تعيش الجزائر هذه الأيّام ضغوطا رهيبة عليها من طرف الدّول الأمبريالية العظمى، لا سيما من طرف شرطي العالم الولاياتالمتحدةالأمريكية، و مستدمر الأمس فرنسا الكولونيالية التي لا تزال تحنّ إلى ماضيها الإستدماري في الجزائر، و بدرجة أقل بعض الدّول الغربية كبريطانيا، و دولا عربية كالسعوديّة وقطر و المغرب من تحت الطّاولة، وهذا كلّه بسبب الأزمة و الحرب الدّائرة رحاها بالجارة ليبيا، التّي سقط ديكتاتورها المعمّر طويلا القذّافي، و برز إلى الواجهة فيها مجلسها الانتقالي المهلهل، و الذّي يخبط أعضاؤه خبط عشواء، فتراهم يضربون يمنة ويسرة كالذّي غلبه سيفه فكاد يقتله. و السّؤال المطروح بإلحاح الآن: هل الجزائر في حالة حرب غير معلنة؟!!. سقوط سيناريوهات قيام ثورة شعبية في الجزائر.. يبدو أنّ كلّ المراهنين على قيام ثورة شعبية في الجزائر قد سقطت سيناريوهاتهم في الماء، فبالرغم من كلّ المشاكل الاجتماعية و الصعوبات التنموية التي تعيشها الجزائر، و بالرّغم من انطلاق شرارة الاحتجاجات في الجزائر في نفس التوقيت الذّي ظهرت به في تونس إلا أنّ ذلك لم يدفع إلا انزلاق الأمور نحو شهود اضطرابات في حجم ثورة شعبية، هذا ما أقلق الطامعين و الذين ينتظرون الاصطياد في المياه العكرة من الأعداء المحتملين وغير المحتملين، فراح جميع الحاقدين على الجزائر يضغطون عليها من أجل تبني موقف منحاز من الأزمات السياسية التي اجتاحت معظم الدول العربية فيما سمي بالربيع العربي، لكن الجزائر كعادتها منذ مجيء الرئيس بوتفليقة إلى سدّة الحكم اختارت متابعة الأحداث و الترقب عن بعد، و التزام الصمت الحذر اتجاه ما يحدث و يجري من تطورات في الشأن السياسي العربي، هذه التطورات أرادها الغرب علنا أو بصفة مستترة أن تعمّ كل البلاد العربية بما فيها الدول المحورية ذات الوزن السياسي و التاريخي و الاقتصادي كالجزائر. لماذا الجزائر تحديدا، وماذا عن دور الدبلوماسية الجزائرية؟ لا يخفى على أحد بأن الجزائر مستهدفة منذ زمن بعيد أي قبل التسعينيات، خاصة من طرف فرنسا التي تبحث عن دور في الجزائر بشتى الطرق، وهذا راجع إلى العلاقات التاريخية بين الجزائر و فرنسا، حيث لا يزال حكام فرنسا يعتقدون بأن الجزائر يجب أن تكون مواقفها السياسية منسجمة ومتوافقة مع المواقف الفرنسية، وكلّما كان العكس تحاول فرنسا أن تستخدم كل الوسائل المتاحة لديها للضغط في هذا الاتجاه. أمريكا لديها مصالح في الدول العربية كلها دون استثناء، لكنها تتعامل بحذر مع الجزائر لأنها تعرف جيّدا بأنّ الجزائر وفقا لمنطق دائرة النفوذ و التأثير تابعة لفرنسا، و بالتالي أمريكا تحسب ألف حساب للموقف الفرنسي قبل أن تتخذ خطوة واحدة نحو الجزائر. إن هذا الطرح يقودنا للحديث عن الدور الذي تقوم به الدبلوماسية الجزائرية بصفتها القادرة على اتخاذ القرار و صناعة السياسة الخارجية. هذه الدبلوماسية رغم تاريخها المشرف إلا أنها عرفت سقوطا كبيرا وتململا في الأداء أثر على سمعة الجزائر في الخارج (غموض موقف الجزائر من الثورات الشعبية في الوطن العربي)، مما جعل هذه المخرجات السلبية تؤثر مباشرة على قدرات الدولة الاقتصادية و البشرية، كما أثرت على فاعلية الدور