حذّرت المملكة السعودية، في أول رد فعل رسمي لها الكونغرس الأمريكي، من العواقب الوخيمة والخطيرة التي قد تترتب عن سن قانون ”العدالة ضد رعاة الإرهاب” المعروف إعلاميا ب”جاستا”. ونقلت وكالة الأنباء السعودية عن مسؤول بوزارة الخارجية قوله إن اعتماد القانون يشكل مصدر قلق كبير للدول التي تعترض على مبدأ إضعاف الحصانة السيادية، باعتباره المبدأ الذي يحكم العلاقات الدولية منذ مئات السنين. وأضاف المصدر أنه من شأن القانون إضعاف الحصانة السيادية والتأثير سلباً على كافة الدول، بما في ذلك الولاياتالمتحدة. ولفت المصدر إلى أنّ الإدارة الأمريكية قد عارضت القانون بصيغته، على لسان الرئيس أوباما، ووزير الدفاع، ورئيس هيئة الأركان المشتركة، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية.وأوضح المصدر أن قانون جاستا لقي معارضة العديد من الدول، إضافة إلى خبراء أمريكيين في الأمن القومي؛ لما يحويه من تهديد للعلاقات الدولية. وأعرب عن أمله في أن تسود الحكمة والتعقل؛ وأن يتخذ الكونغرس الأمريكي الخطوات اللازمة لتجنب تداعيات القانون.ويمثل التصويت ضد فيتو الرئيس ضربة لأوباما وللسعودية حليفة واشنطن في الشرق الأوسط التي تعرضت في الآونة الأخيرة لانتقادات شديدة في الكونغرس الأمريكي. وجاء تصويت مجلس الشيوخ الأمريكي اللاغي لفيتو الرئيس بالرغم من تحذيرات أوباما ووكالة ال ”سي آي إيه” بشأن تداعيات التشريع على الأمن القومي والمصالح الاقتصادية والإستراتيجية للولايات المتحدة. وكانت نتيجة التصويت رفض 348 نائبا للفيتو الرئاسي مقابل 76 وهو أكثر من أغلبية الثلثين التي يحتاجها مجلس النواب لإسقاط الفيتو.ووصف أوباما تصويت الكونغرس بإسقاط الفيتو ضد القانون بالخاطئ. وقال أوباما خلال مقابلة مع شبكة ”سي.إن.إن”: ”إذا ألغينا فكرة الحصانة السيادية فإن رجالنا ونساءنا من العسكريين حول العالم قد يرون أنفسهم عرضة لخسائر متبادلة”. مضيفا ”إنها سابقة خطيرة”.ومن جهته حذّر وزير الدفاع آشتون كارتر من أن نقض القانون سيكون مضراً للقوات الأمريكية، وسيفسح المجال لدول أخرى لمقاضاة أميركيين، بسبب أعمال خارجية تلقت الدعم من واشنطن. وكان الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية السعودي، أعرب الأربعاء الماضي، عن استغربه لقرار الكونغرس، وقال إنّ ”إقراره يلغي أهم المبادئ التي قام عليها القانون الدولي، أي مبدأ الحصانة السيادية ”، محذراً مما سيترتب عنه من تبعات سلبية بالغة”. وقال بن نايف فيسياق كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أنّ ”المملكة بذلت جهوداً كبيرة في إحلال السلام وإرساء الاستقرار في المنطقة والعالم”، مشدداً على أنّ ”محاربة الإرهاب هي مسؤولية مشتركة تتطلب تضافر الجهود الدولية”. الانتقام سيصبح خليجيا والأمريكيون سيتراجعون حينما يأتي وقت الجد وأكدت وكالة ”أسوشيتد برس” فى تقرير لها تحت عنوان ”المملكة السعودية تحذر الولاياتالمتحدة على خلفية قانون 11 سبتمبر، إنها قد تسحب أموالها من الاقتصاد السعودي” أنّ المملكة ستلجأ إلى ترسانة من الإجراءات الانتقامية للرد على القانون بينها تجميد العلاقات الرسمية وسحب مليارات الدولارات من الاقتصاد الأمريكي وإقناع أشقائها في مجلس التعاون الخليجي باتباع سياستها التي قد تشمل تجميد التعاون في مجال مكافحة الإرهاب والتعاون الاقتصادي والاستثمار والسماح للقوات المسلحة الأمريكية باستخدام قواعد المنطقة العسكرية.وقال عبد الخالق عبدالله، المحلل السياسي والأستاذ في جامعة الإمارات ”ينبغي أن يكون واضحا لدى الولاياتالمتحدة وبقية العالم أنه إذا تم استهداف دولة من دول مجلس التعاون بكيفية غير عادلة فإنّ باقي أعضاء المجلس سيدعمونها”. وشدد على أن جميع أعضاء المجلس سيساندون المملكة بكل الطرق والأساليب.