تعيش مكاتب البريد بأغلب ولايات الوطن، منذ أكثر من شهر، حالة من الاضطراب بسبب نقص السيولة النقدية، حيث يضطر الزبائن للانتظار بالساعات والأيام للحصول على أموالهم. مصدر مسؤول من بريد الجزائر شدد على أن المشكل يكمن في عدم عودة كتلة نقدية كبيرة إلى الدائرة الرسمية البريد والبنوك بعد سحبها، وقال إن التدابير القانونية المعتمدة في قانون المالية التكميلي 2010 والتي حددت تاريخ 31 مارس 2011 كآخر أجل قبل فرض الصك في كل التعاملات التي تساوي وتفوق 500 ألف دينار، هي التي دفعت العديد من الفئات إلى الاكتناز والحفاظ على السيولة المالية، خاصة في مجال السوق الموازية التي تستخدم ''النقد'' في تعاملاتها. لم يجد المواطنون تفسيرا منطقيا لهذه الظاهرة التي تستمر منذ عدة أشهر، كما لم تقنعهم مبررات إطارات مؤسسة بريد الجزائر بأن الأموال التي تخصصها لهم مصالح البنك المركزي لا تكفي لتغطية الطلب. وذكر مستخدم في بريد الجزائر بوهران ل''الخبر'' أن من بين أسباب هذه الظاهرة ''إقدام المواطنين على سحب مجموع الأموال من أرصدتهم بمجرد دخولها، وهو ما لا يوفر للمراكز البريدية إمكانات كبيرة لتشكيل مخزون من الأموال''. ويضيف ''إن نظام العمل في البريد يتطلب جردا مفصلا للمداخيل اليومية التي يجب دفعها في نهاية اليوم للخزينة وتمنع التصرف إلا في الأموال الموجهة للدفع أو التحويل، وهذا بهدف التحكم في الحسابات بعد انتشار ظواهر السرقة والتحويل في المراكز البريدية''. ويعاني المواطنون المقيمون في البلديات المعزولة أكثر من غيرهم من ظاهرة نقص السيولة المالية في مراكز البريد الواقعة في مقرات إقامتهم، ويضطرون إلى التنقل إلى المدن الكبرى التي يمكن أن يترددوا عليها عدة مرات ليصلوا إلى شباك الدفع قبل نفاد الأموال. يحدث هذا في الوقت الذي لم يتم تعميم الدفع الآلي على كل المراكز البريدية في الجهة الغربية. مكاتب البريد بشرق الوطن هي الأخرى تئن تحت وطأة نقص السيولة. ففي عنابة يعاني زبائن بريد الجزائر من عدم توفر السيولة النقدية عند قيامهم بسحب أموالهم عبر مختلف المكاتب البريدية بالولاية، الأمر الذي خلف استياء وتذمرا شديدين. وأكد المواطنون على الصعوبات الكبيرة التي تواجههم أثناء سحب أموالهم من المكاتب البريدية، سواء باستعمال البطاقة المغناطيسية أو الصكوك. وأضاف عدد منهم أنهم اضطروا للتنقل إلى المكاتب البريدية عبر مختلف بلديات الولاية بغرض سحب أموالهم، ومنهم من تنقل إلى ولايات أخرى مثل فالمة، سوق أهراس والطارف للغرض ذاته دون جدوى. الوضعية نفسها تعيشها ولاية الطارف منذ أكثر من شهر، والتي تأزمت في الآونة الأخيرة بعد إقدام مئات المواطنين على سحب كل ما في أرصدتهم، وهو ما عمق الأزمة، في حين أصدرت المديرية الولائية بقسنطينة قرارا بتحديد قيمة الأموال الممكن سحبها والتي لا تتعدى 30 ألف دينار لتفادي أي مشكل في السيولة. وفي ولايات الوسط عاشت، أمس، مكاتب البريد على مستوى ولاية تيبازة فوضى واكتظاظا خانقا نتيجة ندرة السيولة المالية، ولم تتمكن الجموع الغفيرة التي غصت بها المكاتب من سحب أموالها نتيجة ندرة السيولة ومحدودية الكميات التي توفرها المكاتب. وبلغت حدة الاستياء بمكاتب بريد عبر مختلف بلديات ولاية تيبازة، أمس، أوجها بسبب انعدام السيولة المالية. وشهدت عدة مكاتب حالة من الفوضى والاكتظاظ الذي لم تشهد له مثيلا من قبل، كما هو الحال بالمكتب الرئيسي ومكتب وادي مرزوق ومكتب البريد ببلدية حجوط، حيث غصت هذه الأخيرة بالمواطنين الطالبين لسحب الأموال. لم يتسع مكتب البريد الرئيسي المتواجد بوسط مدينة تيبازة للعدد الهائل من المواطنين الذين أجبر البعض منهم على التجمهر بمخرج المكتب لانتظار الدور وعلى وجوههم علامات الحيرة والاستنكار من تواصل الأزمة التي دفعت بالكثير من زبائن مكاتب بريد الجزائر إلى الاستدانة من أجل قضاء حاجياتهم اليومية وحتى المستلزمات المدرسية، حسب ما أكده أحد الزبائن الذي لم يكلف نفسه دخول المكتب لعلمه باستحالة سحب الأموال وسط الأعداد الهائلة من الزبائن الذين ملأوا المكتب والرصيف المحاذي لمكتب البريد من جهة، وندرة السيولة من جهة ثانية. وفي غرداية لم يتمكن الموظفون من الحصول على رواتبهم على مدى عدة أيام خلال الأسبوع الماضي، بسبب انعدام السيولة على مستوى مكتب البريد في أوقات عدة لدرجة أن بعض مكاتب البريد لم تتوفر حتى على مبلغ 200 دينار. واضطر موظفون لصرف أموالهم بالتقسيط بدفعات لم تزد عن 5000 دينار، خلال أيام الأسبوع الماضي، وتفاقم هذا الوضع يوما بعد آخر طيلة الأسبوع الماضي. وفي أغلب الوكالات البنكية اضطر تجار ومقاولون لسحب أرصدتهم على دفعات لا تتعدى 50 أو 100 مليون سنتيم بسبب عدم توفر السيولة.