يعتقد المحلل السياسي حسني عبيدي، بأن نظرة الرئيس بوتفليقة للحكم لا تتطلب عناء الاحتكاك المباشر مع المواطنين إذ يكفيه فقط شبكة من العلاقات و التحالفات التي يتحكم فيها محيطه. ويشير عبيدي في هذا الحوار مع "الخبر" إلى أن تبييض صورة شكيب تتضمن رسالة من الرئيس يقول فيها بأنه وفي لمن بقي له ولن يتخلى عنه. تقترب الجزائر من السنة الثانية لانتخاب الرئيس بوتفليقة لولاية رابعة دون تسجيل أي احتكاك مباشر له مع المواطنين أو مؤسسات الدولة. ما هي دلالات استمرار هذه الوضعية؟
حسابات الرئيس تختلف كثيرا عن حسابات معارضيه. نجاحه في الترشح والفوز بولاية رابعة يعد في حد ذاته مكسبا كبيرا. استمراره في السلطة و إبعاده لمنتقديه دعم موقفه وزاد من مناصريه و أضعف شوكة معارضيه. بقي مشروعان لا ثالث لهما للرئيس: مغادرة المرادية وهو رئيساً وتأمين ضمانات سياسية و قضائية للمحيطين القريبين منه. أما المشاريع الإصلاحية سياسيا واقتصاديا فلم تكن يوما أولية بوتفليقة ولا تكون في المستقبل. بالنسبة لبوتفليقة إدارة البلد لا تحتاج لأي احتكاك مباشر مع مواطنيه وإنما عبر شبكة من العلاقات و التحالفات يتحكم فيها محيط الرئيس. هذه الصورة تحمل دلالات مهمة: رغم عودة بوتفليقة للجزائر وكونه رئيساً لأربع عهدات إلا أنه مازال في حالة طلاق و عزلة سياسية منذ مغادرته للجزائر. و كأنه يحمل الجزائريين مسؤولية ما حصل له بعد وفاة بومدين و يريد تعويض ما فاته. أكثر من ذلك يريد أن يجرد المعارضة السياسية من مصداقيتها و إظهارها بمظهر العاجز تماما عن إحداث أي تغيير في المشهد السياسي. الرئيس بوتفليقة بغيابه في الجزائر و عدم قدرته على التواصل مع مواطنيه و إرباك المشهد السياسي يتحمل مسؤولية كبرى في التقليل من جدوى العمل السياسي و الحراك السلمي وهو أمر من شأنه أن ينفر المجتمع من النضال السياسي و الحزبي لصالح أدوات أخرى للتغيير نرفضها جملة و تفصيلا. كيف قرأت عودة شكيب خليل إلى الجزائر. إعادة اعتبار لإطار مظلوم أم محاولة لطمس قضايا فساد ميزت فترة حكم الرئيس؟ عندما تتعطل العدالة تتعطل الجمهورية. عودة شكيب خليل تشبه ذهابه. الرجل فر من مسار قضائي و عاد في صمت قضائي هو صورة طبق الأصل لحال الجزائر. و هذا أحسن رد على الذين يتشدقون بالدولة المدنية. بدون عدالة مستقلة و نزيهة لا مجال للحديث عن المدنية. و هي أيضا رسالة سلبية إذا أردنا الحفاظ على ممتلكات الدولة و ضمان شفافية من يسيرها. الرسالة مفادها أن العدالة معلقة حتى إشعار جديد. الأمر الذي من شأنه أن يشجع على الفساد و التلاعب بأموال الشعب . إذا كان الوزير خليل مقتنعا بكفاءة المؤسسات الجزائرية و مقتنعا ببرائته فمن حقه أن يدافع عن نفسه و يرفع دعوى لرفع الاتهام لكن هذا أمام القضاء الجزائري و ليس أمام الزوايا. أما تسييس الاتهامات ضده و إقحام مؤسسة أمنية فهو أمر لا يليق بإطار سامي و لا بسمعة الجيش الذي هو أولا و أخيرا مؤسسة جزائرية.
هل تأتي عودة شكيب خليل في إطار ترتيبات معينة لمرحلة ما بعد بوتفليقة؟
تشهد الجزائر مسارا مقلقا يتمثل في استحواذ رجال الأعمال و المصالح على مفاصل الدولة في ظل غياب إطار سياسي وقانوني يمنع التداخل بين المصالح و استحواذ فئة على القرار السياسي. أخطر من ذلك غياب وتغييب أي قوة مضادة قادرة على تحقيق التوازن و الاستقرار. عودة شكيب خليل جاءت لتتوج مرحلة تقويض صلاحيات الدياراس وإحالة بعض موظفيها. كما تأتي لدعم صفوف محيط الرئيس الذي يحتاج لرجال مخلصين. يغلب على الرئيس بوتفليقة الطابع الشخصي في اختيار سياسته و حلفائه لذا فإن إعادة شكيب خليل رسالة يقول من خلالها الرئيس بأنه وفي لمن بقي له ولن يتخلى عنه. من هنا فإن تأهيل شكيب خليل يدخل في إطار تدعيم و تأمين المحيط الذي يواكب ما بعد مرحلة بوتفليقة التي ربما ستشهد ذهاب عبد العزيز لكن يبقى بوتفليقة. أعتقد أيضا أن شكيب خليل لن يتردد في لعب دور سياسيي متقدم في المرحلة القادمة لضمان حصانة قضائية و لأن وجوده قرب الرئيس أصبح ملحا في عملية توزيع الكراسي الدورية.
