قد يعتقد المتحمسون للسلطة في الجزائر أن من واجبهم إضعاف المعارضة وتعميق جراحها ومحاصرتها أينما حلت ، قد يظنون أنهم يحسنون صنعا عندما يكشفون عيوبها ويقسمون أحزابها ، وقد يعتقدون أيضا أن مهاجمتها بقسوة وغل هي خدمة كبيرة للوطن! مهلا لا داعي للفرح والابتهاج فأنتم تطلقون النار على أرجلكم ، وتدفنون كل بذور الديمقراطية والممارسة السياسية السليمة ، فالمعارضة ليست طابورا خامسا وجب القضاء عليها ، وليست لفيفا أجنبيا ، هي في الفكر السياسي الحديث "ضميركم" وكما يقول المثل " "الصديق من أبكاك لا أضحكك" ، كان على المولاة وعلى الحكومة أن تعقد مجالس طارئة لحل أزمات المعارضة ، وأن تقيم على حالها المترهل مأتما وعويلا لبحث المصيبة الكبيرة. طبعا المعارضة الجزائرية بمختلف أطيافها تعاني من مشاكل كبيرة في الأداء والتنظيم والخطاب وتعاني من دينصورات سياسية عمرت طويلا في كراسيها ، وهذه كلها مآزق ترتبط بشكل عضوي بالتصحر السياسي وبغياب مبدأ التداول على السلطة، فالمعارضة التي لا تتذوق شراب الحكم ، تبقى مياهها راكدة وتصاب بالتكلس والجمود ، وقد يصل الأمر إلى الجنون ، هل يمكن أن نتصور نظاما فرنسيا بدون المعارضة اليمينية أو نظاما بريطانيا بدون المعارضة العمالية، أو نظاما أمريكيا بدون المعارضة الجمهورية ، هل يمكن أن نتحدث عن نظام ديمقراطي يكون فيه وصول المعارضة للحكم كحلم إبليس في دخول الجنة! تيئيس المعارضة في الكرسي هو مخاطرة ومقامرة سياسية أثبتت عدم جدواها وأنها مدخل للشر المستطير ولكل أنواع الفتن والاضطرابات ، على الجميع أن يعمل وأولهم الحكومة على تقوية المعارضة والأخذ بيدها لتنظيم نفسها وتطوير أدائها وبلورة خطابها السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، ولكي تكون بديلا واقعيا وجاهزا يعي مسؤولية الحكم وكل التوازنات في البلاد ، أتحدث طبعا عن المعارضة الوطنية والحقيقية بكل أطيافها وليس المطلوب خلق أحزاب شكلية تلعب دورا مسرحيا من أجل تجميل الديكور ، فهنا نحن نكذب على أنفسنا فقط . لا يفترض بالجالسين على كرسي الحكم اليوم أن ينزعجوا من الأصوات المرتفعة ومن المطالب بالإصلاح ، وليست مهمتهم حشر الغاضبين في الزاوية ودفعهم إلى خيارات ضيقة ، فالمعارضة هي صمام أمانهم وشرعيتهم ، والإسمنت المسلح للجبهة الداخلية في مواجهة كل المؤامرات والأجندات الأجنبية ، كما أنها الأوكسجين الذي يجب أن يتنفسه أي نظام سياسي حديث . للتواصل مع الكاتب من خلال صفحته الرسمية على موقع "فيسبوك": https://www.facebook.com/anes87 أو من خلال البريد الإلكتروني: [email protected]