شكلت تطورات الساعات الأخيرة في العلاقات الثنائية بين الجزائروالرباط، مفاجأة للمراقبين، حيث استقبل الوزير الأول عبد المالك سلال مبعوثا حمل رسالة من الملك محمد السادس إلى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ممثلا في ناصر بوريطة الوزير المنتدب للشؤون الخارجية، باعتباره من الوزراء المحسوبين على الملك. اللافت في اللقاء المفاجئ أنه تطرق إلى قضايا جد حساسة تطبع التوتر بين البلدين أمنيا على الحدود وفي المنطقة، وهو مؤشر يحمل أكثر من دلالة، خصوصا أن رسالة الملك جاءت وكأنها خريطة طريق لمستقبل التفاهمات بين الجزائر والمغرب على عدة مستويات، قد تنتهي بانفراج في العلاقات المتوترة منذ أزيد من 20 سنة. اللافت في زيارة مبعوث الملك محمد السادس إلى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، هو مستوى الوفد الأمني الذي رافق ناصر بوريطة، ونخص بالذكر مدير الإدارة العامة للدراسات والمستندات ياسين المنصوري، وهنا نفتح قوسا للإشارة إلى أن المنصوري هو صديق الطفولة للملك محمد السادس، حيث درسا مع بعض خلال المرحلة الأولى، وهو ما يعني أنه رجل الثقة والمسؤولية لدى القصر، الذي كلفه بقيادة أقوى أجهزة مكافحة التجسس والأمن في المغرب.وفي سرد مقتضب لعناوين المحادثات التي جرت بين الوزير الأول عبد المالك سلال ومبعوث الملك، فإنها تمحورت حول العلاقات الثنائية بين البلدين، كما سمح بتبادل وجهات النظر حول التحديات التي تواجهها إفريقيا والعالم العربي. كما تم التركيز على الأمن الإقليمي، لاسيما مكافحة الإرهاب، والجريمة المنظمة والمسائل المرتبطة بالهجرة والأمن والتنمية. وفي الجانب الجزائري، فإن مشاركة المستشار لدى رئاسة الجمهورية مكلف بالتنسيق بين أجهزة الأمن، يعكس مستوى النقاش والمحادثات والمهمة التي جاء من أجلها موفد الملك للجزائر، والتي تحمل في عمقها أولويات الأمن ومكافحة الجريمة والإرهاب، وهي من الملفات الشائكة في العلاقات الثنائية بين البلدين. فهل الأمر مقدمة لحوار بناء يؤدي إلى الانفراج في العلاقات وعودتها إلى مستوى يتجاوز أزمة التسعينيات التي عصقت بها؟ من الواضح أن تطورات المواقف والأحداث في المنطقة وفي العالم تدفع دون شك الطرفين إلى تجاوز الخلافات وبحث المستقبل وفق رؤية مشتركة تأخذ بعين الاعتبار كافة الإشكاليات المطروحة على الساحة المغاربية، التي تضررت كثيرا من هذا الخلاف، كما أن المغرب يمكن له أن يعالج بعض الاختلالات الناتجة عن توتر العلاقات بكل ليونة مما يدفع أو يشجع الجزائر على دفع الحوار مع الرباط إلى مستوى يسمح بتفادي تكرار التوتر بين البلدين، ومن مصلحة المغرب أن تقدم الجزائر على إعادة فتح الحدود المغلقة منذ نحو 20 سنة، مثلما سيقلل شيئا فشيئا هذا من الأعباء الأمنية والاجتماعية بين البلدين جراء غلق الحدود.