الجزائري إقليميا ودوليا، وهذا راجع إلى التطورات السريعة التي شهدها المجتمع الدولي في الآونة الأخيرة، وكذا تشابك العلاقات و المصالح بين الدول، بحيث توسّعت مهام الدبلوماسية بشكل أربك أداء القائمين على هذا الجهاز في الجزائر. هل الجزائر في حالة حرب؟!! إنّ غموض الموقف الجزائري من الثورات الشعبية في الوطن العربي وعدم وضوحه أدّى بالمتتبعين إلى الشك في موقف الحياد الجزائري الذي أكدّ أنّ الجزائر تحترم إرادة الشعبين التونسي و المصري في خيارهما، في حين عرف نفس الموقف نكوصا عندما تعلق الأمر بالشأن الليبي، وهو ما ترك انطباعا سيئا لدى الجميع بما في ذلك الأوساط الإعلامية و السياسية داخل البلاد حيث بدا التناقض جليا، مما عكس عدم تناغم مطلق بين الرأي العام المحلي الجزائري و الموقف الرسمي. إن الفشل الذريع للدبلوماسية الجزائرية اليوم ممثلة في وزير خارجيتها مراد مدلسي عاد عليها بضرر كبير، حيث اضطرت الجزائر إلى تحمّل تبعات الأخطاء الدبلوماسية التي ارتكبها دبلوماسيّوها حيث فشلوا أكثر من مرّة في ترجمة موقف الحياد المعلن للدّولة الجزائرية، و تبني مواقف تدافع عن مبادئ الجزائر بما يحفظ مصالحها في المنطقة باعتبارها أكبر الدول العربية و الإفريقية جغرافيا، إضافة إلى الدور المحوري الذي كان من المفروض أن تلعبه الجزائر وفقا لتاريخها. إنّ الدبلوماسية الجزائرية ترتبك بمجرّد تناقل وكالات الأنباء العالمية لبرقية تتناول فيها اسم الجزائر، وهذا راجع إلى غياب الآليات القادرة على الترويج الدبلوماسي للجزائر. هذه الأخطاء المتراكمة أثّرت على الجانب الأمني الدّاخلي و الخارجي للبلد، حيث اضطرت الجزائر إلى زيادة الإنفاق العسكري، و غلق الحدود مع ليبيا و منح السلطات العسكرية حق الإشراف على الحدود إلى غاية وضوح الرؤى و المواقف، كما عرفت الجزائر ضربات إرهابية موجعة على المستوى الداخلي من طرف تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، مسّت هذه الضربات مواقع حسّاسة و استراتيجية لأول مرّة منذ اندلاع الأزمة السياسية، الأمنية و الاقتصادية منذ بداية التسعينيات، ضف إلى ذلك مرابطة قوات حلف الناتو غير بعيد عن الأراضي الجزائرية(فرصة لا تعوض للناتو حتى يقترب أكثر من الشمال الإفريقي) بعدما كان الناتو وقوات الحلفاء يحلمون بقواعد عسكرية في دول الشمال الإفريقي. إننا اليوم في حالة حرب غير معلنة، ومن غير المستبعد أن يقوم الجيش بتوجيه استدعاء لقوات الاحتياط قريبا، وهذا تبعا للتطورات التي تشهدها المنطقة، خاصة التطورات على السّاحة الليبية التي ما تزال مفتوحة على كلّ الاحتمالات إلى غاية الآن، وهذا كلّه راجع إلى السقوط الحرّ الذي عرفته الدبلوماسية الجزائرية التي وجدت نفسها مضطرة للدفاع عن النفس وتذكير الرأي العام الدولي بمواقفها السابقة خاصة ما تعلق بالثبات على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وعدم التورط في نزاعاتها الداخلية. في الوقت الذي كان يجب عليها أن تدافع عن مصالحها، وتجنّب بلادها الدخول في حروب غير معلنة. قلم: أحمد بلقمري كاتب/ باحث في القضايا النفسية و التربوية أحمد بلقمري كاتب/ باحث في القضايا النفسية و التربوية