نتائج المرحلة الثانية من الانتخابات المعلن عنها مؤخرا لم تختلف عن سابقتها في المرحلة الأولى، ما هي قراءتكم لتلك النتائج؟ وهل ستؤثر على باقي مراحل السباق الانتخابي؟ تأثير النتائج الأولى على المرحلة الثانية من الانتخابات كان متوقعا، وفوز مرشحي حزب ”الحرية والعدالة” الإخواني لم يكن مفاجأة على اعتبار أن الجماعة كانت تمتلك عددا معتبرا من النواب في البرلمان السابق رغم التزوير الذي طاله، وبالتالي فما تحقق لهم حتى الآن كان الجميع يتوقعه لجملة أمور· والجميع يعرف أن الإخوان لهم اتصالات كبيرة مع مختلف أطياف الشعب وكوادرهم منتشرون بقوة في المناطق الريفية والحضرية وبالتالي كانت نشاطاتهم كبيرة وقدرتهم على التنظيم بارزة، كما أنهم أحسنوا العمل في الاستفادة من الوضع الاجتماعي المتردي في أوساط طبقات واسعة من المصريين· قابل كل هذا ضعف وترهل لدى الأحزاب الأخرى التي لم يكن لها نشاط كبير حتى أضحت تسمى بالأحزاب ”الكارتونية” رغم ما لها من رصيد تاريخي· كما أن معظمها كان متحالفا مع السلطة لذا لم تمنحهم صناديق التصويت ما منح للإخوان والسلفيين· أما بالنسبة للشباب فهؤلاء لم ينظموا أنفسهم في أحزاب، ثم إن الخبرة وأموال الدعاية كانت تنقصهم فكان من الطبيعي أن يذوبوا في أحزاب أخرى أو ينظموا أنفسهم في تكتلات صغيرة وغير مؤثرة· ؟ التطورات الأخيرة في المشهد المصري على الصعيدين الأمني والسياسي، دفعت بحدة الخلاف بين جماعة الإخوان المسلمين صاحبة الأغلبية في البرلمان حتى الآن، والمجلس العسكري القائم بصلاحيات الرئاسة إلى أعلى مستوياتها، هل تعتقدون أن حالة التناغم التي كانت بين الطرفين قبيل الانتخابات الجارية ستتحول إلى صراع جدي على الصلاحيات؟ لا أتصور وجود خلاف بين الإخوان المسلمين والمجلس العسكري، فالاثنان يعملان من أجل المصلحة العامة وإن اختلفت التحركات أو التكتيكات· جماعة الإخوان التي كانت محظورة طوال العقود الماضية تمتلك تجربة كبيرة أكسبتها خبرة في التواصل مع شرائح واسعة من المجتمع منحتها شعبية كبيرة، والمجلس العسكري أكد أنه لن يستمر في الحكم ولا يريد البقاء في السلطة· ولكن الخلاف الآن هو حول التوجهات المتخذة وكيفية الوصول إلى الهدف· المجلس العسكري عندما أنشأ المجلس الاستشاري دعا الجميع للمشاركة بمن فيهم الإسلاميون، في المقابل أبدى البعض تخوفا من الاعتداء على صلاحيات البرلمان أو الدستور وهذا غير سليم، والأستاذ منصور حسن رئيس المجلس الاستشاري نفى كل التخوفات وقال إن مهام المجلس تنحصر في تقديم الاستشارة فقط، بحيث يقترح على أعضاء المجلس العسكري الرؤية والمشورة، علما أن هذا المجلس يمثل أطيافا كثيرة من الشعب والقوى السياسية، وبناء عليه ستكون الأفكار والتوصيات غير ملزمة للمجلس العسكري وغير ملزمة للبرلمان ولا لجنة صياغة الدستور· أما القوات المسلحة فدورها حماية الدولة والذود عن حدود الوطن وليس الحكم، ولذا هناك نوع من القصور فيمن يرى أن قيادة العسكر وقعت في نوع من التخبط بعدد من القرارات المتخذة· وشخصيا أعتقد أن هذه الخطوة طيبة وصحيحة لأنها ستساعد على توجيه الأمور وتهدئ من بعض المخاوف التي راودت البعض من القوى السياسية على أساس أن هناك رغبة للانقضاض على السلطة أو تمييع