ومن جهته أكد عضو مجلس الشورى السعودي السابق محمد آل زلفى لوكالة ”سبوتنيك” الروسية، أن الأمر سيتحول إلى ما يشبه الفوضى بالنسبة لأمريكا والمتضرر الأول هو أمريكا، أما بالنسبة للملكة العربية السعودية فقد برأت ساحتها من المحاكم الأمريكية التي يريدون عن طريقها طلب التعويضات. لافتا إلى أنّ الجانب الأمريكي سيتراجع حينما يأتي وقت الجد. وأوضح آل زلفى أن واشنطن تضحي بعلاقتها مع أقوى وأقدم حليف لها بالشرق الأوسط وهي منطقة هامة وحيوية بالنسبة لها. كما وصف زلفى خطوة الكونغرس ب”المراهقة السياسية ومغامرة بالمصالح الأمريكية”. وكان الكونغرس الأمريكي قد أسقط بأغلبية ساحقة، يوم الأربعاء، الفيتو الذي أشهره الرئيس باراك أوباما ضد قانون ”جاستا”، والذي يسمح لمواطنين رفع دعاوى قضائية ضد حكومات أجنبية. جذور تشريع ”العدالة ضد رعاة الإرهاب” المعروف إعلاميا ب”جاستا” يذكر أنّ إدارة أوباما سمحت منتصف جويلية الماضي بكشف 28 صفحة منع نشرها لمدة 15 عاما (بطلب من الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن حجب الذي أمر بتصنيفها سرية، رسميا لحماية وسائل ومصادر الاستخبارات)، من تقرير عن تحقيق أعده الكونغرس في نهاية 2002، وقد أراد أوباما بذلك قطع الطريق على الشائعات عن تورط الرياض في اعتداءات 11 سبتمبر 2001 التي خلّفت أزيد 3 آلاف قتيل وتبناها تنظيم القاعدة. وكشف التقرير أن الاستخبارات الأمريكية كان لديها شكوك بتورّط الحكومة السعودية مع المهاجمين. وسبق لمسؤولين أمنيين في الولاياتالمتحدة اتهام السعودية بالضلوع في التفجيرات، بحكم أن أغلبية المتورطين فيها يحملون الجنسية السعودية (15 من أصل 19)، كما جرى الحديث عن تورط أمراء سعوديين في تمويل متطرفين بمن فيهم الملك سلمان. وصاغ مشروع القانون السناتور الديمقراطي شاك شومر ونظيره الجمهوري جون كورنين، وقد أعلن المرشحان الديمقراطيان للانتخابات الرئاسية الأمريكية هيلاري كلينتون وبرني ساندرز دعمهما للخطوة. واشتبه بالأميرة هيفاء الفيصل زوجة السفير السعودي حينذاك الأمير بندر بن سلطان بانها أرسلت في 1998 عن طريق دبلوماسي سعودي في سان دييغو، مبالغ تصل إلى 73 ألف دولار إلى اثنين من الخاطفين وصلا إلى الولاياتالمتحدة في العام 2000، هما نواف الحازمي وخالد المحضار. وحامت شكوك حول عمر البيومي وهو مسؤول سعودي في الطيران المدني يقيم في كاليفورنيا وتربطه صداقة بالحازمي والمحضار، وقد أوقف في انكلترا عشرة أيام بعد الاعتداء واستجوبته السلطات البريطانية والأمريكية، ثم أفرج عنه دون متابعات، وحققت السلطات مع فهد الثميري وهو إمام مسجد في لوس أنجلس ودبلوماسي معتمد في القنصلية السعودية في نهاية تسعينات القرن الماضي، حول مزاعم بمساعدته الخاطفين على الاستقرار في كاليفورنيا، لكن لجنة 11 سبتمبر قالت إن البيومي قال للمحققين أن مناقشاته مع الإمام انحصرت في الشأن الديني. وفي أوائل العام 2005، رفع أقارب ضحايا الهجمات ثماني قضايا أمام محكمة فيدرالية في مانهاتن اتهموا فيها الحكومة السعودية ومؤسسة أعمال خيرية تدعى: المفوضية العليا السعودية لإغاثة البوسنة والهرسك الذي كان يترأسها وقتذاك الأمير سلمان قبل توليه عرش المملكة، ومصرفي سعودي وأربعة أمراء سعوديين، هم الأمير سلمان (العاهل السعودي) والأمير تركي الفيصل (رئيس جهاز الاستخبارات الأسبق)، والأمير بندر بن سلطان (رئيس سابق للاستخبارات)، إضافة إلى العديد من شخصيات دينية بارزة، بالتورط في الهجمات بعدما ظهرت أسماؤهم على قوائم المتبرعين. وأسفرت الهجمات عن مقتل قرابة 3 آلاف شخص، أغلبيتهم الساحقة ممن كانوا متواجدين في برجي مركز التجارة العالمي. وبذلت الرياض جهودا حثيثة في الكواليس لإفشال التشريع. وأفيد أنّ السّعودية أبلغت إدارة أوباما أنها ستبيع مئات البلايين من الدولارات من أصول المملكة في الولاياتالمتحدة، إذا وافق الكونغرس على مشروع القانون. وأنّ وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، سلّم شخصيا رسالة المملكة إلى الإدارة الأمريكية، في مارس الماضي، خلال زيارته إلى واشنطن، حين قال للمشرعين أن المملكة ستضطر إلى بيع ما قيمته 750 بليون دولار من أصولها وأوراقها المالية بالخزينة الأمريكية، قبل أن تتعرّض لخطر التجميد من طرف المحاكم الأمريكية. ونفى المسؤولون السعوديون مرارا علاقتهم بالهجمات.وبرأت الإدارة الأمريكية السعودية من الضلوع في الهجمات بنشر وثيقة رسمية أخرى في جويلية 2004 هي التقرير النهائي للجنة الوطنية حول الهجمات الإرهابية ضد الولاياتالمتحدة. وخلصت هذه اللجنة حول اعتداءات 11 سبتمبر إلى أنه ليس هناك دليل يدين الحكومة السعودية كمؤسسة أو مسؤولين سعوديين كأفراد. وأكد البيت الأبيض من جديد في جويلية أن الصفحات ال28 لم تغير شيئا في نتائج التحقيق.