يبدو أن وزير التجارة بالنيابة عبد المجيد تبون، الذي يشغل في الوقت ذاته منصب وزير السكن، وضع نصب عينيه مهمة أساسية وتحظى بالأولوية المطلقة في أجندة عمله في قطاع التجارة، ويعمل حاليا على إتمامها بنجاح. ويكفي أن نسترجع أولى تصريحات الوافد الجديد على مبنى "حي الموز" شرق العاصمة، لندرك أن تقليص فاتورة الاستيراد هي المهمة الرئيسية للوزير تبون خلال المرحلة المقبلة. وفي العادة يعطي الوافدون الجدد على القطاعات الوزارية وقتا مريحا للتعرف على قطاعاتهم، وبذلك تضيع أيام وأسابيع وربما أشهر قبل أن يضع الوزير الجديد رجليه على الأرض ويعرف واقع القطاع الذي أوكل إليه، لكن الأمر كان مختلفا تماما مع عبد المجيد تبون، فالرجل لم يضيع من الوقت شيئا ليعرف ما ينتظره في قطاع التجارة، حيث بدا في خرجاته الأولى ملما وعارفا بشؤون القطاع، بشكل دقيق، لذلك شرع في تحريك ملفات جد مهمة، وعلى رأسها ملف تقليص فاتورة الاستيراد التي تشمل كل المواد، خاصة منها المواد المنتجة على المستوى المحلي التي ترقى إلى مستوى ما يستورد من الخارج تشجيعا وتفضيلا للمنتوج المحلي. ولعل الهدف الأول للإجراءات الكثيرة التي باشرتها الحكومة في هذا المجال خلال السنوات الأخيرة، وقام بتسريعها الوزير تبون مؤخرا بعد تعيينه لتسيير قطاع التجارة، هو تنظيم ومراقبة المواد المستوردة، للحد من إغراق السوق بمواد هي في غنى عنها، دون التأثير على متطلبات المواطن الجزائري أو التسبب في ندرة إحدى المواد. فلا يخفى على المتابعين أنه يتم في أحيان كثيرة استيراد كميات قليلة بفواتير ضخمة، ومواد لا داعي لها، فمثلا حسب تصريحات تبون يتم استيراد 18 مليون دولار من العلك كل عام، ناهيك عن عشرات الملايين من الدولارات في استيراد المايونيز والصلصات .. الخ. والجميع يعرف كيف أن كل هذا يؤدي لتكبيد خسائر خيالية للاقتصاد الوطني. استراتيجية تبون، إذن، في هذا المجال تتمثل أساسا في السماح مؤقتا باستيراد المواد الضرورية. في حين يتم الاستغناء عن كافة الكماليات بشكل يدعم الإنتاج المحلي، فما هو ضروري يبقى ضروريا والكماليات تبقى كماليات، حسب تعبير الوزير تبون الذي أكد أيضا بقوله "علينا ترشيد الواردات، فالجزائر ليست مفرغة للمواد المستوردة" .. وتستهدف الحكومة من خلال هذه الإجراءات مجموعة من القطاعات لتقليص الاستيراد، باعتبار أن تلك القطاعات تمتص الحصة الأكبر من النفقات المخصصة للواردات. وفي الوقت الذي قرر الوزير تبون تطبيق حظر كلي على استيراد بعض المواد والمنتجات وعلى رأسها المنتجات الفلاحية، سيُلزَم المتعاملون المستوردون لمنتجات أخرى بالخضوع إلى موافقة مسبقة في إطار رخصة الاستيراد، ويأتي على رأس قائمة المنتجات المعنية، استيراد السيارات الذي أكد بشأنه وزير التجارة عدم السماح بمواصلة دخول كميات أكبر من حاجيات السوق الوطنية بحكم أنها تكلّف الخزينة العمومية 5 ملايير دولار سنويا. كما تمس هذه الإجراءات كذلك استيراد مواد البناء على غرار الإسمنت، بشكل يمنح الأولوية للإنتاج الوطني الذي يصل إلى 18 مليون طن، بينما تقدر الاحتياجات الوطنية ب22 مليون طن، الأمر الذي يفرض تحديد كمية الاستيراد ب4 ملايين طن فقط لتغطية الفرق بين حجم الطلب والعرض. وبقدر ما تعكس هذه الأفكار الرؤية التقنية والإجرائية للوزير عبد المجيد تبون في إدارة هذا القطاع الحساس، فإن الهدف يبقى سياسيا بامتياز وهو مرتبط ببرنامج رئيس الجمهورية الذي تشرف حكومة سلال على تطبيقه، وهو التخلص من التبعية للمحروقات، ولا سبيل للجزائر لتحقيق هذا المبتغى سوى دعم المنتوج المحلي بكل الطرق واتباع سياسة وطنية دائمة، وليست مرتبطة باعتدال سوق المحروقات، مثلما شدد ويشدد الوزير تبون في كل تصريحاته وخرجاته الميدانية. 