المسؤولية او إضاعة الوقت أو كسبه· كما أنها تطمئن الأقباط والأقليات والنساء الذين يخافون من آراء بعض من يمثلون الأغلبية داخل التيار الإسلامي، خاصة عندما طرحت من قبل بعض السلفيين بخصوص قضية تحريم السياحة وأن المرأة مكانها البيت وأن الأقباط يجب أن يدفعوا الجزية وغيرها من تلك التصريحات غير المناسبة· لذلك أتصور أن الاتفاق على معالم واضحة لشكل الدولة سيجنب مصر أي خلاف مستقبلي بين جميع الأطراف الفاعلة في الساحة، نتفق على علمانية الدولة مع كون الشريعة الإسلامية المصدر الأساسي من مصادر التشريع· ولكن هذا لا يعنني أن نكون دولة إسلامية على غرار بعض الدول الأخرى، فهناك نماذج إيجابية لدول مسلمة مثل أندونيسيا، تركيا وماليزيا، ممكن أن نقتبس من تجربتها· يقال إن طبيعة النظام في مصر الذي يحظى فيه الجيش بقوة نفوذ وتأثير واسعة قريب من النموذج التركي أكثر من باقي النماذج الأخرى التي ذكرتها، هل تعتقد أن هذا النموذج قابل للاستنساخ في مصر؟
كل دولة لها خصوصياتها، ففي تركيا الجيش له دوره وفي مصر الجيش كذلك له موقعه ودوره واحترامه منذ ثورة .52 لذلك من الصعب تنحية الجيش بشكل كلي في المرحلة الراهنة خصوصا أنه اتخذ موقفا إيجابيا من الثورة· في اعتقادي أن القواسم المشتركة بيننا وبين ماليزيا تتجسد في حالة الفقر الشديد لطبقات واسعة من الشعب، وهو ما عاناه الماليزيون أيضا قبل وصول مهاتير محمد إلى الحكم، إلى جانب التنوع الديني والعرقي الموجود هناك مثلما هو موجود عندنا، لكن كل ذلك لم يمنع ماليزيا من التقدم والخروج من أزمتها حيث قام الرئيس مهاتير بما يشبه المعجزة، إذ انتقل الدخل القومي إلى المراتب الأولى على المستوى العالمي وأصبح الشعب الماليزي من أكثر الشعوب رفاهية في منطقة جنوب شرق آسيا، بل انتقل البلد هذا إلى لعب أدوار عالمية حين تقدم بأفكار ذات قيمة عالمية تدعو إلى إصلاح الأممالمتحدة وتطويرها· نحن في مصر نريد أن يكون لدينا أناس عندهم تصور واسع ورؤية شاملة لتقديم أفكار تتجاوز المشروع القومي كما فعل مهاتير، لأن مصر مدعوة لأداء دور ليس فقط داخل حدودها القومية فنحن نتأثر ونؤثر في المنطقة كلها سواء كانت عربية أو إسلامية بل وحتى إفريقية· ولا مانع لدينا بل لا بد من الاستفادة من التجربة الماليزية و التركية وغيرهما، خصوصا أننا نمتلك تجربة وتاريخ وكوادر في الداخل والخارج وعندنا خبرات ومؤسسات، ولن نبني الدولة من العدم كما هو واقع في ليبيا مثلا· في اعتقادي أن النموذج المصري سيكون خليطا من كل هذه التوليفة· أما النتائج والمشهد العام فلن يبدأ في التشكل إلا بعد 4 أو 5 سنوات من الآن، بسبب التركة القديمة المثقلة بالهموم والأزمات إلى جانب التخبط الحاصل على خلفية المطالب الفئوية الضيقة·
هل ترى أن التخوفات الحاصلة والمعلنة لدى بعض الأطراف من صعود التيار الإسلامي إلى الحكم واقعية ومشروعة؟
