بوتفليقة يواصل الدعم الماليلفلسطينوالجزائر لم تخذلنا الكيان الصهيوني يُخضع الأسرى الفلسطينيين لتجارب طبية دون علمهم صعود اليمين المتشدد في أمريكا سيوفر للصهاينة مظلة لمواصلة الجرائم
في ظل انشغال الرأي العام العالمي بالأوضاع الأمنية في سوريا ومصر ومع المزيد من تساهل ترامب تجاه الممارسات الهمجية لإسرائيل في حق الفلسطينيين، بدأت "غيمة النسيان" تلقي بظلالها على القضية الفلسطينية ومستجداتها، وهذا الأمر الذي تسعى مختلف الأطراف الفلسطينية إلى تفاديه خدمة للقضية المركزية للعرب والمسلمين. محمد عثمان ممثل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الجزائر خصنا بهذا الحوار الذي تناول عدة قضايا.
حاورته/ سعاد بوربيع
بعد مرور ما يقارب العام على وجود ممثل لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الجزائر، هل لكم أن تضعونا في صورة أهم النشاطات التي قمتم بها؟ وهل تمت لقاءات عالية المستوى مع شخصيات فاعلة في الجزائر، خاصة في ما يتعلق بدعم القضية الفلسطينية؟ خلال الفترة الماضية لوجودنا تسنى لي كممثل لحركة (حماس) زيارة عدد كبير من الأحزاب السياسيه الفاعلة والجمعيات والمؤسسات المجتمعية بكافة أطيافها، كما قمت بزيارة المجلس الشعبي الوطني والتقيت بعدد من السادة النواب من غالبية الكتل البرلمانية، وحضرنا العديد من الفعاليات والأنشطة التي نظمتها تلك الجهات، بالإضافة الى مقابلات صحفية وإعلامية مع عدد من الصحف والقنوات بهدف شرح الحالة الفلسطينية وما يحيط بها من معيقات وتحديات، كما تشرفت عدة وفود من قيادة ورموز الحركة بزيارة الجزائر وتمت لقاءات على عدة مستويات رسمية وحزبية وشعبية.
كيف تقيمون الموقف الرسمي والشعبي للجزائر إزاء القضية الفلسطينية؟ الموقف الجزائري بشقيه الرسمي والشعبي من القضيه الفلسطينية، موقف متقدم ويسجل مزيدا من النقاط على سلم الحماس بل والإنحياز للحق الفلسطيني وتثبيته والدفاع عنه في المحافل الدولية والمنصات الإقليمية والمنابر المحلية، يظهر ذلك جليا من خلال الحضور اللافت واليومي للقضية الفلسطينيه بكل مستوياتها الإنسانية وأبعادها النضالية. في حين تخلت الكثير من الدول والأنظمة عن القضية وركزت اهتمامها على قضاياها الداخلية، إما بسبب الظرف الأمني والإقتصادي الداخلي لديها أو بسبب الضغوط السياسية الخارجية.
هل مايزال هناك دعم مالي وهبات جزائرية تصل إلى بيوت الفلسطينيين؟ الدعم المالي الرسمي لفلسطين متواصل، والجزائر ربما تكون الدولة العربية الوحيدة الملتزمة بدفع حصتها من مبلغ الدعم المتفق عليه مع جامعة الدول العربية والتي تزيد عن خمسين مليون دولار سنويا. كما أن الدعم الشعبي لفلسطين أيضا مستمر ولم ينقطع يوما، فعلى الرغم من الظرف الاقتصادي الصعب الذي تمر به الجزائر لا يزال الشعب الجزائري وفيا لثورته ولوصية شهدائه الأبرار الذين لم تغب عنهم فلسطين حتى وهم في ذروة ثورتهم التحريرية ضد الاستعمار. كما علمت من جمعيات ومؤسسات خيريه عديدة أنها ستستأنف قريبا حملات قوافل كسر الحصار عن قطاع غزة والتي يجري الإعداد لها في ظل مؤشرات إيجابية عن قرب فتح معبر رفح بين مصر والقطاع بشكل دائم.
في ذكرى يوم الأسير الفلسطيني، بادرت شخصيات سياسية واعلامية بتنظيم وقفة تضامنية ، هل تمت بالتنسيق معكم ؟ هذه بلا شك بادرة طيبه تستحق الشكر، وفي نظري أن مبادرات شجاعة وحرة مثل هذه لا تحتاج إلى تنسيق مع أحد، فهي نابعة من وجدان حي ووعي عميق وإحساس نبيل بالمسؤولية وهناك دور كبير يمكن أن تسهم به المنظمات الدولية والهيئات الحقوقية في الجزائر وعلى المستوى الدولي من خلال تقديم الشكاوى ورفع الدعاوى في المؤسسات الحقوقية والمنصات الأممية بهدف تجريم الممارسات الإسرائيلية المنتهكة لأبسط القوانين الدولية ومواثيق حقوق الإنسان.
