الآن وليس غدا·· نتابع كشعوب عربية بداية تشكيل مرحلة جديدة في منظومة الحكم العربي، وإذا كان قدرنا كجيل جديد ألا نعايش مرحلة التصدي للاستعمار وإخراجه بطلقات النار والبارود، فإن الله قدّر لنا أن نعيش مرحلة أخرى من التحرر الشعبي في العالم العربي·ومهما حاولت أنظمة الحكم العربي ربط ثورات الشعوب الحاصلة بالأيادي الأجنبية فإن الشعوب والعالم يدرك أن اليد الأجنبية ظلت تجد كل العون والدعم في تلك الأنظمة التي خدمت الخارج وأخلّت بالتزاماتها في الداخل فحكمت الشعوب بالحديد والنارئئ· لقد ظلت الحكومات العربية تحتكم لنظرية مفادها أن الشعوب لا تطالب إلا بالخبز، وحتى هذا ''الخبز'' الذي تعتقد الأنظمة أنه المطلب الوحيد للشعوب تمادت في حرمان مواطنيها منه، فأقامت سياسات احتكارية وزّعت بموجبها الثروة على فئة قليلة من المجتمع وأقامت فوارق بين طبقاته، فكيف لا يحدث العداء؟ وكيف لا تقوم ثورة الشعوب؟ ئوبعيدا عن التقارير الغربية التي لم تعد مؤشراتها تضبط أنفاس الشعوب كما كانت، ولم تعد تجد تفسيرا لمزاج الشارع العربي، بعيدا عن مقياس الأجهزة الغربية التي ظلت تزود الأنظمة بتوجهات الرأي العام مقابل حفظ مصالح القوى الكبرى، فإن المواطن العربي أصيب بصدمة الواقع الذي أوصد جميع أبواب الأمل في التغيير نحو مستقبل أفضل وأكثر اتساعا لتطلعاته·في الغرب تتسع مساحات الرأي للمواطن، يكتب ويشارك ويعمل ويبني ويبادر، وفي عالمنا العربي تغلق أبواب الحوار، وتعتقل الأفكار وتقام المحاكمات للنوايا حيث لا يحق للمواطن أن يتدخل في الشأن العام حتى لو تعلق بقنوات الصرف الصحي·الفضاء المفتوح وأدوات الاتصال الحديثة من أنترنيت وغيرها فتحت أيضا أمام المواطن العربي وجها آخر للمقارنة، وفي فترة الثمانينيات ومطلع التسعينيات، كان المواطن العربي لا يدرك حجم اتساعا فضاء الحرية للمواطن في الغرب، كما أن انشغاله بالقضايا العربية الكبرى أبعده بعض الشيء عن التفكير في الجبهة الداخلية، ضف إلى ذلك أن المسألة الاجتماعية كانت بعيدة بعض الشيء عن ملامسة مزاجه واستفزاز مشاعره فعاشت الحكومات العربية ربيعها، لكن ومع مطلع منتصف التسعينيات وكذا العشرية الأخيرة من الألفية الجديدة شكلت كتلة ضغط سياسية واقتصادية واجتماعية على المواطن العربي، فقد خضعت الحكومات العربية لإملاءات السياسة الأمريكية والأمر الواقع الذي فرضته إسرائيل في معادلة الصراع بالشرق الأوسط، فسقطت بغداد وتمت محاكمة صدام حسين وإعدامه، وقبل ذلك وتحت غطاء محاربة الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 شددت الحكومات العربية من إجراءاتها البوليسية وأحكمت قبضتها على الحريات وقلصت هامش حرية الإعلام والنشاط السياسي للأحزاب، مقابل إجراءات اقتصادية قاسية، في الجانب الآخر كان الانهيار يضرب عملية السلام برمتها، وشكل العدوان الإسرائيلي على غزة والمجازر الرهيبة التي ارتكبتها إسرائيل بحق الغزاويين وصمت النظام العربي بل ودعم مصر والسعودية والأردن وما سمي بالتيار المعتدل في العالم العربي، كل هذا وقبله الحرب على لبنان زاد من حجم الضغط على المواطن العربي الذي يفجر كافة التفاعلات في حراكه الداخلي الآن، ولم تكن تسريبات وكيليكس بعيدة عن الحراك الشعبي الدائر في غالبية الدول العربية، فقد كشفت حقيقة ما يحدث وراء الكواليس ووجه الحكومات العربية التي تتبنى ضمان المصالح الغربية على حساب قضايا الأمة خصوصا عندما يتعلق الأمر بمستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي·إن ساعات النهاية لمنظومة الحكم التقليدي في العالم العربي في عدها التنازلي ومعها تبدأ ساعة البداية·· بداية مرحلة جديدة على النحو الذي حدث في أوروبا خلال منتصف القرن التاسع عشر، فقد باتت الحاجة ملحة لإصلاح سياسي واجتماعي واقتصادي تراعي فيه الحكومات مصالح الشعوب أولا وثانيا وثالثا على النحو الجاري في الدول الديمقراطية التي حافظت على كرامة مواطنيها وجعلتها في مقدمة وفوق كل اعتبار