ترحاب كبير من القيادة السعودية ممثلة بالملك سلمان بالوفد الجزائري الذي قاده الوزير الأول عبد المالك سلال ، وظهرت هذه الحفاوة في الأجندة السياسية و الاقتصادية للزيارة وفي الزخم الإعلامي الذي رافقها ، بالإضافة إلى رغبة سعودية واضحة بإظهار علاقاتها مع الجزائر على أنها أكثر من ممتازة. طبعا العلاقة بين البلدين لم تكن بهذه الصورة الوردية في الآونة الأخيرة لاختلاف وجهات النظر في العديد من الملفات الإقليمية ، وعلى رأسها سوريا أين تميل الجزائر إلى دعم الرئيس بشار الأسد فيما تخوض المملكة حربا شرسة لإسقاطه ، نقطة خلاف أخرى تمثلت في النظرة إلى حزب الله اللبناني أين رفضت الجزائر قرار جامعة الدولة العربي في تصنيفه كتنظيم إرهابي بايعاز "سعودي- خليجي" ، وحتى في حرب اليمن اتخذت الجزائر موقف الحياد. دائما ما كانت العلاقة بين البلدين معقدة ، لاختلاف كبير في نمط الحكم بين الملكي والجمهوري وللتحالفات الدولية أين تصنف الجزائر عادة في المعسكر الشرقي بينما اتجهت المملكة غربا نحو الولاياتالمتحدة ، وحتى في القضية الفلسطينية أو الحرب على العراق أو إسقاط القذافي إلى العلاقات مع المغرب يقف البلدان على طرفي نقيض ، كل هذا لم يمنع من ترقية العلاقات الثنائية التي كانت دائما ممتازة ، فالسعودية لها مواقف تاريخية داعمة للجزائر خاصة إبان الاستعمار الفرنسي ، في حين تنظر الجزائر إلى المملكة كأرض للحرمين، والعلاقات معها تكتسي طابع الإستراتيجية ، بالإضافة أن البلدين نفطيين وهو قاسم مشترك مهم فرض التنسيق بين الجزائروالرياض في أوبك وغيرها من المحافل. يعتبر ولي العهد السعودي الامير محمد بن نايف أكثر رجل في القيادة السعودية إطلاعا وخبرة بملف العلاقات مع الجزائر ، وله علاقات صداقة شخصية مع كبار المسؤولين بدءا من الرئيس بوتفليقة ، وله زيارات رسمية دورية للعاصمة بالإضافة إلى زيارات خاصة للممارسة هواية الصيد في الصحراء ، الأمير نايف المعروف بتحفظه وبوقوفه ضد موجة الثورات العربية وبدبلوماسية حذرة في الملفات الشائكة ، وهو نهج السلطات الجزائرية ، كان دائما معجب بتجربة الجزائر في محاربة الإرهاب وبالمصالحة الوطنية و طبق نفس المنهج في المملكة باعتباره وزيرا للداخلية منذ عدة سنوات، ومن المرتقب أن يلعب دور كبير في تزخيم العلاقات بين البلدين ورفع التنسيق والتعاون إلى حدوده القصوى. الرياض في الآونة الأخيرة تعيش هواجس إستراتيجية كبيرة ، بفعل التوسع الإيراني في المنطقة ، إضافة إلى توتر علاقاتها مع الولاياتالمتحدة بعد قانون جاستا الذي توعد بمحاسبة الدول التي يتنمي إليها الإرهابيون في هجمات 11 سبتمبر وهي المعنية الأولى ، وأيضا خلافاتها الكبيرة مع مصر أقوى حليف عربي التي ظهرت بشكل مفاجئ مؤخرا . في هذا الوضع الدولي الضاغط تبحث الرياض عن متنفسات لها ، والجزائر لديها الكثير من المقومات السياسية والاقتصادية لتكون شريك موثوق للسعودية ، لهذا من المتوقع أن نشهد استثمارات مالية كبيرة في مشاريع بالجزائر، كما ستنشط الاتصالات في مجالات محاربة الإرهاب وإعادة الاستقرار إلى ليبيا أين تعد الجزائر لاعب إقليمي لا غنى عنه ، مع وإمكانية حلحلة الوضع مع المغرب. ويبدو أن المملكة قد اقتنعت أخيرا أنه من الخطأ وضع كل بيضها في سلة المغرب بالمنطقة ، و أن الخلاف في القضايا الإقليمية مع الجزائر لا يعني بالضرورة الزهد في التعاون الاقتصادي والسياسي في المجالات المتفق عليها والتي تحقق مصالح الطرفين وكم هي كثيرة ! للتواصل مع الكاتب من خلال صفحته الرسمية على موقع "فيسبوك": https://www.facebook.com/anes87 أو من خلال البريد الإلكتروني: [email protected]