هل لكم أن تضعونا في صورة معاناة الأسرى في سجون الإحتلال الإسرائيلي؟ يقبع في سجون الاحتلال الإسرائيلي ما يقارب 7000 أسير فلسطيني، من بينهم اكثر من 350 طفلا دون سن الثامنة عشر، ونحو 60 إمرأة منهن الأمهات والقاصرات وجزء كبير من هؤلاء الأسرى يقضي بأحكام جائرة بالسجن لمدد طويلة (مؤبدات) تصل إلى مئات السنوات ويتعرضون إلى شتى أصناف الظلم والقهر ويحرمون من أبسط حقوقهم الإنسانية ومتطلبات الحياة، خصوصا إذا عرفنا أن منهم المعاقون والمصابون بأمراض مزمنة والمصابون أثناء الإعتقال وكل هؤلاء يعانون من الإهمال الطبي واستغلال ظروف اعتقالهم لإخضاعهم لتجارب طبية دون علمهم، مما ينجم عنه تدهور حالتهم الصحية ووفاة البعض منهم، لذلك قرر نحو ألفي (2000) أسير في سجون الإحتلال وبدءا من يوم 17 أفريل الذي يصادف يوم الأسير الفلسطيني في الشروع بإضراب مفتوح عن الطعام احتجاجا على الممارسات الإسرائيلية اللاإنسانية بحقهم.
وما هي مطالب الأسرى في هذا الإضراب؟ يمكن إجمال مطالب الأسرى المضربين فيما يلي: إيقاف سياسة العزل (السجن الانفرادي) وسياسة الاعتقال الإداري (الاعتقال دون توجيه تهمة) وإعادة السماح بزيارة الأهل والأقارب بعد إيقافها وتقليص مدتها من قبل إدارة السجن، والسماح بإدخال الكتب وإكمال التعليم، والحصول على عناية طبية وغذائية ملائمة دون تحميل الأسير أثمان باهظة مقابل مستواها البائس، بالاضافه إلى استرجاع عدد من المكتسبات التي قررت إدارة سجون الاحتلال الإسرائيلي حرمانهم منها بعد أن حصل عليها الأسرى في إضرابات سابقة.
في رأيكم، هل يمكن أن تؤثر معركة البطون الخاوية على الممارسات الإسرائيلية تجاه الأسرى؟ منذ العام 1969حتى اليوم خاض الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال 20 إضرابا عن الطعام أدت معظمها إلى تحقيق مطالبهم المستحقة وتحسين ظروف اعتقالهم وشكلت ضغطا على إدارة السجون الإسرائيلية للتراجع عن ممارساتها القمعية والقهرية ضدهم. هذه معركة خاصة يقودها أسرانا البواسل بسلاح خاص هو الأمعاء الخاويه، وهي بلا شك تنطوي على مخاطر جمة يدفع الأسرى ثمنها ضررا محتملا وضعفا في أجسادهم، هم يدركون ذلك، لكنهم عازمون بإرادتهم الصلبه وهمتهم التي لا تلين على المضي في إضرابهم لنيل حقوقهم وحفظ كرامتهم.
ما هي أهم نقاط الاختلاف بينكم وبين السلطة الفلسطينية؟ العنوان الرئيسي لموضوع الخلاف بين حركة حماس والسلطة الفلسطينيه ممثلة في الرئيس محمود عباس، برنامج واستراتيجية التحرير الوطني ورؤية كلا الطرفين لهما مكمن الخلاف، ففي الوقت الذي نرى في حركة حماس أن برنامج التحرير يجب أن يتمحور حول المقاومة بكل أشكالها بما فيها المقاومة المسلحة، فإن الرئيس عباس أعلن مرارا أنه ضد المقاومة المسلحة وأن برنامج التسوية من خلال مسار المفاوضات هو الإستراتيجية الوحيدة المقبولة لديه لمواجهة الاحتلال، وهو بذلك ينفرد بالقرار الوطني ويلغي رؤية شريحة عريضه من فصائل وقوى الشعب الفلسطيني. أما في التفاصيل.. فكما تعلمون أن حركة حماس شاركت في الإنتخابات التشريعيه التي جرت عام 2006 وفازت بغالبية أصوات المجلس التشريعي بنسبة جاوزت 63% من أصوات الشعب الفلسطيني، وبالرغم من ذلك فقد دعت الى تشكيل حكومة وحدة وطنية مشكلة من كافة الفصائل والقوى الحزبية بما فيها حركة فتح التي امتنعت في البدايه عن المشاركة في حكومة وفاق وطني إلى أن تدخلت عدة دول لإقناعها بالمشاركة فكان اتفاق مكة عام 2007 ثم اتفاق القاهرة عام 2011 واتفاق الشاطئ 2014 ثم أخيرا لقاء بيروت الذي عقد مؤخرا، وفي كل هذه المبادرات واللقاءات كنا نخرج نحن والإخوة في حركة فتح والتي تهيمن على مؤسسات السلطة الفلسطينيه باتفاق على آليات عمل لإنهاء حالة الانقسام وتشكيل حكومة وحدة وطنيه يكون من أولى مهامها الشروع في الترتيب لانتخابات شاملة رئاسية وتشريعية ومجلس وطني فلسطيني تنهي حالة الاحتقان الحالية وتعيد الكلمة للشارع وللمواطن الفلسطيني، إلا أننا في كل مرة نفاجأ بمساعي السيد عباس وحكومته الحاليه لإفشال ما تم الاتفاق عليه بحجج واهية باتت مكشوفه للجميع.
