوق الخاص لبيعها. ويبدو أن فقدان التنظيم لمصادر تمويله يشكل عاملا إضافيا يهدد تماسكه واستمرار بقاء المسلحين للقتال في صفوفه سيما وأن تقارير غربية تحدثت عن اعتماد التنظيم على "المرتزقة" الأفارقة للقتال في صفوفه. ونقل شهود العيان شهادات تفيد بأن التنظيم يعاني من انشقاقات في صفوفه فبعض البيانات التي تبثها الإذاعة المحلية بالمدينة تهدد بقتل كل من "يتولى يوم الزحف" وأن التنظيم بالفعل أقدم على إعدام بعض عناصره الذين قبض عليهم أثناء محاولتهم الفرار من سرت. وكانت غرفة عمليات البنيان المرصوص قد أعلنت عن مقتل القيادي البارز "خالد الشايب" المتهم في تنفيذ تفجير بمتحف باردو في تونس الأشهر الماضية، أعلنت عن مقتله أول من أمس في اشتباكات جنوب سرت بالإضافة لعدد آخر من قيادات التنظيم خلال غارات جوية شنها طيران البينان المرصوص. فقدان التنظيم لعدد من قياداته وربما هروبها خارج سرت بات هو الآخر يشكل ضغطا آخر على قوته، فالقادة عادة ما يمتلكون المعلومات التي تدير المعارك فضلا عن اتباع التنظيم لأسلوب تنفيذ الأوامر مباشرة من قبل القيادات. وأفاد الشهود بأن خطب التنظيم من خلال ما تبثه الإذاعة تركز على الاستعداد لما وصفته ب"الجهاد الحقيقي" ضد قوات الجيش التي تصفها ب"المرتدة" مما يعني أن التنظيم يعرف أن المواجهة الحقيقة ستكون قبالة الجيش الوطني الذي امتلك الخبرة الكافية من خلال تعامله معها مباشرة في بنغازي والذي باتت قواته على مشارف سرت جنوبا وشرق الجنوب.