عموما ليس هناك تخوف من وصول الإسلاميين بينما يبقى مطروحا لدى عدد من التيارات من بعض الأفكار المتشددة، وهذا طبيعي لأن كل تيار فيه معتدلون ومتشددون، لكن الذي يجعلني متفائلا من الإخوان أن هؤلاء لهم خبرة في العمل السياسي وعندهم رصيد تاريخي في النضال رغم الحضر الممارس عليهم سابقا، فهم قد تمرسوا على العمل السياسي واكتسبوا خبرة طويلة محلية ودولية· ولعل الجميع على اطلاع على أن الأمريكان وقوى كثيرة في الغرب بدأت منذ خمس إلى ست سنوات تهتم بالإخوان، خصوصا بعد تؤكدهم من أنه سيكون لهم مستقبل سياسي وهم على دراية بالتجربة في إيران وأفغانستان ودول أخرى، وهذا كله أعطى الأخوان خبرة وفرصة للوقوف على المطالب الدولية· كما أن معظم قياداتهم من رجال الأعمال وبالتالي فهم يدركون معنى العمل الحر والمبادرة وقوى السوق والعرض والطلب ويدركون أيضا أن التأميم لا يعني بالضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية· أما التخوف القائم فاعتقادي أن منبعه من السلفيين، فأفكارهم الظاهرة جديدة علينا في مصر رغم وجودهم هم وغيرهم من التيارات الدينية الأخرى، لذلك فالسؤال المطروح اليوم هل إن أفكار السلفية نابعة من المجتمع حقيقة أم نتيجة تأثر بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وبالتالي هي حاجات وطنية ومجتمعية أم أنها مدفوعة من قوى أخرى لتنفيذ أجندة غير وطنية· وبعيدا عن مسالة المؤامرة والتخوين يهمنا أن يكون للسلفيين أفكار متنورة ويطبقوا الإسلام لأن هذا الدين حضارة عظيمة نعتز بها جميعا كمصريين، ولا نريد أن نجعل من الإسلام يضيق بالتنوع والثراء الذي يزخر به مجتمعنا وتعايشنا معه لقرون طويلة، فإذا سار السلفيون على هذا النهج وتمكنوا من تطوير فكرهم فأهلا وسهلا بهم وبغيرهم من التوجهات طالما ليس ثمة إجبار للرأي·
أنتم أشرتم الآن إلى قوى خارجية تريد تنفيذ أجندتها في مصر، وكثيرا ما نسمع من أطراف كثيرة وعلى رأسها المجلس العسكري هذا التخويف من الخارج دون أن نعرف أطرافه، هل لكم أن تذكروا لنا من تقصدون بالجهات الخارجية تحديدا؟ إن المجلس العسكري أراد أن يفصح عن هوية هؤلاء لأفصح عنهم، ولكن المؤكد أنه يمتلك معلومات أكيدة وموثقة على وجود أصابع خارجية في كثير مما يدور اليوم داخل مصر من أحداث، وأنا بدوري لا أستطيع التحديد أو كيل اتهامات لجهة معينة، فما أتحدث عنه مجرد تخمينات وتوقعات، ولكن هذه الأطراف الخارجية قد تكون سياسات دول كما قد تكون تلك الدول نفسها زج بها حتى من غير أن تعلم على غرار تورط بعض رجال الأعمال من جنسيات معينة في دعم أطراف وتوجهات معروفة في مصر· وبالمناسبة ذكرت السعودية في هذا الموضوع على أساس أنها تساعد التيار السلفي، وأنا شخصيا أشك في ذلك، وأقول ربما هذا اختلاق حتى من قبل السلفيين أنفسهم حتى يوهموا بأن لهم سندا من قبل السعودية أو قطر، وإن كنت لا أعتقد أن هذه الدول تسير في هذا الاتجاه أو أن تكون لها مصلحة في هذا الموضوع· قد تكون هذه الأطراف دولا أخرى سواء في المنطقة أو خارجها لها يد فيما يحدث· أما إسرائيل فلا يجب أن ننسى أنها تريد أن تشعل المنطقة لذا لا يستبعد هذا التدخل سواء من قبل مؤسساتها أو رجال أعمال أو أطراف أخرى في ظل الوضع الحالي·
أصابع الشك كثيرا ما توجه هنا إلى دولتين تحديدا، ونقصد مصر والسعودية؟ لا أعتقد أن من مصلحة قطر أو السعودية توتير الأوضاع في مصر، لأن التوجهات المتشددة هذه لو تمكنت ستؤثر في الأوضاع الداخلية للدوحة والرياض نفسيهما، لذلك لا أتصور تورطهما، قد تكون أطراف أخرى لديها مصلحة في المنطقة تريد الإبقاء على حالة عدم الاستقرار في مصر وأن تبقى الأوضاع مرتبكة على حالها·
