بعد خلاف حاد بين رئيس محكمة الجنايات بالعاصمة الموريتانية نواقشط القاضي عبد الرحمن ولد مولاي ورئيس هيئة الدفاع عن المعتقلين حول رفض القاضي طلبا تقدمت به الهيئة يتضمن استدعاء مجموعة من الضباط الموريتانيين العاملين في سلك الشرطة وعلى رأسهم مفوض الشرطة المعروف في الأوساط السياسية والحقوقية "دامس ولد لكبيد". قرر رئيس المحكمة رفع جلساتها الى يوم غد الخميس في انتظار حل الأزمة التي نشبت بعد تصريحات أدلى بها المعتقل الجزائري إسماعيل عيسى والمعتقل الموريتاني محفوظ ولد ادوم اتهما فيها أمس الأمن الموريطاني بتهديدهما بالإغتصاب والإشراف على تعذيبهما شخصيا وبشكل ممنهج طيلة شهر، حيث فقدا خلاله الإحساس وحملا تشوهات وتشققات في الجسد لا تزال بادية على جسم الرجلين رغم مرور سنتين على عملية التعذيب والإعتقال. رئيس نقابة المحامين السيد أحمد ولد يوسف ولد الشيخ سيدا أتهم الضباط بأنهم مارسوا تعذيبا وحشيا على المعتقلين وأنهم باتوا جزء من الملف لأن شهادتهم ضرورية لمعرفة الأجواء التي أعدت فيها محاضر التحقيق من قبل الأمن والأجواء التي أكره فيها المعتقلون على التوقيع عليها رغم أنها خالية إلا من تزييف متعمد وتشويه للحقائق مقصود بقصد تضليل العدالة تصريحات رفضتها النيابة العامة واعتبرها إستباقا للتحقيق وتأثيرا على سير المحاكمة في أول جلساتها داعية الجميع إلى التعاون من أجل إنهاء الملف بشكل سليم. وأعلنت وكالة الجمهورية في نواقشط عن قلقها الشديد ازاء المعلومات التي نشرتها وسائل الإعلام عن ملف محاكمة السلفيين والتي اعتبرت أنها تتضمن أحكاما مسبقة على نتائج المحاكمة التي بدأت لتوها. وذكر بيان لوكالة الجمهورية أن المبررات التي اعتمدتها بعض وسائل الإعلام في التعليقات على وقائع المحاكمة هشة ولا تستند لدليل، مشيرة إلى أن القول بأن اعترافات المتهمين انتزعت تحت التعذيب "أمر مردود". وأضاف البيان الذي حصلت الشروق على نسخة منه أن الدفاع لم يشر إلى هذه المبررات خلال مرافعاته حول الدوافع الشكلية أمام المحكمة. مذكرا بأن المتهمين في هذا الملف تم القبض عليهم في التهمة الموجهة إليهم والمعاقبة بموجب المواد 3 و8 من قانون العقوبات "بتهمة قيادة جمعية غير مرخصة وتشكيل والانتماء الى جمعية اشرار بهدف التحضير أو القيام بجرائم ضد اشخاص أو ممتلكات.. مشيرا إلى أن "هذا العمل يشكل مساسا بالسلم العمومي وتعاقب عليه المواد 246-247 من القانون الجنائي". وأوضح البيان أن ملف هذه القضية تم إعداده جيدا قبل إحالته الى المحكمة الجنائية. وأكدت النيابة أنها "ملتزمة بتقديم كافة الضمانات لإجراء محاكمة عادلة تمكن المحكمة من النظر بحياد في البراهين المادية التي يقدمها الادعاء والدفاع"، داعية الاطراف المعنية الى وصفته "التحلي بالانضباط وتجنب المزايدات والسهر على أن تكون المحكمة في ظروف تضمن لها القيام بمهمتها على أكمل وجه". وكان المحكمة قد استمعت يوم الثلاثاء خلال جلسات الإستنطاق إلى سبعة أشخاص وسط أجواء صعبة أدت في اللحظات الأولى إلى مواجهات ساخنة بين