لم تجد الجماعة السلفية للدعوة والقتال، شمّاعة تعلق عليها انتكاساتها المتوالية، سوى وسائل الإعلام. فأصدرت بيانا هاجمت فيه بشدة الصحافة الجزائرية، ملصقة بها شتى النعوت، ومفترية عليها الكذب، بل إننا نجد من بين التهم المنسوبة زورا للصحافة الجزائرية، ''العمالة لأمريكا!'' رغم أنه لا يمكن لأي أحد، أن يزايد على الصحافة في مسألة الدفاع عن قضايا الأمة، حتى أن كثيرا من الجرائد الجزائرية، مصنفة في تقارير الخارجية الأمريكية على أنها ''معادية للسامية''. وقد حاول البيان الالتفاف على الواقع، الذي يشهد بأن الصحف، لم تقم سوى بواجبها في نقل الحقائق، مثل المشاهد الدامية التي تخلفها التفجيرات الانتحارية، أو الخسائر التي تلحق بالتنظيم الإرهابي على الأرض، وتزايد تعداد العناصر التي تسلم نفسها بغية الاستفادة من تدابير المصالحة الوطنية، وكذا الشهادات التي تدلي بها تلك العناصر عقب عودتها إلى المجتمع•إضافة إلى نقلها مواقف علماء الإسلام، الذين ينفون صفة الجهاد عن العمليات التي يقوم بها أتباع درودكال، ويحرمّون العمليات الانتحارية. بل إن كثيرا من الصحف، و''البلاد'' إحداها، تمتنع في عديد المناسبات، عن نشر صور لضحايا مجازر دروكال من المدنيين العزل، حتى لا تصدم قراءها، الذين لن يطيقوا رؤية الأشلاء الممزقة، والرؤوس المقطوعة، والأحشاء الملتصقة بأغصان الأشجار. كما أنها كثيرا ما امتنعت عن نشر تفاصيل تخص بعض الممارسات اللاأخلاقية، التي يقوم بها هؤلاء ''المجاهدون'' حرصا على عدم المساس بالذوق العام. لكن كيف لمن تجرأ على مهاجمة علماء الأمة، أن يتورع عن مهاجمة الصحفيين البسطاء. فقد دأبت الجماعة السلفية، على القدح في العلماء، على ما لهم من حرمة، ورغم أن ''لحوم العلماء مسمومة''، لم تتحرج هذه الجماعة عن وصف علماء كبار، يعدّون مراجع عصرنا، بشتى النعوت، مثل ''فقهاء المارينز''، و''علماء القصور''، فلم ينج منهم لا القرضاوي ولا بن باز ولا العثيمين. وتعكس هذه ''الخرجة'' الجديدة، تخبط الجماعة السلفية للدعوة والقتال، التي تعيش في دوامة حقيقية، ولم تستطع امتصاص الضربات التي تتلقاها على أكثر من صعيد، من بينها انكشاف حقيقتها أمام الرأي العام، من أنها ليست سوى امتداد ل ''الجيا'' سيئة الذكر وإن تغيرت المسميات، ومن جانب آخر، العمليات النوعية التي تقوم بها قوات الجيش والأمن ضدها، وتداعيات سياسة المصالحة الوطنية، التي بفضلها أصبح لا يكاد يمر يوم، دون أن تسجل عمليات تسليم مسلحين لأنفسهم لدى السلطات• يضاف إلى هذا تبرؤ القيادات السابقة، من منهج الجماعة، وتأييدها للمصالحة، كدعوات أمير المنطقة التاسعة سابقا أبو داود، ورئيس اللجنة الإعلامية سابقا أبو عمر عبد البر، و''طبيب الجماعة'' سابقا أبو زكريا، دون نسيان عبد الرزاق البارا، الذي أصدر بيانه الموسوم ب ''براءة واستنكار''، وأعلن فيه ندمه على مشواره مع الدمويين، وثمّن المصالحة الوطنية، واصفا منهج درودكال ب ''منهج الخوارج''. وفي سياق الانتكاسات، هناك فتاوى العلماء، بمن فيهم من كانوا إلى وقت قريب يعدّون منظّرين للجماعات ''الجهادية'' في العالم، أمثال الطرطوسي والمقدسي، والدكتور فضل، وغيرهم ممن أعلنوا رفضهم للعمل المسلح وتقتيل المسلمين أيّا كان المبرر، لاسيما عن طريق العمليات الانتحارية، مما جرد تنظيم درودكال من الوسيلة الوحيدة التي أصبحت متاحة أمامه، وهي العمليات الانتحارية، التي لجأ إليها لعدم قدرته على الدخول في مواجهات مباشرة مع قوات الجيش والأمن، وللصدى الكبير الذي تخلفه هذه العمليات. كل هذا دفع بالجماعة السلفية للدعوة والقتال، إلى البحث عن شمّاعة تعلق عليها انتكاستها، فلم تجد إلا الصحافة، وقبلها العلماء، في انتظار أن تهاجم الشعب بأكمله وتكفرّه وتبيح دمه، مثلما فعلت ''الجيا''.