يقال إن حصول الإخوان على أغلبية الأصوات في انتخابات مجلس الشعب لم يكن ليتم لولا حصولهم على الضوء الأخضر الأمريكي، فما رأيكم في هذا؟ لا أبدا، ما أسفرت عنه نتائج الانتخابات في مصر لم يكن لا بدعم من أمريكا ولا تجسيدا لأجندتها، فهم وعوا جيدا الدرس الإيراني عندما رأوا الخميني يقتلع السلطة من نظام الشاه· واشنطن تدرك جيدا أنها لن تتمكن من الوقوف في وجه إرادة الشعوب، كما أدركت أن التوجهات عند الأنظمة التي ساندتها من أجل أمنها وأمن إسرائيل لم تعد تجدي نفعا، هم لا تعوزهم المعلومة خاصة في البلدان المهمة لذا اتصلوا بكافة الأطياف الممثلة للمجتمع وليس فقط الإخوان ليؤمنوا أنفسهم ويخلقوا أرضية تواصل مع الذي سيأتي إلى الحكم، وسيفعلون ذلك حتى إذا أخذ الإخوان او السلفيون الحكم لأن الدورة السياسية تقتضي ذلك· إقرار إدارة أوباما وصول الإخوان لا يعني أنهم يدعمونهم أو يرحبون بهم بقدر ما يرغبون في ترويضهم والتعرف على فكرهم حتى إذا وصلوا إلى الحكم سيتسنى لهم التعامل مع من يعرفون·
قبل أيام خرج رئيس لجنة الدفاع بالكنيسيت الإسرائيلي بن أليعيزر بتصريحات مثيرة، شدد فيها على ضرورة تعزيز القوة العسكرية على الحدود مع مصر تحسبا لحرب مقبلة، ما قراءتكم لهكذا تصريح؟ وما هو موقع اتفاقية ”كامب ديفيد” من كل ما يجري حاليا؟
ادعاء إسرائيل بأنها مهددة وما رافق ذلك من تصريحات متطرفة على لسان ليبرمان تزامنا مع ظهور نتائج الانتخابات وحتى قبلها، راجع إلى أن تل أبيب لم تعد تلك البقعة الوحيدة للديمقراطية في المنطقة كما يقولون، بل أضحت الكثير من الدول العربية تعيش حالة ديمقراطية لا ضبابية فيها، وهذه الدول تهم الغرب أكثر من إسرائيل لأن هذه الأخيرة أضحت عالة على الغرب وتسبب له الكثير من المشاكل، خصوصا أن هذا الغرب لم يجد طريقه بعد لحل موضوع إيران بسبب سياسة الكيل بمكيالين التي ينتهجها مع الملف النووي الإسرائيلي، وأعتقد أن الإسرائليين يبالغون في هواجسهم منذ إعلام عصام شرف رغبة القاهرة في مراجعة اتفاقية السلام بين الدولتين· وإن كان هذا الأمر مطروحا فهو لا يعني إعلان الحرب مع إسرائيل، والشعب إن كان متحمسا لما يحصل وكذا استمرار المعاناة في غزة هذا لا يعني دخول مصر في حالة استعداء لإسرائيل· قد تكون هناك مستجدات جديدة تستدعي ضرورة التعديل، لكن ذلك لا يعني أننا سنلغي الاتفاقية أو أننا سندخل في حرب·
الوضع الأمني المتدهور في الجارة ليبيا، يشكل تهديدا لكل دول المنطقة بسبب تسرب كميات كبيرة من الأسلحة، هل تؤكدون ما تتناقله التقارير الأمنية والإعلامية عن تهريب كميات هائلة من السلاح إلى داخل الأراضي المصرية؟ منذ تطور الأوضاع في ليبيا ونحن نراقب الوضع بسبب وجود جالية مصرية كبيرة هناك، وتهجير الكثير منهم عن طريق تونسوالجزائر وهم على هذا مشكورون· الجميع يعلم أن مخازن الأسلحة فتحت على مصراعيها أمام الكل وبالموازاة مع ذلك هناك مشاكل بين الثوار أنفسهم وانتشار الأسلحة دون رقيب يهدد كل دول الجوار سواء مصر او الجزائر وحتى تونس· وهناك معلومات استخباراتية أكدت تسرب صواريخ مضادة للطائرات التجارية وهذا الأمر يشكل خطرا كبيرا جدا، أضف إلى