18 مليون دولار لاستيراد العلك والمايونيز! منع استيراد السيارات الصينية ورهن دخول العلامات الأخرى بالاستثمار في الجزائر أكد وزير التجارة بالنيابة، عبد المجيد تبون، أن القائمة النهائية للمواد الممنوعة من الاستيراد ستضبط بأمر من الوزير الأول عبد المالك سلال خلال أسبوعين، بعد دراسة مقترحات اللجنة القطاعية المكلفة بملف خفض فاتورة الاستيراد. عبد المجيد تبون الذي تحدث عن نزيف للأموال بالعملة الصعبة، بسبب استيراد مواد غير ضرورية وكماليات، كشف عن استيراد 18 مليون دولار من العلك سنويا، رغم الأزمة المالية التي تمر بها البلاد، بالإضافة إلى استهلاك الملايين من الدولارات لاستيراد الصلصات والمايونيز، وأكد الوزير في حوار لموقع "كل شيء عن الجزائر" على ضرورة ترشيد فاتورة الاستيراد والتخلي عن الكماليات وتعويضها بالمنتوج المحلي لتفادي الإفراط، مع العمل على عدم خلق ندرة أو حرمان المستهلك الجزائري من بعض المواد، وأشار الوزير إلى أنه يحصل أحيانا أن تستورد الجزائر مواد قليلة بمبالغ باهضة، رغم أن هذه المواد تصنف من الدرجات الثالثة والرابعة، أي أنها ليست من الضروريات. وتابع المصدر بالكشف عن سياسته على رأس وزارة التجارة التي يتولى تسييرها بالنيابة والمتعلقة بتقليص فاتورة الاستيراد ومراقبة ما يدخل إلى الجزائر، حيث أكد أن السياسة الجديدة لا تمس استيراد المواد الضرورية للإنتاج المحلي من تجهيزات وغيرها من مدخلات الانتاج المحلي، غير أنها ستمتد إلى استيراد السيارات، حيث تتجه الحكومة إلى منع استيراد السيارات الصينية بسبب امتناع هذه العلامات عن إنجاز مشاريع صناعية وشبه صناعية في الجزائر. وأوضح عبد المجيد تبون أن حصول الدول على "كوطة" لتصدير السيارات نحو الجزائر يبقى مرهونا باستثماراتها في الجزائر ليس من خلال مصانع تركيب السيارات فقط، بل يشمل ايضا استثمارات تخص شبكات التوزيع وخدمات ما بعد البيع وتصنيع قطع الغيار وتركيب المعدات. وبخصوص تصريحات المسؤول الفرنسي كريستيان استروسي الذي طالب ب«كوطة" لاستيراد تفاح الالب، رفض التعليق بالقول أنه لا يرد على هكذا تصريحات، غير أنه قال إن المعني ربما أخطأ في الدولة لأنه لا احد يعطي اوامر للجزائر، وأن ساعة كريستيان استروسي توقفت في 1962 وأن عهد إعطاء الأوامر للجزائر انتهى، واضاف تبون أن العلاقة بين الجزائر وفرنسا واضحة وتتقرر على مستوى قصر المرادية والاليزي والوزارات الاولى. أما وزارتا خارجية البلدين ليس لهما سوى المتابعة. وفيما يتعلق بتعميم السجل التجاري الالكتروني، اوضح وزير التجارة بالنيابة أن الهدف هو تعميم السجل خلال الثلاثي الأول من السنة الجارية من اجل وضع حد لظاهرة التلاعبات والتزوير التي تطال هذا النوع من الوثائق، فيما اعتبر أن إدماج التجارة الموازية في الدائرة الاقتصادية الرسمية مسار طويل يعالج تدريجيا من قبل السلطات.