شهدت الجزائر يوم الأربعاء الماضي تجمعين سياسيين للموالاة والمعارضة. هل يمكن اعتبار ذلك دليلا على عودة الحراك السياسي إلى الجزائر؟
الفراغ السياسي علامة غير صحية في مسار الدول و الشعوب. أصبحت الجزائر ماركة مسجلة في الشلل السياسي، في تقهقر الأداء الحزبي و غياب المجتمع المدني. ما يغلب على الحراك في الجزائر أنه فقد زمام المبادرة السياسية و الاقتصادية. جزء من المعارضة يخشى تلغيمه من الداخل و ما بقي يفتقد لمشروع مجتمعي يؤهله للعب دور متقدم في المعارضة السياسية في ظل احتكار النظام لجل الوسائل المتاحة. اعتقد أن مأزق السلطة الحاكمة انعكس على محدودية المعارضة في ممارسة وظيفتها.
المطالبة بالانتقال الديمقراطي مطلب مشروع و ضرورة قصوى من أجل ضمان شروط الاستقرار السياسي. لكنه يبقي أسير النخبة. بمعنى ان المواطن العادي لا يملأ جيبه الانتقال الديمقراطي و إنما إجراءات ملموسة. و هو الامر الذي تجسده السلطة. و بالتالي من الأحرى بالمعارضة ان تقترب أكثر بالمواطن و تعيد صياغة خطابها ليكون مقترنا بالصعاب اليومية للمواطن. الواقع المعيشي، السكن التربية و التعليم و البطالة و غيرها من الهموم الحقيقية. عندنا تتحدث المعارضة عن الانتقال تقترح السلطة رفع المعاشات و تشجيع السكن الاجتماعي. عندما تتحدث المعارضة عن الانتقال الديمقراطي، تقول السلطة انظروا حال الدول التي أرادت الانتقال انها ليبيا و سوريا و اليمن. أكثر من ذلك، عندما تطالب المعارضة السلطة بالدخول في التفاوض لأجل الانتقال الديمقراطي هي تعطيه شرعية ولا يستحقها و تضع نفسها في موقع الضعيف. المعارضة تطالب السلطة بالمشاركة التفاوضية و كأنها تطلب من النظام منحة إجتماعية اسمها "الانتقال الديمقراطي ".
ما رأيك في خطاب المخاطر الأمنية (الجدار الوطني) الذي تتبناه المولاة؟
المولاة تتحدث عن جدار الخوف وليس الجدار الوطني. إنه خطاب تبنته جميع الأنظمة السلطوية و الشمولية التي ترى في التغيير والإصلاح مؤامرة ضد الدولة. وبما أن النظام يفتقد لمقومات الإصلاح والتغيير ويرفض الخطاب العقلاني فانه يلجأ الى لغة تدغدغ مشاعر الناس. لغة شعبوية تلجأ للتخويف من المستقبل. لان المخاطر الأمنية الإقليمية تهدد أمن الجزائر ولان موارد البلد محدودة يتحتم بناء استراتيجية وطنية توافقية لمواجهة التحديات. الدول التي تعاني اليوم من هزات أمنية و سياسية كانت دول الامتناع عن الإصلاحات الحقيقية فتحولت الى جمهوريات الخوف. ديبلوماسيا تشهد العلاقات الجزائرية السعودية بعض التوتر ويجاهر سياسيون مقربون من الرئيس بمهاجمة السعودية. هل يمكن أن يتعمق الخلاف مستقبلا في اعتقادك؟ من المؤسف ان تصل العلاقات ببين دولتين مهمتين في النظام الإقليمي العربي الى مستوى لا يليق بهما. التصريحات الجزائرية غير موفقة لأنها تخدم مصالح دول أجنبية هدفها عزل الجزائر عربيا و إسلاميا. إذا كانت ايران بقوتها تجنبت التصعيد مع السعودية لماذا تصعد الجزائر. تعثرت الجزائر في مواكبة موجة التغيرات في ليبيا و تونس وفي منطقة الساحل و لعب دور أساسي لصالح دول أخرى. لم تستثمر الجزائر سياسيا الجهد العسكري الجبار الذي تقوم به من أجل تأمين الحدود مع تونس و ليبيا. اي انها مازالت أسيرة عقيدة دوغمائية لا تتلائم مع الساعة. من حق الجزائر أن تخالف السعودية في قضايا إقليمية ومن حق الجزائر أن تدافع على مصالحها العليا داخليا و خارجيا لكن في صمت و هدوء. الجزائر مؤهلة أكثر من غيرها للعب دور الوسيط النزيه في ليبيا وبين ايران و السعودية بدل الركض وراء تصريحات لا تتجاوز الاستهلاك الداخلي