ذلك مشكلة المخدرات التي أضحت تنتشر وتدخل الى مصر من الحدود الليبية الممتدة الأرجاء في الصحراء وقد رصدت القوات المصرية بعض الأسلحة داخل مدننا ووصلت إلى حدود سيناء وهو ما جعل إسرائيل تعتبر ذلك تهديدا لها· فالأمن المفقود بعد الذي جرى في ليبيا أكيد أصبح يهدد كل دول الجوار، وهذه الحالة قد تستمر إلى أن تتخرج دفعتان أو ثلاث جديدة من عناصر الجيش الليبي النظامي لاستعادة زمام المبادرة وضبط السلاح والحدود معا· في أي سياق قرئ الصعود المدوي لأحزاب التيار الإسلامي في كل من مصر وتونس والمغرب؟ ألا تعتقدون أنه موجة عابرة ستنتهي بمرور الظرف الحالي الذي تعيشه المنطقة؟
الإسلام شيء متجذر في نفوس الشعوب بمنطقتنا العربية، فهويتنا وتقاليدنا ولغتنا كلها ترسخ صلتنا بالإسلام، كما أن الوازع الديني قوي في وجدان مجتمعاتنا رغم ما قد يصدر عن بعض الأفراد من محظورات لكن هذا لا يلغي هذا الأمر، إذن فالخيار الإسلامي هذا ليس أمرا دخيلا كونه موجودا في مجتمعاتنا ومخيالنا العربي· أضف الى ذلك ان الإخفاقات الأخرى التي حصلت في منطقتنا، لم يوجد لها بديل غير شعار ”الإسلام هو الحل” الذي يرغب الجميع تجريبه في الوقت الحاضر بعد فشل كل التجارب والخيارات السابقة دون أن تخرج بهذه الشعوب من أوضاعها المأساوية· كل هذا يقابله وجود نماذج إسلامية مشجعة كما هو الحال في تركيا وماليزيا واندونيسيا التي تقدمت فلماذا لا نتقدم نحن بهذا الخيار· الشعوب تبحث عن العدالة والحقوق في أي نموذج، المهم أن يكون هذا النموذج مرشحا لينتقل بأوضاع الشعوب نقلة نوعية على جميع المستويات دون أن يعني ذلك أن اختيار الإسلاميين هو خيار ناجح· ؟ لو نتحدث عن الجامعة العربية، حاليا كثيرون ينتقدون الدور المشبوه الذي تقوم به بعض الأطراف داخل الجامعة، حيال ما يحصل من حراك في المنطقة، ما رأيكم في هذا؟
أنا سفير مصر ولا يحق لي الحديث عن الجامعة العربية، وإن تكلمت فمن منطلق أن مقر الجامعة في القاهرة وأمينها العام يحمل جنسية بلدي، بعيدا عن التقييم أو التعليق على أداء الجامعة فإنني أؤكد على أن لنا رؤية معينة نتقاسمها مع الجزائر وفي الموضوع السوري بالذات فالجامعة تحاول قدر الإمكان أن تكون في مستوى التحديات وقريبة من آمال الشعوب خاصة بعد الشرخ الذي كان واقعا بين الطرفين وكانت قرارات الجامعة تتخذ مسبقا وتتوجه بصورة جماعية فقط للزعماء· البعض ينتقد أداء الجامعة العربية ويتهمها بجلب الناتو إلى ليبيا، والحقيقة غير ذلك لأن الذي يتحمل المسؤولية هو القذافي ذاته الذي توعد وهدد شعبه وأخرج له الدبابات والطائرات الحربية، العرب حاولوا قدر الإمكان أن يجنبوا ليبيا التدخل الأجنبي كما يجتهدون حاليا تجنيب سوريا ما حدث في ليبيا· لذا نحن نطلب من السوريين أن يساعدوا أنفسهم ويسمحوا لوسائل الإعلام والملاحظين بدخول الأراضي السورية فإذا كان ما يدعيه النظام السوري صحيحا سينقلونه وإلا فسوف تنقل وسائل الإعلام الواقع كما يصور حاليا وهذا لنجنب التدخل الأجنبي الغربي· هناك حديث عن اختطاف قطري خليجي للقرار داخل الجامعة العربية، هل هذا الكلام سديد؟
