يتحدث القيادي في حزب ”الحرية والعدالة”، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين المصرية، في حواره مع ”البلاد”، عن الرهانات التي تواجه حزبه الحائز على نسبة 40 في المائة من أصوات المصريين في أولى تشريعيات تقام بعد ثورة 25 جانفي الماضي، على المستويين الداخلي والخارجي· كما يشرح الدكتور حازم فاروق رؤية ”إخوان مصر” المقبلين على تشكيل حكومة بعد إنهاء كل مراحل الانتخابات البرلمانية، لصعود التيارات الإسلامية في بعض الدول العربية وتحديدا في تونس والمغرب، وأثر كل ذلك على مستقبل المنطقة العربية التي تمر بمرحلة فارقة في تاريخها في ظل ما يعرف ب”ثورات الربيع العربي”··
بداية كيف تقيمون النتيجة التي حصلتم عليها في المرحلة الأولى من انتخابات مجلس الشعب المصري، المعلن عنها أول أمس؟ هذه النتيجة جيدة بالنسبة إلينا فنحن سعينا منذ البداية للحصول على نسبة 40 في المائة، حتى نتواءم مع أنفسنا وفهمنا للوضع الذي تمر به بلادنا، لأننا نعتقد أنه لن يستطيع أحد تسيير شؤون مصر والنهوض بها، إلا إذا تكاتفت جهود جميع القوى، بعيدا عن استئثار أي فئة دون الأخرى بالسلطة لنفسها، ولذلك نعتبر هذه النتيجة إيجابية ومرضية جدا خصوصا عندما تنتهي بالتعاون بالتوافق مع الأحزاب الناجحة الأخرى للوصول إلى تشكيل حكومة تحالف تنهض بمصر في المرحلة القادمة بإذن الله· لكن تحديدا تتحدثون عن حكومة تحالف، في حين أن المجلس العسكري يصر على تمسكه بصلاحياته في تشكيل الحكومة بدل البرلمان؟ نحن حريصين أن يكون الانتقال بمصر ما بعد ثورة 25 يناير عبر مسار ديمقراطي شفاف ونزيه يحسمه صندوق الانتخابات التي يشارك فيها الجميع، وتأتي بالأغلبية التي منحها الشعب ثقته لتشكيل الحكومة وقيادة البلد في هذه المرحلة الحساسة التي نمر بها· أما عن تصريحات بعض القريبين من المجلس العسكري، فنحن نرى أنه مع اكتمال الانتخابات البرلمانية في غرفتيه الممثلتين بمجلسي الشورى والشعب، ومع اكتمال تركيبة القوى داخلهما وعقب تشكيل الدستور سيكون هناك أمر آخر على الجميع أن يعيه جيدا وهو أن الشعب الذي قال كلمته ضد نظام حسني مبارك في 25 جانفي، هو نفسه الذي عبر عنها بصراحة في إقباله الكثيف على صناديق الاقتراع لتنقل السلطة بكامل صلاحياتها ومهامها من المجلس العسكري إلى قيادة مدنية انبثقت عن صناديق التصويت· هل نفهم من كلامكم أن ما وصف بحالة التناغم التي كانت بين جماعة الاخوان المسلمين ممثلة في حزبكم ”الحرية والعدالة” والمجلس العسكري قبل التشريعيات، قد تزول الآن بسبب الخلاف حول من يمتلك صلاحية تشكيل الحكومة لتسيير المرحلة الانتقالية؟ نحن نسعى بكل صدق لأن تكون هناك حالة من التناغم بين جميع مكونات المشهد الشعبي والسياسي والرسمي في مصر، طبعا مع استثناء بقايا النظام البائد وفلول الحزب الوطني المحل ورجال الأعمال المشهورين بفسادهم وتورطهم في نهب المال المصري، بل ومنهم حتى من شارك في تأجيج الاضطرابات التي أعقبت فترة تنحي مبارك عن منصبه· نحن في حزب الحرية والعدالة نتصور أن المجلس العسكري بقيادة المشير طنطاوي يمتلك من الحكمة والوطنية ما يكفي ليجعله حريصا على الاستمرار في هذا التناغم، بل وتنميته إلى مراحل أكثر تقدما مما هو عليه الآن· لو استمر المجلس العسكري في التمسك بصلاحيات السلطة، هل يبقى خيار النزول الى الشاعر مطروحا بالنسبة اليكم للضغط على العسكر من أجل تسليم السلطة والصلاحيات للبرلمان المنتخب؟ حتى لا نستبق الأمور، بعد نهاية انتخابات مجلسي الشعب والشورى نكون قد وصلنا إلى شهر مارس ولن يبقى على انتخابات الرئاسة سوى شهرين أو ثلاثة حينئذ سننتظر هذه الانتخابات··· ونحن نتصور كما قلت أن لقيادات الجيش المصري من الحكمة ما يجعلها تراعي مصلحة مصر أولا· الانتخابات الأخيرة رسمت خارطة سياسية مختلفة تماما عما سبقها، خصوصا مع بروز التيار السلفي في الواجهة ممثلا بحزب ”النور” والأحزاب المؤيدة له في النهج ، هل نتوقع قيام تحالف داخل البرلمان بين السلفيين والإخوان على اعتباركم تنتمون لنفس الطيف الايديولوجي، وهل خيار التحالف مع الأحزاب الليبرالية الموصوفة بالحداثة وارد بالنسبة اليكم؟ أولا ما حدث بحصول التيارات الاسلامية على نسبة 65 في المائة من أصوات المصريين سواء تعلق الأمر بالإخوان أو السلفيين أو الأطياف الأخرى المحسوبة على الساحة الإسلامية، دلالة صريحة على أن الشعب المصري يريد إسلامه وفطرته السوية ويريد تطبيق نموذج الدولة العصرية بمرجعية إسلامية، رغم الضجيج والصياح الذي يثار هنا وهناك بخصوص التشكيك في شفافية خطابنا ووضوح رؤيتنا للدولة المنشودة· الأمر الثاني نحن ككتلة حزب الحرية والعدالة المصنفة على أنها الفائز الأول، نمد أيدينا لكل القوى السياسية في صورة تحالف سياسي نشرع في تنفيذه منذ الآن لنخوض به معارك داخل البرلمان أمام الحكومة القادمة· هل بدأت بعض ملامح هذا التحالف تتبلور لديكم؟ طبعا بعد انتهاء تشكل هذه الخارطة الجديدة سوف يكون لكل حادث حديث· ما حقيقة ما يقال حول وجود صراع أو تنافس سعودي قطري للتأثير في القوى السياسية الاسلامية داخل مصر، وهنا نتحدث تحديدا عن دعم مالي ومعنوي من الرياض للسلفيين ومن الدوحة للإخوان؟ الإخوان المسلمون صفحتهم بيضاء ناصعة نقية أمام الجميع، وإذا كان لدى البعض أي إثبات بخصوص هذه التهم ضدنا فعليه أن يتقدم به أمام المجتمع والقضاء المصري· أما إطلاق هذه التهم من قبل أطراف ليبرالية وغيرها بهذا الشكل الغريب، فهو يعكس حالة المريض الذي يرمي الناس بمرضه ليبعد عنه الشبهة· طوال فترة نضالنا ونشاطنا كدعوة وكتركيب سياسي كانت سيرتنا ولازالت لا تذكر إلا بما يشرفها والجميع يعترف ويقر بهذا· أنتم تعرفون أن الوصول إلى مقاعد البرلمان قد يكون أسهل من المحافظة عليها، فهل الحركة قادرة على الحفاظ على رصيدها القديم الذي جعلها تكتسح المشهد المصري في هذه المرحلة، وهل تنظرون إلى السلطة على أنها تحد جديد أمام الإخوان؟ طبعا المرحلة القادمة هي أكبر تحدي سياسي تواجهه جماعة الإخوان عبر تاريخها الطويل منذ تأسيسها قبل 83 سنة، وبالتالي فنحن مدركون لهذه الصعوبة، خصوصا وأن التركة التي ورثناها عن النظام السابق مثقلة ومهترئة مؤسسات شبه منهارة، أمن مهلهل واقتصاد فاشل وضعيف· لذلك نتصور أنه في ظل الأوضاع الجديدة بالتحالف الذي قد نعقده مع قوى وطنية أخرى سنتمكن من مواجهة هذه التحديات· يثار الكثير من اللغط حول علاقة الإخوان بأمريكا، هل تؤكدون وجود اتصال بينكم وما رأيكم فيمن يتحدث عن وجود اتفاق بينكم وبين واشنطن بخصوص رفع الأخيرة الفيتو عنكم للوصول إلى السلطة مقابل تنازلات تقدمونها على مستوى السياسة الخارجية؟ هذه دعاية أمريكية ساقطة، ويبدو أن إدارة أوباما بعدما عجزت عن مجرد التنبأ بالثورة في مصر وتونس، حاولت القفز كما وصفه نعوم تشومسكي على الثورات لتوجيهها عبر الدعايات البعيدة كل البعد عن الواقع· ويكفي الرد على هذا الادعاء بالقول إن الاخوان لم يعتمدوا خلال 83 عاما الماضية على أحد غير الله وإرادة الشعب المصري وبالتالي فمن غير المنطقي أن يعتمدو عليها الآن، خصوصا وأن أمريكا ذاتها لم تستطع أن تدرأ عن نفسها الخطر في أفغانستان والعراق· نحن نقول إن هذه دعاية ساقطة لأن علاقتنا بالغرب وأمريكا وجميع اتصالاتنا كانت معلنة وتنشر كل تفاصيلها عبر مواقعنا الإعلامية المعروفة، ليس لدينا شيء نخفيه لأن سياستنا الخارجية واضحة· الأمر الذي يثير الكثير من التساؤل ولم نجد له جوابا شافيا من الإخوان، كيف سيتعاطى البرلمان ذو الغالبية الإخوانية والحكومة التي قد يشكلها الاخوان مستقبلا، مع ملفات السياسة الخارجية الكبرى لمصر ونتحدث هنا تحديدا عن قضية اتفاقية السلام مع إسرائيل؟ سياستنا الخارجية ستبنى على مبادىء الاحترام والمصلحة المتبادلة مع كل الدول في العالم، ونحن تحدثنا ونكرر ذلك أننا سنتحرك وفق 3 دوائر تشمل الدائرتين العربية والاسلامية ثم الدائرة الافريقية والعالمية، فنحن نمد أيدينا لكل الدول في العالم على تلك الأسس التي أشرنا إليها· أما بخصوص الاتفاقات المعقودة سابقا في ظل نظام مبارك والسادات، فقد أعلنا سابقا أننا نقبلها جميعا طالما أنها لم تعرض على البرلمان لأننا دولة قانونية ودستورية تحترم التزاماتها الدولية· أريد جوابا واضحا دكتور ما مصير ”كامب ديفيد”، في حال سيطرتكم على البرلمان وتشكيلكم الحكومة؟ نحن لا نقفز على الأحداث، فالرأي لا يؤخذ إلا من أصحابه والرأي في أي اتفاقية أو قانون يكون للشعب ممثلا في البرلمان· هل نفهم من كلامك أن عرض اتفاقية السلام لإعادة النظر فيها أمام البرلمان أمر وارد؟ هذا ليس في برنامجنا، لكن إذا أراد الشعب أن يغيرها أو نواب الشعب أرادوا ذلك فلهم كامل الحق والصلاحيات، وحينها سنكون ملتزمين بما يقرره الشعب برمته عبر ممثليه وجميع قواه الحية· وحتى أكون صريحا معك نحن بقدر ما نحترم ونلتزم بما أبرمته الدولة المصرية من اتفاقيات دولية سابقة، فإننا بالمقابل نحترم ونلتزم بقرار الشعب المصري عبر ممثليه في قبة البرلمان· المصريون لم ينتخبوكم فقط لخطابكم السياسي أو الايديولجي بقدر ما اختاروكم أيضا لانتشالهم من حالة البؤس التي يعيشونها، هل تمتلكون رؤية اقتصادية واضحة للخروج بمصر من حالة الركود والضعف الذي تعانيه؟ بداية دعني أنبه إلى أن ما يقال عن الوصول إلى حالة الإفلاس وتردي الاقتصاد وتفككه هو دعايات مغرضة يثيرها رجال أعمال فاسدين نعرفهم بالاسم والصفة عبر فضائيات معينة· نحن نقيّم أن الحالة التي يعيشها الاقتصاد المصري اليوم هي ذاتها من الضعف والتدهور في عهد مبارك، بالطبع لنا رؤية واضحة ومحددة في برنامجنا الاقتصادي عرضناه على الشعب ، ومبني أساسا على التطهير وغلق منابع الفساد ووقف نزيف ثروة البلد وفق مبدأ سيادة القانون بعيدا عن منطق الثأر أو الاستئصال الثوري· ثانيا وضع كل ذي كفاءة ثم ذي ثقة في مكانه المطلوب، ثم تسطير خطة اقتصادية واجتماعية متكاملة يشرك فيها جميع الخبراء في هذا البلد· لكن كل هذا يحتاج إلى مصادر تمويل ضخمة قد لا تتوفر مستقبلا، في ظل ما قيل عن تراجع محتمل للدعم الأمريكي والخليجي تحديدا لحكومة إسلامية في مصر؟ لنكن واضحين المعونة الأمريكية على ضعفها ورمزيتها كان 80 بالمائة منها يذهب لجيوب الفاسدين من رموز النظام البائد ممثلين في أسرة مبارك والمجموعة المحيطة بهم في السلطة، وبالتالي لم نستفد منها في الحقيقة، وكذلك الحال مع أموال الخليج التي لم تأتي يوما للشعب المصري وإنما كانت تصب في حسابات خاصة للمسؤولين أو صفقات سمسرة السلاح ولدينا كم كثير من قضايا الفساد المرتبطة بهذا الأمر وبالتالي غلق تلك المنافذ سيكون لوحده كفيلا بتوفير الكثير لهذا البلد· موجة صعود التيارات الإسلامية في المنطقة كيف ترونها، هل هي وليدة لحظة آنية، كما يقال، سيزول بمجرد ما تنضج التجربة الديمقراطية في هذه الدول؟ أعتقد أن ما شهدناه من صعود الأحزاب الإسلامية في انتخابات تونس والمغرب، يعكس رغبة الشعوب العربية في التصالح مع هويتها والتمسك بها، وهذه التجارب أثبتت أن ما حيل بين الشعوب العربية وهذا الخيار هو الدعاية الإعلامية المغرضة والحصار الأمني الذي كان مفروضا على الناس والإسلام الحركي في هذه الدول وغيرها· أنا أشبه هذا الصعود الإسلامي بطائر الفينيق الأسطوري الذي يخرج من تحت الرماد ليضلل الأمة الإسلامية بظله التاريخي الذي طالما كان مشرقا أيام كان العالم يحسب حسابا لهذه الإمبراطوريات الإسلامية التي حكمت عبر القارات لقرون طويلة· في أدبيات الإخوان لا يغيب مصطلح ”الخلافة الإسلامية”، مع صعود النهضة في تونس وحزب العدالة والتنمية في المغرب، هل يمكن أن نتحدث عن مشروع بلورة وحدة إقليمية تحت أي مسمى كان، خصوصا وأنكم تتقاسمون جميعا نفس المفهوم بالنسبة لقضية ”دولة الخلافة”؟ نحن غاية في الصراحة·· بقينا 83 سنة ثابتين على مبادئنا لم نغير منها شيئا، لأننا نستمدهما من الكتاب والسنة الصالحين لكل زمان ومكان، إذا كان البعض يبحث عن ولايات متحدة إفريقية والبعض يبحث عن شراكة متقدمة مع الاتحاد الأوروبي فهل يلومنا البعض على دعوتنا ورغبتنا في أن تكون لدينا ولايات عربية أو إسلامية·· أعتقد أن هذا من الظلم نحن نبحث عن وحدة عربية تماثل الوحدة الأوروبية بل أفضل فنحن نبحث عن كيانات وحدة أكبر بغض النظر عن المسميات التي يريد البعض أن يسميها ”خلافة إسلامية” ليس هناك مانع، وأعتقد أن صعود الإسلاميين في تونس والمغرب ومصر وهم جميعا يحملون التصور الوحدوي ذاته سيكون محفزا ومدعما لتجسيدها عاجلا أم آجلا بحول الله· حاوره موفد ”البلاد” إلى القاهرة: أحمد جوامعي