تشهد مراكز البريد هذه الأيام اكتظاظا كبيرا للمواطنين الذين توافدوا عليها بالمئات من أجل سحب أموالهم ومدخراتهم بعد طول انتظار، حيث يصطف الموظفون وغيرهم ممن اختاروا بريد الجزائر ومصالحه لإيداع أجورهم وأموالهم أمام مراكز البريد وآلات السحب منذ الصباح الباكر في طوابير طويلة حتى يتمكنوا من الحصول على قليل من المال، بل إن الأمر وصل ببعضهم إلى قضاء ليلته أمام مكتب البريد حتى يكون في مقدمة الداخلين إليه صباحا عله يظفر بكمية محدودة من أمواله المودعة هناك. ففي بومرداس لا تزال أزمة نقص السيولة النقدية تعرف تصاعدا على مستوى 32 بلدية في الولاية، إذ تكتظ مراكز البريد خاصة على مستوى المدن الكبرى مثل وسط بومرداس وبرج منايل وغيرها. فالسيولة النقدية غير متوفرة على مدار أيام الأسبوع بوتيرة دائمة وفي بداية كل شهر يواجه المواطنون مشكلة الحصول على أجرتهم الشهرية ففي كل مرة يتنقلون بين مختلف مراكز البريد لسحب نقودهم وعند إيجاد مركز تتوفر فيه عملة الدينار الجزائرية ينتظر يوما كاملا في الطابور عسى أن يسعفه الحظ ويصل الشباك قبل إغلاق المؤسسة أبوابها لسحب نقوده وإلا ينتظر ليوم الغد ليقصد مركز البريد باكرا. أما في القرى والبلديات النائية التي تتوفر على ملحقات لمراكز البريد التي تنعدم فيها تماما السيولة النقدية وبالتالي تحولت إلى هياكل بدون روح وكل المواطنين بهذه المناطق ينتقلون إلى المدن للوصول إلى مراكز البريد. من جهتها، تعيش جميع المؤسسات المالية بولاية الجلفة، أزمة حادة في السيولة المالية، بقي أمامها المواطن عاجزا، في ظل تجاوز هذه الوضعية أياما متواصلة، من دون تقديم مبرر منطقي لهذه الحالة التي يتخبط فيها الآلاف، وحاولت فالبلادف معرفة الخلل في مرات سابقة، إلا أنها وقفت على أن كل طرف يرمي المسؤولية على الآخر، ومن مراكز البريد المنتشرة على مستوى ولاية الجلفة وجميع بلدياتها، مرورا بالمؤسسات المالية الكبيرة كحال البنك المركزي وكذا القرض وغيرها، الوضعية نفسها وأموال المدخرين وأصحاب الأرصدة بلغة الأرقام موجودة لكنها بلغة السحب والأوراق النقدية غير موجودة وعبارة فالدراهم مكانشف سلعة رائجة في كل مقرات المؤسسات المالية المنتشرة على تراب الولاية، زيادة على وضع لافتة تحمل فلا توجد سيولةف، تفاديا لأسئلة الزبائن وأجوبة المكلفين بالتخليص المتكررة. هذه الوضعية التي دامت لأيام وأيام وبدأت منذ مدة لتستفحل مع نهاية كل أسبوع، يقول عنها المسؤولون المحليون والمركزيون إنها ستنقشع في القريب العاجل، إلا أن استمرار الوضعية بعث أكثر من تعليق وأكثر من علامة استفهام وتعجب، وأدى إلى تذمر واسع وسط المواطنين ومنهم من صب جام غضبه على المسؤولين المركزيين والمحليين على حد سواء، ووقفت فالبلادف على فثورةف مواطن علق ساخرا فسونطراك فرغوها وشهريته مش قادر يخرجها''. أما في المدية فقد عبر العديد من سكانها عن استيائهم لبقاء وضع مراكز البريد على حاله منذ أشهر خلت، كون هذه المراكز ومنذ ساعات الصبيحة تشهد طوابير لامتناهية لزبائنها، أملا في سحب أجرتهم الشهرية، إلا أن المواطنين يفاجأون دوما بإحضار هذه الأخيرة لمبالغ مالية محدودة لا تكاد تغطي طلب زهاء الأربعة بالمائة من الزبائن لتعود الأوضاع إلى ماهي عليه، بانعدام السيولة في