قطر تترأس الدورة الحالية للجامعة، ولا أحد ينكر أنها تمتلك حظوة وإمكانات وعلاقات كبيرة رأت أن تسخرها لدعم الشعب السوري كما دعمت من قبل غيرهم· شخصيا لا أعتقد أن مصر والجزائر والدول الأخرى كالسعودية وعمان ستمشي على طول الخط مع قطر، لذلك قد تكون لنا رؤية أحيانا مختلفة لكننا نتفق على أن الأوضاع تقتضي أحيانا الضغط على سوريا الشقيقة حتى نجنبها أي ضربة عسكرية أو تدخل خارجي·
ما حقيقة التنسيق الجزائري المصري لإعادة التوازن إلى القرار داخل الجامعة، وكيف تردون على من ينتقد توجه الدولتين بخصوص موقفهما المتحفظ من الأزمة السورية؟ أبدا وزير الخارجية المصري ونظيره الجزائري مراد مدلسي، يؤدون دورهم بكل إخلاص ونية حسنة وقناعة وعلى اتصال بوزير خارجية دمشق وليد المعلم والأمين العام للجامعة ليكون هناك توافق ونقل صورة واضحة لسوريا حول رؤية الجامعة للحل· طبعا دون أن يكون هناك دعم للنظام السوري ضد شعبه ولا دعم للمعارضة ضد النظام، بل دعني أقل لك إن موقف مصر والجزائر فعلا موقف قومي عروبي سيذكره التاريخ، كونه ينبع من إدراك الدولتين بالمسؤولية الملقاة على عاتقهما كبلدين مؤثرتين في المشهد العربي، للخروج من الأزمة الحالية في سوريا بأقل الأضرار عبر محاولة وصول إلى تفاهم لا يتأتى إلا إذا أدرك النظام السوري حجم المخاطر ويعطي فرصة للجامعة العربية ليساعدوه على الحل يصل بالشعب السوري والدولة والمؤسسات السورية إلى بر الأمان· وهذا لا يعني دعم فريق على فريق أو دولة ضد دولة فمصر والجزائر مدركتان للتهديدات والمخاطر التي تحيق بسوريا والمنطقة كلها ومن دافع المسؤولية يتم هذا التحرك· ما المخرج الذي تتوقعونه للأزمة السورية؟ صعب التوقع، خصوصا أن آلة القمع لازالت شغالة والنظام السوري مصر على غلق المجال أمام وسائل الإعلام الأجنبية، والتطورات على الميدان لا تبشر حتى الآن بالخير والكثير بدأ يستمع للمجلس الانتقالي الذي قدم خطة عسكرية للأمريكان وهؤلاء أعجبوا بها· في اعتقادي أن التدخل العسكري في سوريا سيكون له أثر أخطر من التدخل في ليبيا، لأن الشعب وقتها كله كان ضد القذافي والمساحة شاسعة وما دمر في ليبيا يمكن إعماره· أما سوريا ففيها مذاهب وطوائف متشعبة، وأي ضربة عسكرية ممكن أن أن تشتعل المنطقة· لو نعود إلى العلاقات الجزائرية المصرية، كيف تقييمونها بعد التغيير الذي حصل في مصر؟ دعني أقل لك، إنني كل ما التقيت بالرئيس بوتفليقة يقول لي ”طمني على مصر·· أوضاع مصر إيه”، الرئيس بوتفليقة رجل عروبي قومي يفهم المسؤولية وهو يحب مصر بشكل عميق· العلاقات المصرية الجزائرية كانت ولاتزال في أحسن مستوياتها ليس فقط منذ سقوط نظام مبارك بل حتى قبله، وبالمناسبة أقول إن الغالبية العظمى من الشعب المصري لم يكن راضيا عما حدث بين البلدين بمناسبة مقابلة كرة القدم وحتى وإن تأسفوا لعدم التأهل إلا أن الأسف على ما وصلت إليه الأمور كان حاضرا خاصة وأن دماء جزائرية ومصرية سالت في تراب البلدين، في حروب تحرير واستقلال والكل يدرك في مصر عدد شهداء الجزائر وكما قلت حتى قبل أن يسقط النظام كان هناك تأكد بغياب التعاطي الموضوعي والعقلاني مع هذا الموضوع خاصة أن هناك مواطنين وشركات تضررت من تداعيات المقابلة· وقد صححت الأخطاء قبل سقوط النظام وبعده، ولعل رفع العلم الجزائري في ميدان التحرير أثناء الثورة يعبر عن موقف متميز من المصريين