الدفاع ورئيس المحكمة الذي رفض التواجد الكثيف للمحامين قرب قفص الاتهام. إضافة إلى انزعاج المحامين من الإجراءات الأمنية المشددة للدرك ومبالغة الأمن في ضبط نظام القاعة بشكل يقيد حرية وتحرك المحامين ومشاوراتهم، مما حدا بالمحامين الرد عليه بالحجج والقوانين المنظمة والتي تبين عدم أحقية رجال الدرك والشرطة في فرض سلطاتها على المحامين. وطالب الدفاع رئيس المحكمة بسحب الصلاحيات الممنوحة للسلطات الأمنية في القاعة، معتبرين أن تحرك المحاميين وتبادل الرستشارة بينهم تقليد قضائي معروف في كل الدول والأنظمة على اختلاف اتجاهات ومشارب أنظمتها، وما إن انتهى الخصام في هذه الإشكاليات بغلبة رأي رئيس المحكمة الجنائية في مسألة المنصة، حيث أقر أحقية اثنين منهما فقط، في الصعود إليها، حتى فتح بشكل قوي صراعا آخر بين الدفاع وممثلي النيابة ممثلة في نائبي وكيل الجمهورية، واللذين أشارا إلى ضرورة تقيد المحامين بالقوانين والنظم التي تكفل سكينة القاعة، وتمنع التشويش الذي يخل بسير المحاكمة، ورفض أحدهما تجريد اسمه "احمد" ومنع نقيب المحاميين من ندائه باسمه المجرد بدلا من وظيفته كنائب وكيل الجمهورية، وطالب الدفاع من الرئيس عدم تجاوز العيوب الشكلية التي صاحبت المحاضر، بعد ذلك تدخل رئيس المحكمة طالبا البدء في استنطاق المتهمين. وكان أول المدعوين الجزائري عبد المجيد بن بشير، وبعد أن سأله عن اسمه ومكان وتاريخ ميلاده أبلغه الرئيس التهمة المنسوبة إليه، وهي تكوين وقيادة جمعية غير مرخصة، والقيام بأعمال لا تقرها الحكومة هدفها الإضرار بمصالح البلاد، وتعريض الموريتانيين للخطر، ونفى بشدة التهمة وقال بأنه طالب محظري كان يسكن في مسجد غرب سوق العاصمة، وقال بأنه ينكر هذه التهمة جملة وتفصيلا، واصفا إياها بأنها مبنية على باطل وما بني على باطل فهو باطل، وكل ما في الأمر، يضيف، انه شغف بحب موريتانيا إلى حد الهيام، لما لها من منزلة علمية ودينية ولعلمائها من مكانة في قلبه، وقال بان تزكية علماء البلد وشيوخه له تعد شهادة على براءته من التهم التي صاغتها الشرطة من فراغ متهما رجال الشرطة بممارسة أشكال شتى من التعذيب البشع في حقه، من أجل إرغامه على الاعتراف بتهم لا علم له بها أصلا. ونفى اعتناقه لأي مبدأ سياسي أو فكري، وقال بان علاقته بموريتانيا علاقة الطالب بشيخه، ولا يمكن مطلقا أن يتسبب في إيذائها، وفي رده على سؤال لنائب وكيل الجمهورية حول علاقته بالمدعو محمد الامين الصحراوي نفى المتهم أي سابق علم له بالمدعو الصحراوي، مفندا ما تضمنه المحضر من أن المدعو اسماعيل عيسى هو حلقة الربط بالجماعة السلفية الجزائرية في مارس 2003، وقال إن سبب معرفته بالسيد إسماعيل عيسى من الجزائر كانت من أجل علاج شيخه محمد بن محفوظ بن المختار، وقال في معرض جوابه على أسئلة الدفاع انه تعرض لمدة تزيد على أربعين يوما لصنوف قاسية من أشكال التعذيب والتنكيل التي تشيب لها الولدان، وقال إن قضاة التحقيق ومندوبين عن وزارة العدل شاهدوا آثاره واضحة على جسمه، ونفى ضبط الشرطة بحوزته