انتظار ما سيتكرم به بعض المقاولين أو مؤسسات سونلغاز أو نفطال بدفع أموالها بهذه الأخيرة، وأمام هذه الطوابير الكبيرة وانعدام الأموال بات العديد من المواطنين يلجأون إلى الاستدانة من أصحاب المال أو المحلات في انتظار إيجاد حل من طرف المعنيين لهذه الازمة التي طال أمدها. وفي جنوب البلاد لا تزال أزمة السيولة المالية في جل مكاتب البريد بولاية الأغواط تصنع المعاناة اليومية للمواطنين دون أن تكون هناك بوادر فرج قريبة، واقع حال هذه الوضعية التي انعكست بالسلب على الحياة العادية للمواطنين جعلت زبائن البريد في مقدمتهم الموظفون البسطاء بدون الحديث عن المتقاعدين والذين يشتغلون في إطارالشبكة الإجتماعية من معيلي الأسر الفقيرة والمعوزة يقتاتون ويتربصون فتات المدخرات لاقتسامها بحصص لا تسمن ولا تغني من جوع، وهو الوضع الذي له علاقة بالاحتجاجات الأخيرة التي صادفها وزير القطاع خلال زيارته الأخيرة للولاية بعدما قدم في ذلك تطمينات للمواطنين أكد فيها أن الأزمة ستجد الحل خلال الأيام المقبلة بعد قيام الوزارة باستحداث آليات جديدة بالتنسيق مع مختلف المؤسسات والمصالح، غير أن نبرة الغضب وعلامات الاستياء التي لمسها بن حمادي أثناء اعتراض طريقه لاسيما بمدينة أفلو لا تزال تنطبع على وجوه المواطنين بعدما سئموا من استمرار الأزمة دون أن يحصلوا على أجورهم بحجة عدم توفر السيولة المالية، وهي الحصص التي تزور مكاتب البريد بالولاية بصورة نادرة وغير كافية لتحويلها إلى المواطنين خاصة عمال الشركات الاقتصادية الكبرى بمدينة حاسي الرمل الذين أصبح بعضهم يحمّل المنسق الولائي وقباض مكاتب البريد وموظفي الشبابيك مسؤولية ما يقع. أما في الناحية الشرقية وتحديدا ولاية عنابة فتشهد شبابيك الدفع بها على مستوى البنوك ووكالات البريد يوميا طوابير لا متناهية من الزبائن، التي أصبحت تنتابهم حالة من السخط والاستنكار، بفعل انعدام السيولة. تحوّلت يوميات المواطنين منذ أكثر من شهر بولاية عنابة ومنهم الموظفون والتجار ورجال الأعمال القاصدون لشبابيك البنوك لسحب أموالهم إلى رحلة عذاب ومعاناة حقيقية، حيث يضطرون إلى تشكيل طوابير طويلة لا تنتهي، يبذلون فيها الجهد على حساب كرامتهم ودون تمكين العديد منهم من قضاء حاجتهم، حيث عادة ما يتلقون أجوبة ''ليس هناك فلوس''. وهي الوضعية التي وقفنا عليها في العديد من الوكالات البنكية. وعبر لنا المواطنون عن سخطهم واستنكارهم لهذه الوضعية التي عطلت مصالحهم، مثلما قال أحدهم، ''لقد تحوّلت أموالنا لدى هذه الوكلات إلى محجوزات بغير مبرر، والتي هي في الغالب أجرة شهرية أو منحة هزيلة''. ويضيف آخر ''لقد تحولنا إلى متسولين نقف في طوابير منذ الساعات الأولى من الصباح، وهي الوضعية التي لم تحرك مسؤولي هذه البنوك''. وكانت جولة فالبلادف على مستوى عدد من المكاتب البريدية بوسط مدينة عنابة قد كشفت لنا عن معاناة حادة يعيشها موظفو البريد والزبائن والمتعاملون على حد سواء خاصة بعد إغلاق المكتب الرئيسي الواقع بشارع عميروش بغرض الترميم، ما أدى بمكاتب ''الريم'' و''السهل الغربي'' و''الشهداء'' إلى أن تتحمل لوحدها الضغط العالي المستمر لآلاف المتعاملين والذين يصل عددهم اليومي على مستوى المكتب الواحد إلى أكثر من 2000 في الدوام الواحد.