باتجاه الجزائر وهذا يعني أن الشعب لم يكن راضيا على تعاطي النظام مع قضية المقابلة وتداعياتها· الحمد لله، الإرادة الآن موجودة عند الطرفين دون إنكار وجود قلة قلية لدى الطرفين تراهن اليوم من خلال بعض الكتابات، على إعادة تعكير الأجواء لكن هيهات لأن العلاقات المصرية الجزائرية كبيرة وآفاقها تخدم الشعبين وكامل المنطقة من الناحية السياسية والاقتصادية وحتى الإستراتيجية·· إذن، كيف تقييمون حجم التعاون الاقتصادي بين الجانبين في ظل المشهد الجديد؟ دعني اعترف بأن حجم الاستثمار والتبادل بين البلدين قد انخفض كثيرا بعدما وصل إلى 6 ملايير دولار قبل الأزمة الكروية· لكن حاليا الحمد لله بدأ في الانتعاش من جديد، فهناك شركات مصرية تريد أن تشتغل في الجزائر وتبحث عن فرصتها واستعادة ثقتها في المناخ الاستثماري في الجزائر، وإن تم ذلك فهناك شركات أخرى ستتبعها وتفتح فرص عمل جديدة للمصريين والجزائريين هنا تحسن عبرها حركية الإنتاج وتدرب عمالة وتنقل خبرة· المسؤولون في البلدين مدركون لهذا الأمر، بقي علينا أن ندعو المستثمرين ليأتوا الى الجزائر وأن نبلغهم أن ثمة متسعا وفرصا وإمكانيات رغم ما يثار حول القوانين· ففي النهاية الجزائر دولة ذات سيادة ومدركة لمصالحها كما أن الروتينية او البيروقراطية هي مشاكل موجودة حتى في مصر ويمكن تجاوزها، فنحن نعمل على إعادة الدفء للعلاقات الاقتصادية والتجارية، فهناك شركات مصرية أنتجت في مجال الألياف التكنولوجية الإعلامية منتجات تصدر حتى إى دول غربية لم تنتج حتى الآن في مصر· أين وصل ملف شركة ”جيزي” المملوكة لمجمع أوراسكوم وتشغل عمالة مصرية كبيرة في الجزائر؟ الذي أنا على علم به، أن ثمة مفاوضات وأن الجزائر تنوي شراء الشركة باستعمال حق الشفعة ودون بخسها حقها لأن أموال أوراسكوم في النهاية هي أموال الشعب المصري المساهم في رأسمال الشركة· فمجموع حوالي 80 بالمائة من أسهمها هي أموال عموم الشعب و12 في المائة فقط يمتلكها ساويرس، لكن ومع ذلك نحن نحترم السيادة الجزائرية ونتمنى أن يأخذ ملف ”أوراسكوم” طريقه إلى الحل قريبا، لأن ذلك سيكون بمثابة الإشارة القوية لرأس المال المصري بأن الاستثمار في الجزائر محكوم بالتحكيم الدولي في حالة نزاع وهذا يشجع كثيرا، وممكن بقاء الشركة تعمل في الجزائر بكل ذلك النشاط والحيوية والفاعلية واستمرار تامر مهدي على رأسها مؤشر على حل إيجابي قريب يضمن حقوق الجميع· كما أن اختيار مصر لتكون ضيفة شرف المعرض الدولي الذي سيصادف خمسينية استقلال الجزائر سيكون فرصة مواتية للمستثمرين المصريين من أجل اكتشاف المؤهلات التي يزخر بها السوق هنا· الحديث عن تبادل اقتصادي وتجاري واسع يجرنا إلى طرح مشكل التأشيرات، هل هناك تفكير في إلغاء التأشيرات بين البلدين؟ نحن نتمنى ذلك، لكن الإشكالات الأمنية لاتزال معقدة بين الجانبين ومع هذا فإننا نعمل جاهدين لتسهيل الحصول على التأشيرة سواء للمصريين او الجزائريين وقد تم الاتفاق بين وزيري خارجية مصر والجزائر على إنشاء لجنة قنصلية بين الجانبين للنظر في تسهيل وتطوير التأشيرات والدفع بها، فالمواطن لا بد أن يشعر بأننا في خدمته، أما المسائل الدبلوماسية الأخرى فهي لا تعنيه كثيرا حاوره: أحمد جوامعي محمد سلطاني