أي قرائن أو وثائق تدل على نيته القيام بما يعزز اعتقاله لمدة سنتين دون محاكمة. بعد هذا المتهم تم استدعاء المتهم الجزائري إسماعيل عيسى بن عبد الله وقال بأنه يسكن منذ ما يزيد على عقد من الزمن في الميناء قرب مسجد قطر، ونفى بشدة التهمة المنسوبة إليه قائلا بأنها باطلة ولا أساس لها من الصحة، وقال بأنه اقتيد من منزله من طرف الشرطة الذين عذبوه عذابا لا يعذب به احد من شدة القسوة والفظاعة، وقال بأن زوجته كانت حاملا وقد أجريت لها عملية قيصرية بسبب تأثرها بما جرى" ومن على قفص الاتهام اظهر السيد إسماعيل آثار التعذيب في جسمه لرئيس المحكمة مطالبا باستعادة حقوقه، ورد الاعتبار لما لحق به من إهانة" وقال بأن حكومة بلاده تتابع الأمر بشكل يومي لقناعتها التامة ببراءته، وأضاف بأن وجود القنصل الجزائري في قاعة المحاكمة يعكس إيمان حكومة بلاده ببراءة مواطنها، وقال بأنه مكث 45 يوما في مخافر الشرطة يقاسي ألم التعذيب الجسدي والنفسي، مقسما بأن لا علاقة له بالجماعة السلفية. وعن تاريخ مجيئه إلى موريتانيا قال بأنه وصل العاصمة نواقشط عام 1993 وقد تنقل بين محاظر مختلفة، وقد اعتقل وهو يزاول مهنة التعليم في المدارس الحرة، وقال بأنه يعرف شخصيات رفيعة عسكرية وسياسية وتعرفه من ضمنها الصغير ولد امبارك "الوزير الأول السابق" ومولاي ولد بوخريص "قائد أركان الجيش" حيث كان يدرس أبناءهم إضافة إلى أبناء بعض الدبلوماسيين العرب في موريتانيا. وكيل الجمهورية من جهته وجه له تهما تتعلق بدوره بلعب دور الوسيط بين الجماعة الموريتانية والجماعة السلفية الجزائرية للدعوة والقتال وعن علاقته بمحمد ولد احمد الملقب الشاعر قال بأنه صهره، ونفى معرفته بالمسمى عبد الله ولد امينو والمسمى النووي قائلا إنه تعرف عليهما فقط في السجن المدني في العاصمة نواقشط. بعد ذلك استدعي المتهم احمد مزيد ولد عبد الحق وبعد رده كالمعتاد على الأسئلة الإجرائية لرئيس المحكمة المتعلقة بهويته ورده على التهمة المنسوبة إليه قال بأن التهمة كذب وزور وجميع المحاضر مزورة، وقال بأنه خضع ل20 جلسة تعذيب من طرف بعض رجال الشرطة المتفننين في شتى أهوال التعذيب، وقال بأنهم استخدموا تقنيات "جكوار" والصعق بالكهرباء وغير ذلك ونفى في رده على سؤال لبعض المحلفين أن يكون مستشارا شرعيا للجمعية التي لا علم له بها، وقال بأنه لم يزر أي بلد خارج موريتانيا سوى غامبيا، وبعض الدول الافريقية لغرض التجارة مستثنيا تأديته لمناسك الحج لمرة واحدة في المملكة العربية السعودية، كما نفى أي صلة له بأسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة مفندا ما تضمنه المحضر من انه كان أستاذا له في أفغانستان. بعد انتهاء استنطاقه تدخل الدفاع لينبه على اختلالات شكلية تبطل المحاضر على حد وصفهم، وهي عدم توقيعها من طرف المتهمين وهي الإشكالية التي أثارت زوبعة كبيرة من النقاش والسجال بين الدفاع وممثلي النيابة مما حدا برئيس المحكمة إلى رفع الجلسة لصلاة الظهر والاستراحة دقائق. سيد أحمد ولد باب/نواقشط صحفي موريتاني