وماهي رؤية الحركة لحل مشكلة الانقسام داخل الجسم الفلسطيني؟ الحل ببساطة يكمن بالإسراع في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في جولات الحوار العديدة دون إبطاء أو مماطلة أو ابتزاز، واتخاذ السلطة في رام الله خطوات عملية تترجم هذه الاتفاقات إلى إجراء على الارض ينتج عنه تشكيل حكومة توافقيه تتولى مهامها في الضفة والقطاع وتهيئ المناخ لإجراء انتخابات شاملة تضمن تمثيل كافة الأطياف الفلسطينية في المؤسسات الوطنية وبالخصوص المجلس التشريعي والمجلس الوطني الفلسطيني بما يوفر مشاركة الجميع في إدارة القرار الوطني الفلسطيني.
بصفتكم تمثلون حركة حماس، هل تقبلون بوساطة جزائرية (مثلا) لفتح حوار شامل وجاد يمكن أن ينهي كل الخلافات ويوحد صفوف الفلسطينيين؟ نحن نأمل أن تستمر الجزائر التي تعد رائدة في احتضان العمل الوطني الفلسطيني في تقريب وجهات النظر بيننا وبين الإخوة في حركة (فتح) ومعنا كافة الفصائل الفلسطينية بما يعيننا جميعا على صياغة مشروعنا الوطني التحرري بتوافق وشراكة مع جميع المكونات والقوى الوطنية.
هل أثر الوضع العام في سوريا ومصر على مسار القضية الفلسطينية؟ لا شك أن الكيان الصهيوني استغل حالة الضعف والترهل السياسي والفوضى الأمنية في المنطقة وحالة الانشغال الإعلامي بالقضايا المحلية عن تحشيد الرأي العام العربي والإسلامي ضد ممارساته العنصرية والتوسعية، فلن يجد الاحتلال أنسب من تلك الظروف ليمارس عربدته الإستيطانية في سن قوانين تسمح له بخلق واقع ديموغرافي يساعده على التنصل من كل الوعود التي فرضتها عليه حاجاته الأمنية قبل أن يؤمنها من خلال السيطرة على المزيد من الأرض وتهجير ساكنيها. وجاء صعود التيار اليميني المتشدد في امريكا ليوفر للكيان مظلة تشجعه على مواصلة جرائمه وتفتح شهيته نحو المزيد من العربدة السياسية والتمرد على القرارات الأممية الأخيرة والمتعلقة بإدانة التهويد في القدس والاستيطان وإعلانه عدم الالتزام بها.
ما هي آفاق العلاقة التي تطمحون الى الوصول إليها مع الجزائر؟ إقليميا.. في هذه الفترة الحرجة التي تمر بها القضية الفلسطينية ومع حالة الضعف والتفكك التي تنتاب الأمة العربية اليوم، فإننا نرى أن الجزائر وبما لها من رصيد نضالي عريق في مقارعة الظلم والإحتلال ورصيد من التقدير والإعتزاز في قلوب الفلسطينيين والعرب جميعا مؤهلة أكثر من غيرها لممارسة دور هام في تصليب المواقف العربية رسميا وشعبيا ضد موجات التطبيع مع الكيان الصهيوني والتي تهدف الى إضعاف حصانة الأمة ضد الهيمنة والاستعمار بشتى صوره. أما على الصعيد الدولي، وبالتحديد على المستوى الدبلوماسي وعلى المستوى الإعلامي، نحن نأمل أن توفر الدولة الجزائرية مظلة حماية وشبكة أمان دولية للشعب الفلسطيني وقواه المقاومه بما يدعم تثبيت حقوقه المشروعة في التصدي للاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته الصارخة بحق شعبنا.